«خبز وورود» كان مطلبا إنسانيًا جاء في قصيدة نشرت عام 1911 في نيويورك. كاتبها رجل اسمه جيمس اوبنهايم. والقصيدة بمعانيها ومطلبها «خبز وورود» «كغذاء للبطون والقلوب معا» تحولت لشعار في إضراب عمالي نظم في عام 1912 شاركت فيه عاملات كثيرات. والاحتجاج كان في مدينة لورنس بولاية ماساسوستش. والقصيدة والشعار والمطالبة النسائية بحقوقها وأيضا بالخبز والورود «بكل معانيها» مازالت حية ومطلوبة ولو بعد مرور 100 سنة. وأكيد لسه حتفضل.. طالما للمرأة ولنا مطالب. «يصدمني في الحركات النسائية نزوعها للانتقام» قالتها الكاتبة البريطانية وامراة المواقف دوريس ليسنج. والحاصلة علي نوبل للآداب عام 2007 والتي عاصرت وعايشت أغلب هذه الحركات تري أن المرأة نعم يجب أن تطالب وتناضل وتكافح من أجل حقوقها ولكن ليس من حقها أن يكون كل ذلك للانتقام من الرجل أو ممن يختلفون معها أو للاستهزاء من نساء أخريات اخترن طريقا آخر. «أستعذب الاختلاق وخلط الأوراق ببعضها البعض، وأهوي المقامرة التي غرسها أبي في نفسي بمهارة التجار ومكرهم» هذا ما كتبته في أوراقها سلمي بطلة رواية «وراء الفردوس» لمنصورة عز الدين. وكتبت أيضا «لم أكن أدري أني حين أكبر ستكون مهمتي اختلاق ما لم يحدث، وخلط الواقع بالأوهام، وسد ثغرات الذاكرة عبر الاختلاق والمراوغة،الذاكرة تلك الآلة المخاتلة التي تخذلني كلما اعتمدت عليها». وأكيد سلمي ليست وحدها فيما فعلت وحلمت واختلقت وخلطت وقامرت. فالحياة في حاجة لكل هذا لكي نعيشها بطولها وعرضها.. بحلوها ومرها. ولم تتردد مارجريت تاتشر في أن تقول «في السياسة إن أردت أن تقول شيئا اسأل رجلا وإن أردت أن تفعل شيئا اسأل امرأة». تاتشر المرأة الحديدية بخبرتها وتجربتها تتحدي الرجال وصورهم النمطية عن النساء في السياسة بشكل عام.ولكن هل المرأة فعلا اذا أرادت أن تقول شيئا تسأل الرجل؟ ربما. وإذا أرادت أن تفعل شيئا تسأل المرأة امرأة أخري؟ أشك.. ولو لك رأي آخر مستعد أسمعك وأقتنع. والعالم كله في احتفاله بيوم المرأة العالمي يوم 8 مارس قال الكثير وكتب الكثير وهلل بالقليل وطالب بالكثير. والمناسبة بلا شك كانت فرصة لإلقاء نظرة أو أكثر من نظرة - علي وضع أو أوضاع المرأة في العالم. ولعل الملاحظة التي يتوصل إليها أي متابع لهموم البشر ومشاكل العالم هي أن المرأة كانت ومازالت هي أكثر العناصر البشرية تأثرًا وتضررًا بما يحدث من أزمات في العالم غربًا وشرقًا.. شمالاً وجنوبًا. واسألوا في هذا تقارير الأممالمتحدة. والأدهي أن المرأة غالبا ما تلام وتحاسب علي ذلك وأكيد يقع عليها فيما بعد عبء تدبير الأمور والخروج من عنق الزجاجة إن كانت هناك إمكانية لفعل ذلك - وأثناء الاحتفال بمئوية يوم المرأة العالمي صدرت نتائج استطلاع للرأي جديد شارك فيه أكثر من 24 ألف شخص من 23 دولة. اتضح منها أن شخصا واحدا من أربعة أشخاص يفضل بقاء المرأة في المنزل وعدم خروجها للعمل. وأن غالبية المطالبين أو المؤيدين لبقاء المرأة في المنزل تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما «أي أنهم من الأجيال الجديدة وليسوا من الأجيال والعقليات القديمة!!». وكشفت النتائج عن أن نسبة المفضلين لعدم خروج المرأة للعمل في الهند تصل إلي 54 في المئة وتركيا «52 في المئة» واليابان (48 في المئة) والصين وروسيا والمجر«34 في المئة». وأكيد هنا يجب ان نتساءل وربما للمرة العشرين لماذا هذه النظرة؟ وهل عمل المرأة في تلك البلاد يعد إخفاقا أكثر من كونه إنجازا؟ أم أن ثمن عملها وتداعياته كثيرة علي حياتها الشخصية؟ كلها أمور مطروحة للنقاش وغير قابلة للحسم، ويقال إنها هي طبعا صاحبة القرار إذا أرادت أو استطاعت ذلك -. والحديث عن المرأة بشكل عام أو حتي حديث المرأة عن نفسها كان ومازال منطقة ملغمة وشائكة وغالبا فيها مخاطرة.. لا يحب أن يغامر فيها ويقامر بها كل شخص. وإن كان هذا التردد أو التحفظ في حد ذاته «كما نراه دائما» أمرًا محسومًا ومع الأسف لكل من له أو من لها الرأي أو الموقف المتطرف. إما مع التحرر التام أو التحجيم المطلق. يعني «هما واخدين راحتهم فيه» طالما إنه أبيض أو أسود،غالب أو مغلوب، و«أنا وبعدي الطوفان».والمعركة مستمرة. كما أن الطريف وأيضا المخيف في الأمر أن نري في كل بقاع العالم ونحن في القرن الحادي والعشرين «كما كان الأمر من سنين أو قرون» وبكل لغات الشعوب أنه كلما وصلنا لطريق مسدود أو شارع سد في الحوار المنتظر «تطلع كل القطط الفطسانة و.. كل الكلاكيع والعقد» ليصدر الحكم الحاسم «طبعا إنت عارفة صنف الرجالة» أو «أكيد إنت عارف نوع النسوان أو الحريم». وطبعا العم حسين مرجعيتنا في حكمة التعامل مع الحياة له فلسفته ومفهوميته في التعامل مع النساء، إذ يقول «يغلبن كريم ويغلبهن لئيم. اللهم اجعلني كريما مغلوبا ولا تجعلني لئيما غالبا». وأكيد كل كرم وكل لؤم له ثمنه وكل فوز وهزيمة له أو لها ثمن. والعم حسين وغيره ماعندهمش مانع يدفعوا الثمن. وطالما أننا نحتفي ونحتفل بالمرأة علينا بالمناسبة أن نستمع إليها وننصت لما تراه وتطلبه من الرجل. وهنا أجد نفسي ملتفتا لكتابات مي زيادة «1886 1954»، تلك المبدعة الظاهرة التي سطعت في سماء الثقافة العربية لسنوات محدودة ( تحديدا في العشرينيات من القرن الماضي) ثم طاردتها الأقاويل والحكايات وأحكام المجتمع وظلمه أيضا.ولعل تجاهلها أو نسيانها عمدا هو مطاردة لها ولو بعد عشرات السنين -. وهكذا يتم وأد النساء وآرائهن وأصواتهن. مي زيادة وهي تتحدث عن الرجل المثالي أو الكامل نسبيا تكتب تحت عنوان «كيف أريد الرجل أن يكون»: «الرجل الذي يكون فعله حلا للمشاكل لا عقدة فيها، نورا في الظلام لا ظلاما في النور، تعزية في الألم لا ألما في التعزية، نشاطًا في اليأس لا يأسًا في النشاط، الرجل الشهم الكريم الجميل جمال الرجولة المهيب، الرجل المرئ الحصيف، وفي نفسه ذلك الحنان الواسع الذي ليس من خصائص الضعفاء كما يزعمون، بل هو من أنفس مواهب الأقوياء. الرجل الذي يمر في زمانه وقومه فينتفع بجميع الممكنات المقدمة له، ولكنه يترك علي ذلك الزمان وذلك القوم طابعه المبين!.» وهذه الكلمات نقرأها في مجلة «المقتطف» فبراير 1926، وبالأمس عندما أطلعت صديقة علي ما كتبته مي نظرت إلي بدهشة وقالت بسخرية: «هو فين الراجل ده لو كان لسه عايش. نفسي أشوفه قبل ما أموت». وطالما أن ملف المرأة في مجتمعنا هو شاغلنا فأكيد لو مارست ولو لبضعة أيام هواية أو غية قراءة الصحف المختلفة من أجل قراءة كف المجتمع أو قراءة الطالع «والنازل بالمرة في دنيانا» أكيد حتشوف وحتكتشف الكثير. ففي ملف المرأة تحديدًا صفحات الحوادث والجرائم وأيضا الصفحات الدينية سوف تكشف الكثير عما اللي إحنا فيه أو اللي إحنا وصلنا إليه واقعا وتفكيرا ونفسية وعقلية -. وأترك لك حرية الاختيار والاستنتاج. يعني «خد راحتك.. وخد وقتك كمان». و«كده وكده إحنا متأخرين.. وغالبا مش مستعجلين» وهي الجملة التي يذكرني بها صديقي حسام كلما تحدثنا عن أمور تتعلق بمواكبة العصر. وتحت عنوان «الاحتفال بيوم المرأة: تغيير ثقافة» يكتب د. علي محمد فخرو المفكر والوزير البحريني الأسبق في مقال نشر بأكثر من صحيفة عربية «في كل القضايا الكبري كقضية محنة المرأة العربية عبر التاريخ وفي الحاضر، هناك جانب مركزي أساسي يدور من حوله العديد من الجوانب الفرعية والهامشية. وما لم يتم التوجه للتعامل أولاً مع المدخل المحوري للقضية فإن الموضوع يظل دائراً حول نفسه عبر القرون». ود. فخرو لم يكتف بوصف