أقيم بقاعة "اكسترا" بالزمالك معرض الفنان الدكتور محسن عطية أستاذ النقد والتذوق الفني بجامعة حلوان تحت عنوان "ألواني - ارتجالاتي"، قدم فيه 30 لوحة تصويرية تجريدية تحمل مضمونًا تعبيريا وإنسانيا يكشف بها عن قيمة الارتجالية الذاتية للفنان المتحررة من المراقبة العقلانية، بعيدا عن القيود والتيارات الفنية المعتادة، من منطلق أن الانفعال يكشف حقيقة العالم الداخلي للإنسان، اعتمد الفنان في ارتجالاته التشكيلية علي شحنة وقوة انفعالية وتلقائية فرشاته بما تحمله طاقتها وحيويتها ودلالاتها الرمزية، وترجم هذه الشحنة من خلال إيقاعات ضربات الفرشاة، والتنقلات اللونية العفوية. من نتائج تلك الشحنة نجد هناك توهجًا لونيا في كل اللوحات المعروضة من خلال تواجد صريح للون الأحمر والأصفر، كما خلق من بين توهج اللون الأحمر صراعات هادئة مع الألوان الباردة الأزرق والأخضر، وبينهما صدرت أصوات لصمت الألوان المركبة، كالبنفسجي الذي خفف من استمرار حدة الشحنة، أما اللون الأسود فعبر عن حالة من الحضور والتواجد، بتعايشه في انسجام وتوافق مع مجموعات الألوان الباردة والحارة، بالإضافة لوجود تأثيرات لملامس خشنة وناعمة نتجت من تداخل الخامات السطحية والعجائن. جاءت التجربة الجمالية في لوحات الفنان محسن عطية في أربع حالات، منها ما يخاطب البصر، ومنها ما يحاور البصيرة، الحالة الأولي مجموعة من اللوحات التجريدية التعبيرية تدخل فيها الفنان بالحذف والإضافة والاختزال في المساحات اللونية العفوية لإيجاد حلول تشكيلية إبداعية، واستخدم الخطوط الانسيابية البسيطة ليعلن عن وجود العنصر الإنساني، ورغم تدخل الفنان في ارتجالية العمل بهذه الإضافات الواعية، إلا أن التكوينات الفنية جاءت متماسكة داخل المساحات، فنجد الفنان قد عبر في إحدي لوحاته عن لقاء تشكيلي تم بين الحصان والإنسان في رحلة حسية وجمالية، رسم الحصان بخطوط مرنة وجعله يبدو كأنه يتجول ويتغلغل في المساحات ليظهر بوضوح في مساحة، وغامضا في مساحة أخري. الحالة الثانية نجدها في مجموعة من اللوحات استفاد فيها الفنان من إيحاءات المساحات اللونية وتأمله لما أحدثه انفعاله من ارتجال، فقد أوحت له المساحات بالاستنتاج، كأنه كان يبحث عن عناصره ومفرداته داخل ارتجالاته، هذه الحالة تتأكد في لوحة جاء فيها اللون الأحمر في وضع منحني مرتفع ومنخفض، تتبعه الفنان بتأمل وحس إلي أن وجد في هذا المنحني اللوني شكلاً أقرب لطفلة نائمة في هدوء واسترخاء، بخطوط بسيطة بدت كأنها نتجت من حركة اللون لم يضفها الفنان قصداً. الحالة الثالثة هي حالة مختلفة لأن الفنان من الارتجال عاد إلي الذاكرة البصرية الصورية وجمع في الأسلوب الفني بين قصد الإضافة علي الارتجال اللوني وبين تأمل ما يستنتج من الإيحاءات الشكلية للمساحات، جاء ذلك في لوحات توحي بالمشهد المكاني المكون من البحر والسماء والأرض وكثبان رملية وأشجار، فنجد أن المشهد المكاني وجماليته انطلق من ذاكرة الفنان ومن رصيد مخزونه البصري، وهذه الحالة توضح أنه من الممكن أن تكون بداية العمل الفني تجريدية وارتجالية بدون تخطيط مقصود من الفنان، وأن ما أضافه الفنان أو استنتجه من الإيحاءات الشكلية أعاده إلي الذاكرة، وهذا المخزون كان ينتظر فرصة ليطرح نفسه، حتي ولو ضمن مساحات لونية تجريدية وارتجالية. أما الحالة الرابعة فهي لوحات من الممكن أن نطلق عليها مسمي محاورة بصيرة المتلقي، تحمل رسائل يستقبلها المتلقي حسب توجهاته الحسية، ابتعد فيها عن كل الحالات السابقة -حالة التدخل المقصود، حالة الاستنتاج بالإيحاء والتأمل- حالة الجمع بين التأمل والقصد، وأطلق سراح ارتجاله وألوانه للملتقي، ليعطي للمتلقي دورًا في قراءة العمل والوصول إلي الجماليات، وهذه القراءة تستدعي من المتلقي إطالة زمن المشاهدة، فاستطاع الفنان محسن عطية من خلال ارتجالاته، تقديم دلالات فلسفية متفاوتة هي الغضب والمرح، الصمت والصخب، الغموض والوضوح، وأكد القيمة الجمالية السحرية للارتجال التلقائي بطرح تشكيلي معاصر.