في المقال السابق تحدثنا عن أن موجة الاضربات والاعتصامات والاحتجاجات السلمية في مصر هي نتاج طبيعي للآثار السلبية لعملية التحول العشوائي إلي اقتصاد السوق وحذرنا من خطر الانتقاص من المكانة الممنوحة لحقوق الإنسان بموجب ميثاق الأممالمتحدة، وبطبيعة الحال لم تكن لدي الحكومات ولا صندوق النقد الدولي ولا البنك الدولي ولا بنوك التنمية الاقليمية معلومات دقيقة عن المضارين من هذا التحول أو مكانهم أو عددهم أو كيفية تأثرهم ببرامج الإصلاح الهيكلي. لأنه وبدون هذه البيانات الأساسية يصبح من الصعوبةبمكان القيام بأي جهود للتدخل بصورة فعالة. وقد شرع البنك في دراسة آثار برامج التكيف الهيكلي في إطار التعاون بين البنك والحكومات والمنظمات غير الحكومية فيما سمي «مبادرة مراجعة سياسات التكيف الهيكلي» لدراسة آثار هذه السياسات علي من لم يستفيدوا منها. لذلك فقد اقترحت الخطة الوطنية علي الحكومة منذ 2007: 1- تضمين جميع المفاوضات مع منظمة التجارة العالمية، وجميع مؤسسات رجال الاعمال التزامات الحكومه المصرية بكفالة الحقوق الواردة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان التي صادقت عليها الدولة خاصة كفالة حقوق المعوقين، حقوق المرأة، الحق في تكافؤ الفرص والمعاملة غير التمييزية، الحق في سلامة الاشخاص، ترتيبات الامن الخاصة بالشركات عبر الوطنية، كفالة حقوق العمال، وحقوق الطفل، والأجور العادلة والمنصفة، وكفالة الحرية النقابية وحماية حق التنظيم، واحترام السيادة الوطنية، وحقوق الانسان، والشفافية ومكافحة الفساد، والحق في التنمية المستدامة، وفي الصحة البدنية والعقلية والحقوق السياسية، والالتزامات المتعلقة بحماية المستهلك، والالتزامات المتعلقة بحماية البيئة. وطلبت الحكومة أن تراجع جميع التزاماتها والتأكد من تضمينها هذه الحقوق التي تلزمها طبقا لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان. 2- معالجة آثار التكيف الهيكلي عن طريق تحديد المضارين وعددهم ومكانهم وكيفية تأثرهم ببرامج الإصلاح الهيكلي. كما يجب علي الحكومة الانتهاء من اعداد قاعدة البيانات الخاصة بالمضارين مع نهاية 2007 ولتصبح قواعد البيانات متاحة لمشاركة قطاعات المجتمع المحلي والدولي في معالجة آثار العولمة خاصة أن هذا الأمر مرتبط أيضا ببرنامج السيد الرئيس في تحديد الأسر أكثر احتياجا، وأتصور أن اختيار «أستاذ الكمبيوتر سينس» وزيرا للتضامن الاجتماعي كان بالأساس لتحقيق هذه الغاية فبدون قواعد المعلومات لا يوجد تخطيط ولا حلول عملية ولا علاج صحيح لكن علي ما يبدو أن رغيف الخبز والبوتاجاز ومعارك الجمعيات الأهلية شغلت سيادته عن المهمة الرئيسية وخرج علينا بحديث صادم بأنه آن الأوان لإعداد قاعدة البيانات وأنه سيدفع بعشرين ألفًا من الاخصائيين الاجتماعيين للانتهاء من قاعدة البيانات ومعني ذلك أن الفترة الماضية كان الجميع يسير بعشوائية دون تخطيط وأن المضارين وضحايا التكيف الهيكلي الذين ناموا علي الأرصفة وتركوا بيوتهم وكلفوا الدولة مبالغ طائلة كانوا ضحايا لغياب الدراسة المتأنية عن أوضاعهم من أجل أن يتمتع بكرسي الوزارة لأطول فترة ممكنة وهو من كان مكلفًا بدراسة أحوالهم المعيشية والتنسيق مع غيره من مؤسسات الدولة لمعالجة هذه الأضرار قبل أن تنفجر بهذا الشكل وأن ينصتوا لمشورة مؤسسات الدولة ذات الصلة بالمواطنين فهي التي تدرك من خلال الشكاوي أوجاع المواطن ويجب في هذا المقام أن نرصد ظاهرة إيجابية في احتجاجات هؤلاء المضارين أن الأمن يحرسهم ويؤمنهم ولا يحمل العصي لتفريقهم وهي ظاهرة تستحق التحية لأن المسئولية تقع علي من أهمل أوضاعهم وكان يتصور أن عصي الأمن كفيلة بالتستر علي تقصيره وأتمني أن يكون ذلك بداية لنهاية هذا المفهوم لدي المسئولين المقصرين في حق المواطنين. 