الحالة كما هو الحال غالبا كبكاء علي الأطلال إذ بعد أن يتطرق ويتعرض «للفهم القاصر الجامد» «حسب وصفه» في فهم المرأة وتحديد دورها مبينا خطورة الأمر وضرورة التعامل معها يكتب «فمثل مشكلة كبيرة معقدة، كالمشكلة التي نحن بصددها تحتاج إلي مؤسسات فقهية بحثية متكاملة في تكويناتها، متناغمة في أهدافها، متعاونة فيما بينها إلي بناء مؤسسات فقهية جديدة تضم علماء الدين الموضوعيين غير الخاضعين لهذه الجهة أو تلك وغير الخائفين من جموع الجاهلين هنا أو هناك كما تضم علماء في حقول المعرفة الإنسانية والاجتماعية والنفسية والصحية والعلوم الطبيعية لتخرج بنتائج تزيل ما علق بساحة الفقه المتعلق بالمرأة وتدمجه مع الفقه المتعلق بالرجل ليصبح فقها ينظر إلي كليهما من خلال معايير الكرامة الإنسانية والعدل والحقوق البشرية العالمية والمساواة في تلك الحقوق والواجبات وينهي مرحلة الظلام الظالمة التي عاشتها المرأة العربية المسلمة باسم دين عظيم جاء ليخرج البشر من الظلمات إلي النور». ويواصل د. فخرو طرحه للقضية وإمكانية التعامل معها ومحاولة حلها قائلا: «إذا لم يحل ذلك الجانب المركزي في موضوع التعامل مع المرأة، فإن الإصلاحات الفرعية أو المؤقتة لن تفعل أكثر من تضميد هذا الجرح أو تسكين ذلك الوجع، بثقافة متخلفة ظالمة راسخة في المجتمع مسيطرة علي عقل ووجدان أفراد ذلك المجتمع، تصبح أحاديث الإصلاح والتغيير تماثل ضرب الرأس في الجدار ودون جدوي. إذا كانت الأمة العربية تريد الاحتفال بيوم المرأة العالمي دون كذب علي النفس وضحك علي الذقون، فلتبدأ بتغيير ثقافة لا يمكن أن يرضاها الله الحق الرحيم. ولا يمكن أن يقرها القرآن العظيم، ولا يقبلها العقل السليم». لكن هل نحن علي استعداد أن نقرأ ونناقش ونختلف ونتفق مع ما قيل ويقال وما كتب ويكتب.فمواقف وكتابات مثل هذه «وهذه المرة تأتي من د. فخرو وصحف عربية تنشر كلامهم» تحتاج الي إدراك وجرأة وشجاعة ووعي ومسئولية. ولولاها لن يكون للخبز طعم ولن تكون للورود رائحة. وحياتنا بدون طعم ورائحة لا معني لها. في مسيرة أو إضراب «خبز وورود» في بدايات القرن الماضي كانت المطالبة بألا يأتي الخبز وحده أو أن يأتي الخبز علي حساب الورود وأكيد لا أحد يريد الورود وهو يتضور جوعا. والخبز الحافي نعم قد يكون مقبولا و«أحسن من مفيش» إلا أن الخبز الحافي لوحده لا يشبع ولا يسد الجوع لوقت طويل كما أن الوردة لها جمال أخاذ ورائحة نفاذة وطبعا لها أيضا أشواك تدمي ببساطة كل شيء في دنيانا له سعر وثمن وأكيد الخبز والورود أيضا لها ثمن. ودايما الغالي ثمنه فيه وفي كل الأحوال المطالبة بالخبز والورود حق إنساني مشروع وأكيد واجب لا يمكن التراجع عنه وسواء أتت المطالبة من امرأة أم من رجل فالهم واحد وطبعا «الجوع كافر» الخبز والورود ضرورة مسألة حياة أو موت في مارس وفي يوليو وفي نوفمبر كمان. والمرأة يوم ما كانت بتطالب بالخبز والورود كانت «طالباهم علشان شريك حياتها وأولادها وأخواتها وأهلها كمان» الخبز ماتنفعش معاه الأنانية ولا الورود كمان «ممكن تاخدها ليك لوحدك» ويوم المرأة العالمي فرصة علشان أفكرك وأنبهك وأحركك وأدفعك تعرف حقوقك وواجباتك ما لك وما عليك تجاه المرأة والخبز والورود.. مكونات الحياة ومعادلاتها فدنيانا معادلات كيميا وإنسانية وكمان مظاهرات خبز وورود وهي المرأة واقفة معاك وجنبك ووراك وقدامك بعيدة عنك أو كتفها في كتفك وإيدها في إيدك وقلبها معاك وعليك ومهما كان الطريق طويلا فأهلا بالمسيرة والمسار والمشوار ورفيق الدرب وشريكة الحياة وكل من يخبز العيش ويزرع الورد. ودنيانا حلوة وجميلة وطعمة ولذيذة ومهضومة وتجنن كمان وهي المرأة والخبز والورود معا وحكايتهم معاك وطبعا حكايتك أنت معهم.. ومعهن!!