تتزايد هموم ومشاكل الفلاح وتتنامي صور استغلاله بشكل مخيف، فالأرقام والاخصائيات تشير إلي تراجع مكاسب الفلاحين حيث يبلغ فرق التكلفة مقارنة بعائد الإنتاج لفدان القمح 860 جنيهاً تقريباً وللقصب 940 جنيهاً وللذرة مائة جنيه بينما يخسر الفلاح في الأرز 850 جنيهاً وهو ما يهدد بانصراف صغار الفلاحين عن تلك الزراعات ومن ثم تهديد الأمن الغذائي المصري. «روزاليوسف» قابلت مجموعة من المزارعين ورصدت مشاكلهم ومكاسبهم وخسائرهم بالأرقام. عبد الستار أبو زيد مزارع من محافظة سوهاج يشير إلي أن ارتفاع أسعار الأسمدة الأزوتية العام الماضي بنسبة تزيد علي 100% وتم تخفيض المقتنيات مما اضطر الكثير من المزارعين إلي شراء الأسمدة من السوق السوداء لاستكمال احتياجات المحاصيل منها فبلغ سعر شيكارة السماد التي كانت تباع بمبلغ 37.5 جنيهاً إلي أكثر من 140 جنيهاً في السوق السوداء في بعض المناطق وزادت أيضاً أسعار الأسمدة الفوسفاتية بنسبة كبيرة بقرار من جانب الشركات المنتجة لهذا العنصر الأساسي الذي يمثل من 25 إلي 30% من تكلفة إنتاج أي محصول. لافتاً إلي أن القيمة الإيجارية زادت بنسب كبيرة خلال السنوات الأخيرة حيث بلغ إيجار الفدان حالياً أكثر من 5 آلاف جنيه في العام وصاحب ارتفاع أسعار السولار بنسبة كبيرة ارتفاع في تكاليف العمليات الزراعية إلي جانب الزيادة التي طرأت علي أجور العامل الزراعي. محمود صلاح الدين - مزارع من مركز طما بسوهاج وهي أكبر محافظة في زراعة القمح - يلفت إلي أن مدة زراعة محصول القمح 6 شهور ومتوسط تكلفة زراعته حوالي 4 آلاف جنيه منها 2000 جنيه قيمة إيجارية ومتوسط إنتاج الفدان 18 أردباً مع استخدام تقاوي من محاصيلهم القديمة ينخفض الإنتاج إلي حوالي 14 أردباً للفدان. وفي دراسة قامت بها الجمعية التعاونية الزراعية لمنتجي قصب السكر حول تكاليف زراعة فدان القصب أوردت جميع تفاصيل وتكاليف الزراعة مقسمة إلي قسمين الأول تكلفة مصروفات الخدمة في التجهيز وإعداد الزراعة من حرث وتسوية وغرس التقاوي ونقلها والتحويض والتي بلغت 2175 جنيهاً مقسمة علي 5 سنوات لزراعة الخلفات أما القسم الثاني فبلغ 8005 جنيهات وهو يمثل تكاليف زراعة الفدان ومصروفاته بعد الغرس وحتي حصاد المحصول مما يعني أن إجمالي المصروفات 8440 جنيها ومتوسط إنتاجية الفدان في هذا المحصول الذي يظل طوال العام 40 طناً. وذكرت الدراسة أن سعر توريد قصب السكر بلغ هذا العام 234.5 جنيه للطن فمعني ذلك أن متوسط الإنتاجية 9380 جنيهاً ومكسب المزارع 940 جنيهاً للفدان كل عام. أما أدهم سليم أحد مزارعي الأرز بمركز أبوكبير بالشرقية فيقول: إن تكلفة محصول الأرز للفدان تصل إلي 4 آلاف جنيه منها 2000 جنيه قيمة إيجارية للأرض والباقي مصروفات عمالة وأسمدة وأشياء أخري ومدة زراعة الأرز حوالي 6 شهور بينما تتراوح أسعار توريده ما بين 800 و 900 جنيه للطن ومتوسط إنتاج الفدان 3.5 طن، مما يعني أن الفلاح الذي يزرع الأرز يخسر حوالي 850 جنيهاً، مضيفا أنه قبل قرار منع التصدير ونتيجة المنافسة بين الشركات المصدرة له وصل سعر الطن إلي 1500 جنيه وكان هذا يحقق ربحاً للمزارعين. ويعلق عبدالرحيم الغول رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس الشعب بأن الواقع يؤكد أن الفلاح سينصرف عن زراعة المحاصيل التي لا تحقق له عائدا وقد حدث ذلك بالفعل في السنوات الماضية فانخفضت المساحات المزروعة من القطن وأيضا قبل الزيادة الأخيرة لأسعار القصب كان هناك توجه لدي المزارعين للإحجام عن زراعته وهذا يهدد الأمن الغذائي في مصر نتيجة عدم زراعة المحاصيل الغذائية الأساسية. ويطالب الغول بزيادة أسعار توريد الحاصلات الزراعية الرئيسية ومضاعفة مبلغ ال500 مليون جنيه المخصص لتسوية مديونيات المزارعين لدي بنك التنمية الزراعية وتحويل المبالغ المتاحة بصندوق دعم الأسمدة التي تبلغ 1.2 مليار جنيه إلي بنك التنمية، بالإضافة لمراجعة أسعار مستلزمات الإنتاج وإلغاء الزيادات التي طرأت عليها في الفترة الماضية ووضع نظم تسويقية تتناسب وقدرات الفلاحين. ويفسر د. خيري العشماوي أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث أسباب خسائر الفلاحين في المحاصيل الاستراتيجية وكيفية تعايش المزراعين مع هذه الخسائر قائلا: إن الفلاح يعاني من الخسائر في معظم المحاصيل الزراعية ماعدا محاصيل الخضر والفاكهة التي يزرعها غالبا المزارعون الكبار لما تحتاجه من معدات وامكانيات ضخمة ولكن معظم فلاحي مصر من أصحاب الحيازات الضعيفة وإمكانيات وقدرات مالية محدودة فلا يطورن زراعاتهم ويتسبب ذلك في الخسارة. ويؤكد أن الدور الذي انشيء من أجله بنك التنمية الزراعية هو مساعدة المزارعين ماليا للنهوض بمستوي الزراعة ولكنه واجه قصورا في أداء عمله ولم يتابع القروض التي أعطاها للمزارعين التي من المفترض أنها مخصصة لزيادة الإنتاج واستخدمها المقترضون في شراء السلع الاستهلاكية أو تزويج أبنائهم ولم يستطيعوا سداد مديونياتهم فيما بعد مشيرا إلي أن السبب الآخر في خسائر الفلاحين عدم وجود توازن بين أسعار المستلزمات وأسعار المحاصيل فزادت مدخلات الإنتاج بصورة كبيرة ولم تقابلها زيادة في أسعار المحاصيل. العشماوي يطالب باتباع سياسة سعرية متزنة للمحاصيل الزراعية الأساسية وتفعيل صندوق موازنة الأسعار والتوجه إلي مجال التصنيع الزراعي الذي يساهم في زيادة دخل المزارعين خاصة الذين لا يعملون إلا بالزراعة.