إذا نظرت في المرآة ستري نفسك، وغالبا ستعجبك صورتك وربما غازلتها!. لكن إذا فعلت هذا فور أن تصحو من النوم أشك أن يحدث هذا. فما بالك لو نظرت للمرآة وقد تلقيت بالأمس علقة ساخنة مازالت آثارها واضحة علي وجهك الجميل؟!. الحل عندئذ أن تتجنب النظر إلي المرآة. فإذا كانت تواجهك فالأفضل أن تغمض عينيك كلما مررت بها. أما الحل الثوري فهو أن تحطمها تماما. لكن عيب هذا الحل أنك قد تنسي صورة وجهك الجميل الذي تحبه وتري أن الناس لا بد أن تحبه مثلك. مع ذلك فعلاجه بسيط.أن تعلق مكان المرآة صورة لك وأنت في أفضل حالاتك وإن كنت مسنا فلتكن صورتك وأنت في أوج شبابك. هكذا يخرج كل منا للناس محتفظا في مخيلته بالصورة التي يحبها لنفسه باعتبارها تمثل حقيقته المطلقة. فإذا قابل الناس ضحك من وجوههم المشوهة وقد أخذوا نفس العلقة. والبعض - إذا كان سياسيا- لا يضحك وإنما يبصق في الأرض سخطا علي هؤلاء الذين يجرءون علي الخروج للطريق علنا بهذه الوجوه المشوهة. المسرح مرآة المجتمع هل عرفت الآن لماذا يبدو الناس في بلادنا وكأنهم يكرهون المسرح ؟! لماذا لا يقبلون علي الشعر والقصة والرواية وقراءة الكتب والصحف؟!. لأنهم لا يحبون أن يواجهوا صورهم الحقيقية. بينما كل الفنون والآداب تحاول أن تناقش الواقع الذي يبدو غامضا وملتبسا وتناقش يا للهول المسكوت عنه فتثير الأسئلة حوله.وهو ما يفزع الناس لأنه يحتاج أن يكون المرء معتادا علي القراءة ومدارسنا منذ ستة عقود تشجع علي كراهيتها. وهكذا ينصرف الناس عما لم يتعودوا عليه ولم يدركوا ضرورته وقد تخطوا مرحلة الدراسة الكئيبة وحصلوا علي الشهادات الجامعية. فالاحتكاك بالأدب بعدها يستدعي لأذهانهم ذكرياتهم الأليمة عندما كانوا تلاميذ، والأفضل الآن ألا يواجهوا جهلهم من جديد. الآداب والفنون يكرهها كل رجال الأعمال ورجال المال والبورصة ويكرهها كل المسئولين وكل السياسيين حكومة ومعارضة وإن تظاهروا بغير ذلك من قبيل حسن السياسة. ويكرهها المدرسون الذين درسوها للطلبة بحكم أنه أكل عيش. ويا ريت المرتب يقضيهم ياكلوا لحمة. لكن تعاطي الأدب - وربنا ما يحكم علي حد- يتم بشكل فردي. فيخلو المرء إلي نفسه مع الكتاب والصحيفة و النت. والأفضل أن يفتح التليفزيون فيعرف بعض الأخبار ويسمع بعض الكلام ليردده باعتباره من العارفين والأفضل أن يقلب بين القنوات بحثا عن أغاني هابطة وأفلام شاهدها مرارا أو يغلق الجهاز ويشوف حاله. أما المسرح، والمسرح تحديدا فهو مشكلة أكبر يصل إلي حد الكابوس. فالناس ترتدي ملابسها وتخرج من بيوتها وتركب وسيلة مواصلات لتذهب وتعود.فهو يكلف وقتا أكثر وفلوسا أكثر وجهدا أكثر. لذلك فالناس لا يتذكرونه ليبحثوا عنه. أما رجال الدين عندنا فهم يحذرون الناس من الآداب والفنون باعتبارها من عمل الشيطان. لا فن التليفزيون الذي يتيح لهم أن يفتوا للملايين بهذه الفكرة فالإنسان عدو ما يجهله. بينما يشجعه المسئولون ويدعمه رجال الأعمال ويقبل عليه الناس ولكن في بلاد غير بلادنا. فإذا فكر بعض الناس عندنا من قبيل الفضول الذهاب للمسرح فضلوا البحث عن المسرح الذي يعرض عليهم مرايا مزيفة تظهرهم علي غير حقيقتهم. وتظهر غيرهم في صورة تشوههم أكثر مما هي مشوهة أصلا!.بينما الأصل أن يعرض المسرح علينا صورتنا في المرآة التي هربنا منها أو حطمناها.يعرض الصراع الذي يدور داخلنا بين حب المرآة وكراهيتها لنا وهي المواجهة التي يحرص مجتمعنا علي تفاديها بأي ثمن خاصة إذا تم ونحن نجلس في المسرح جماعة نشاهد صورتنا معا. بقي أن أغلب الذين يصنعون مسرحنا لا يحبون المسرح!! فهم أبناء هذا المجتمع مش حد غريب من بره. عندنا من المسرح نوعين. خاص وعام. الخاص منه بعد أن قدم مسرحيات هي سلسلة من النكت المتكررة ملها الجمهور لأنه حفظها.وبعد أن أصبح إنتاجه مكلفا وتذاكره لا يتحملها الجمهور. انصرف عنه الممثلون من المشاهير لأن السينما تزيد أرباحهم وشهرتهم وتكلفهم وقتا وجهدا أقل. أما العام منه فهو ملك للموظفين الذين يديرونه أو يعملون به هم وأصحابهم وأقاربهم ومعارفهم من الصحفيين. هم لا يقصدون أن يقدموا للجمهور صورا مزيفة ولا يقصدون عكس ذلك. لكن عملهم بالمسرح هو الوظيفة المتاحة أمامهم. ومنهم طبعا الممثلون المعينون في الحكومة أو النجوم الذابلة التي تستورد من خارجها. في البدء كان الممثل هذا ما جاء في سفر تكوين المسرح عندنا. وفي سفر الخروج كان الجمهور الذي خرج ليري الممثل يستعرض ذاته في مرآة ذاته فيعرضها عليهم باعتباره أجمل الكائنات لأنه لا كائنات غيره . والجمهور الذي هو أقليه مازال تائها في الصحراء يبحث عن أرض موعودة لا يعرف طريقها. المسرح مرآة المجتمع. ومجتمعنا لا يعترف بالصراع الداخلي الخلاق الذي يشكل عصب الدراما المسرحية والذي يؤدي إلي لحظة التنوير فيحدث التغيير. مجتمعنا المصري يقلد المجتمعات العربية في إنكار هذا الصراع ونفيه. فالمرايا لا لزوم لها بل تعطل المسيرة. هويتنا الخاصة التي نعرف بها بين العالمين تعني وضع العربة أمام الحصان. عندنا نحن فقط ( في البدء كان الممثلون) وكان الموظفون وكان المسئولون. هم البداية والنهاية ويأتون قبل الدراما وقبل الأمة وقبل الشعب والجمهور. بماذا خرجت من هذه المقال إن كنت قد قرأت سطوره للنهاية؟ حاولت أن أقول لك إن مشكلة المسرح لا تشكل أي مشكلة للمسئولين أو غالبية الناس ومن يعملون بهذا الفن. أي هي ليست أي مشكلة لمن يعيشون علي ضفتي نهر النيل. وأشك أنها تهم القارئ. فقط أردت فقط أن أوجع دماغك!!.