3- مراجعة سياسات التكيف الهيكلي لدراسة أثر هذه السياسات علي من لم يستفيدوا منها. حتي الآن لم تقدم الحكومة أي مراجعات لهذه السياسات وإعلانها فمن المعلوم أن هذه السياسات تؤدي إلي معدلات نمو تنعكس آثارها بالايجاب علي فئات معينة وبالسلب علي غير المستفيدين وبالتالي يكون هناك معدل نمو وليس تنمية. 4- الدعم الدولي والتعاون الدولي لتنفيذ البرامج والتدابير والموارد المالية والمادية لمعالجة آثار عمليات التكيف الهيكلي علي الفئات المهمشة والضعيفة والفئات أكثر فقرًا. أن فائدة إعداد قواعد البيانات هو تحديد حجم التعاون الدولي اللازم تقديمه للدولة وهو التزام تعهدت به الدول الغنية للدول النامية لمعالجة اضرار سياسة التكيف الهيكلي لرفع العبء علي الموازنة المحلية والبنك الدولي هو الذي يمول أعباء إعداد هذه القواعد وبالتالي لم يكن هناك أي مبرر للتأخير في إعدادها وأذكر أنه عند إعداد الخطة الوطنية طلبت من المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يخاطب وزارتي المالية والتنمية الاقتصادية لمعرفة عما إذا كان عبء الدين الخارجي يعوق تنفيذ أي أهداف للخطة بقصد فتح الطريق إما للتفاوض بشأن تخفيف أعباء الدين الخارجي أو فتح الطريق أمام التعاون الدولي بجلب المنح لدعم الخطة في حالة إدماجها في خطة الدولة وهي تجربة مستفادة من تجربة جنوب أفريقيا خاصة أنني كنت أقوم بإعداد الخطة كخبير بالأممالمتحدة ولست خبيرًا تابعًا للمجلس أو للحكومة ولكن لم ترد وزارة التنمية الاقتصادية وردت وزارة المالية بالنفي وبأن عبء الدين الخارجي محتمل، وبالتالي لم يصبح أمامي سند لتقديم هذا الدعم. أنني اطلعت علي عدد كبير من الدراسات والأبحاث الميدانية قام بها باحثون مصريون في مراكز حكومية وغير حكومية تشخص أمراض المجتمع وأحوال المضارين من آثار العولمة أو الأسر الأولي بالرعاية كما ورد التعبير ببرنامج السيد الرئيس وكان أولي أن يتفرغ التنفيذيون بالحكومة لدراستها ووضع قواعد بياناتهم علي أساسها وإجراء البحوث الميدانية بشأنها لأن الشحن السريع للباحثين غير المدربين لجمع المعلومات قد يأتي بمقدمات خاطئة وبالتالي نتائج فاسدة وأنني أتساءل كم يستغرق من الوقت تدريب عشرين ألف باحث أو حتي ألفي باحث ومن سيجمع هذا العدد لأن الأمر لا يتعلق بعمال تراحيل. أيها السادة لا تكونوا عبئًا علي النظام السياسي واعلموا أنكم حكومة الفقراء والأغنياء، ورضاء الفقراء لن يكون بالحديث المعسول فالفقير المصري ليس ساذجا لكنه صبور وأصبح الآن أكثر فصاحة ويمتلك من الأدوات الكثير، ولم تعد العصي ممتدة لا تمنعه من أن يطالب بحقوقه مادام مسالما وهو - كذلك - أفيقوا وانهضوا من علي مقاعدكم وانزلوا إليه وارفعوا عنه الضرر، وإياكم والتعالي وانصتوا إلي المشورة فكلنا شركاء في حب وحكم الوطن.