ليس سهلا مهاجمة ما دعا اليه رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض. يهاجم فياض هذه الأيام أولئك الذين لا يمتلكون مشروعا سياسيا واضح المعالم باستثناء التلطي بشعاري "الممانعة" و"المقاومة" وكأن هناك شيئا اسمه ممانعة أو مقاومة... إلا إذا كان المطلوب الممانعة والمقاومة حتي آخر فلسطيني أو لبناني علي وجه الخليقة، أو علي الأصح حتي آخر لبناني، شريف حقا، علي ارض لبنان أو آخر فلسطيني يرفض ان يكون عميلا أو أن يكون وقودا في معارك الآخرين علي أرض فلسطين. في حديث إلي صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، دعا فياض قبل أيام إلي تأكيد حق العودة لجميع الفلسطينيين... إلي الدولة الفلسطينية المستقلة والي اقامة البنية التحتية التي تسمح باستيعاب الفلسطينيين الراغبين في العودة. قامت قيامة حركة "حماس"، ومن يقف خلفها طبعا، واتهمت فياض ب"الخيانة" ودعت إلي محاكمته. هل من سيحاكم "حماس" علي تسببها في حرب غزة الأخيرة والتي ليست آخر حرب تشنها إسرائيل علي القطاع ولن تكون كذلك بفضل الصواريخ المضحكة - المبكية التي تطلق منه؟ انها صواريخ لا تستهدف سوي تبرير ارهاب الدولة الذي يمارس في حق الشعب الفلسطيني والذي تعمل "حماس"، للأسف الشديد علي ايجاد كل المبررات له. لو لم يكن الأمر كذلك، هل كان العالم يقف متفرجا تجاه ما يمارس في حق غزة؟ هل كان العالم علي استعداد لإيجاد أعذار لإسرائيل التي قتلت في أقل من شهر، بين أواخر العام 2008 وبداية العام 2009 نحو ألف وخمسمائة فلسطيني في القطاع الذي لا يزال منذ ما يزيد علي ثلاث سنوات تحت الحصار ولا يزال عشرات الآلاف فيه من دون مأوي؟ يبدو واضحا ان "حماس" تريد بيع الفلسطينيين الأوهام لا أكثر. وهذا ما يفسر هجومها علي رئيس الوزراء الفلسطيني بصفة كونه مقاوما للمشروع الاستعماري الإسرائيلي. ارادت "حماس" تأكيد أن لابدّ من التمسك ب"حق العودة"، أي حق عودة الفلسطينيين إلي ديارهم في أرض العام 1948 من حقها أن تفعل ذلك لو كانت موازين القوي تسمح بتحرير فلسطين من البحر إلي النهر أو من النهر إلي البحر لا فارق. المؤسف أن موازين القوي لا تسمح بتجاوز سقف الهدف الذي يسعي اليه سلام فياض بدعم من السلطة الوطنية الفلسطينية، التي علي رأسها السيد محمود عبّاس - "أبو مازن"، ومن حركة "فتح" التي استطاعت المباشرة بعملية نقد للذات تستهدف استعادة دورها الطبيعي والتاريخي في الوقت ذاته تحت سقف البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. يفترض في "حماس" وغير "حماس" الاستفادة من تجربتين حديثتين علي الأقل. التجربة الأولي اسمها كارثة الحرب التي حلت بغزة والأخري هي إقامة إمارة إسلامية علي الطريقة الطالبانية. لماذا لا تعترف "حماس" بأن الهدف الوحيد الذي كانت تسعي إليه من وراء الحرب الأخيرة هو إحراج مصر خدمة لمصالح إيران أولا. أما تجربة الإمارة الإسلامية، فقد أدت إلي تدمير المجتمع الغزاوي بحجة العمل علي تغيير طبيعته. لا يزال في الامكان التراجع عن الخطأ بدل الهرب منه في اتجاه مهاجمة سلام فياض وحكومته. إذا كان هناك أمل للفلسطينيين بتحقيق حلم الدولة يوما، فإن هذا الأمل يكمن في البرنامج الحكومي الذي تلتزمه الحكومة الفلسطينية الشرعية التي تفرق بين الممكن والمستحيل، بين الحقيقة والاوهام. في النهاية، لا مفرّ من الاعتراف بأن السلطة الوطنية امتلكت ما يكفي من الشجاعة للإقرار بأن القرار القاضي بعسكرة الانتفاضة في ضوء فشل قمة كامب ديفيد صيف العام2000 كان سقوطا في الفخ الإسرائيلي لا أكثر ولا أقلّ. كان القرار القاضي بعسكرة الانتفاضة أفضل خدمة للاحتلال ولكل من لديه خيار آخر غير خيار السلام. يقول سلام فياض كلاما منطقيا، خصوصا عندما يتحدث عن حق عودة كل فلسطيني إلي الدولة الفلسطينية. في النهاية، إن ما يقوله يتفق مع الموقف العربي عموما. لو كان العرب يريدون الحرب لكانوا تخلوا عن مبادرة السلام العربية التي اقرتها قمة بيروت في العام 2002. كل ما ورد علي لسان رئيس الحكومة الفلسطينية يأتي في سياق الموقف العربي العام المتفق عليه علي اعلي المستويات. ليس لدي الفلسطينيين ما يزيدونه علي الموقف العربي. كل ما ترتب علي الرئيس الفلسطيني قوله في قمة سرت إنه إذا كان العرب يريدون الحرب، فإن الفلسطينيين سيكونون في طليعة من يقاتل أما ان تكون الحرب مقتصرة عليهم، فهذا أمر غير معقول وغير منطقي. كان لابدّ من قطع الطريق علي المزايدات والمزايدين الذين لا همّ لهم سوي رفع شعار المقاومة... متي كان ذلك علي حساب الغير! تبين من قراءة بعض ما ورد في محاضر قمة سرت أن الفلسطينيين في الضفة الغربية تعلموا من تجارب الماضي القريب. باتوا يعرفون، بفضل "أبو مازن" أوّلا، أن من ينادي بحق العودة في المطلق، من دون قراءة تفاصيل ما نص عليه القرار رقم 194 الذي ورد ذكره في مبادرة السلام العربية، يشارك إسرائيل في رفض التوصل إلي تسوية تزيل الاحتلال ويعمل في الوقت نفسه من أجل التوطين. علي العكس من ذلك من يقول بعودة الفلسطينيين إلي الدولة الفلسطينية انما يقف بالفعل ضد ما يسمي توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول الموجودين فيها من جهة ويتصدي للدعاوي الإسرائيلية القائلة إن العرب يريد تدمير الدولة العبرية. من حسن الحظ ان هناك بين العرب والفلسطينيين من بدأ يعي هذا الواقع ويعي خصوصا أن التمسك بحق العودة في المطلق يصب في خدمة مشروع التوطين. ومن ينادي بحق العودة إلي الدولة الفلسطينية يقطع الطريق علي التوطين ويخدم المشروع الوطني الفلسطيني في سياق تسوية تاريخية تقوم علي خيار الدولتين. هذا الخيار هو اللعبة الوحيدة في المدينة. اللهم إلاّ إذا كان هناك من يعتبر أن في الإمكان محو إسرائيل من الوجود في ظل موازين القوي الإقليمية والدولية القائمة حاليا!