يري المفكر والفيلسوف اللبناني حسن عجمي ان مشكلة مجتمعاتنا العربية تكمن في اغفال دور العقل وعدم الاهتمام بالعلم ويقول اننا وصلنا إلي مرحلة السوبر مستقبلية والتي تعني اننا اصبحنا نعيد انتاج التخلف بل ونستخدم في هذا احدث الاساليب التكنولوجية، ويؤكد ان الاصولية فكرة مستوردة علي مجتمعاتنا العربية مثلها في ذلك مثل الفكرة الاشتراكية والليبرالية والرأسمالية فهي لم تكن وليدة مجتمعاتنا. يتبني عجمي اتجاها فلسفيا اصل له من خلال مجموعة كتب هي :"السوبر اصولية" و"السوبر مستقبلية" و"السوبر تخلف" و"السوبر حداثة"، يمكن تلخيصه في اننا وصلنا إلي درجة بالغة من التخلف لأننا اصبحنا غير منتجين للعلم أو متبنين لما وصل اليه العلماء في المجتمعات الاخري..اتسم حوارنا مع عجمي بصبغة فلسفية حاولنا تبسيطها قدر الامكان، حتي تتسق وموضوع حديثنا وحرصا علي استيعابها من قبل اكبر عدد من القراء. * من خلال مؤلفاتك تتبني منهجا يتصدي للاصولية والتخلف، هل تعتقد أن الأمر مقصور علي المنطقة العربية؟ - بالتأكيد ففي الدول الغربية يعتمدون في ابداعهم وكتاباتهم علي التحليلات العلمية والتوثيق من خلال الرجوع للمصادر وهم كل يوم ينتجون علوما جديدة ولكننا نطور التخلف وبمجرد انتهاء الطالب من دراسته الجامعية يعود الي طائفته التي ينتمي اليها وبالتالي تحولنا إلي قبائل مذهبية وطائفية. * لكن الأصوليات موجودة في جميع دول العالم وفي جميع الديانات؟ - هذا صحيح لكن مشكلتنا ان هناك شيئًا اسمه موضة، ونحن نستورد الافكار من الخارج منذ مائة عام استوردنا الفكر الليبرالي والاشتراكي واخيرا الأصولي.. الأصولية منتشرة في العالم كله ونحن استوردناها وطبقناها في مجتمعاتنا وهي الآن موضة وسوف نستبدلها بموضة اخري وبالتالي دخلنا مرحلة أُسميها "السوبر تخلف" لأننا لا ننتج العلوم. * لكن جماعة الإخوان وهي اصل كثير من الجماعات الأصولية في المنطقة نشأت ردًا علي انهيار الخلافة العثمانية؟ - للأسف الاصولية الاسلامية الحديثة فكرة مستوردة بدليل ان المسلمين عاشوا فترات طويلة من تاريخهم بدءا من عهد الخلافة بدون اعتناق الأفكار الأصولية مثل : ولاية الفقية، وآية الله التي تعد مصطلحات جديدة علي البيئة الإسلامية.. وتاريخ الشيعة أنفسهم خلا من الثورة علي الخليفة لأنه كان حراما، واليوم هناك فكرة الثورة علي السلطان وهي مستوردة. * كيف تفسر تحالف تيارات الاسلام السياسي مع بعض الأنظمة العربية؟ - لأن الأصوليين يتمتعون بالقوة في مقابل التيار العلماني مثلا.. هم لديهم الاموال والاجهزة الاعلامية الضخمة في المقابل لا يوجد تنظيم يحمي العلمانية، فأنا رجل علماني لا اجد من يساندني في طباعة كتبي والترويج لفكري.. والأصوليات الإسلامية كلها تشارك في تطوير التخلف، لأن نصوصهم رافضة لمبادئ المنطق ولا أسس علمية لها. * وما دور المثقفين العرب في التصدي لذلك؟ - للأسف، المثقف ايضا الذي يدعي انه علماني او ليبرالي يشارك بقوة في تطوير التخلف لأننا نستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة لبث الفتنة بين الشيعة والسنة، وبين المسلمين والمسيحيين، والترويج للتكفير والتفجير كأدوات ارهاب.. نحن من نصنع التراث وليس هو من يصنعنا، واذا كنا متطورين سوف نقرأ تراثنا بطريقة متطورة، والعكس اذا كنا غير ذلك. * كيف اثر صبغ القضية الفلسطينية بصبغة دينية علي مستقبلها؟ - للأسف، لا يوجد لينا مسلمون حقيقيون ولا مسيحيون حقيقيون.. وإلا ما كنا اختلفنا لانهما يدعوان الي التسامح ونحن نتستر بالدين من اجل تنفيذ سياسات معينة. * هل تعتقد ان هناك ايادي خفية تسهم في تخلفنا، أم أن الأمر إفراز مجتمعي؟ - لا شك ان الدول الغربية تسهم في المزيد من تخلفنا لان هذا من مصلحتها لكي تفرض سيطرتها علينا.. إيران تحتل العراق مشاركة مع أمريكا، ولبنان محتل بالطوائف.. نحن نغزو انفسنا وهناك صراع بين القبائل المذهبية ولك ان تتخيل ان الحرب الاهلية اللبنانية استمرت لمدة خمسة عشر عاما وخلفت مائة ألف قتيل ومائتي الف جريح، ولبنان اليوم ليس بلدا ديمقراطيا كما يعتقد البعض. * لكن التعدد العرقي والطائفي عامل ثراء لأي دولة؟ - يفترض أن التنوع يصنع ثراء في المجتمعات، وانا مع الديمقراطية التي تفرز التنوع لكن للاسف نستخدم التنوع في تكريس التخلف وتطويره وزيادة الجهل، فعندما يسقط مريض في لبنان لا يعالج الا في المستشفي الذي يتبع طائفته، فأين حقوق المواطنة هنا؟! * طالب البعض مؤخرا بضم قوات حزب الله للجيش اللبناني .. إلي أي مدي يسهم ذلك في وحدة الدولة؟ - للأسف لا توجد دولة قوية في لبنان فكل شيء يمكن تحقيقه من خلال اساليب الضغط المختلفة وهناك دول ترعي المذهبية والطائفية في لبنان وفي مقدمتها ايران.. القرار بيدهم والجيش مجموعة من الطوائف التي لم تتحرك حتي في الحرب اللبنانية الاخيرة لانه اذا تحرك سوف ينقسم كما لا يوجد اقتصاد لبناني واحد ولكن هناك استثمارا علي نطاق واسع في النزاع الطائفي وترويج السلاح والدولة اللبنانية منقسمة الي دويلات. * برأيك تراجع التيار العلماني في المنطقة راجع إلي قوة التنظيمات الاصولية ام لضعف الخطاب العلماني؟ - الخطاب العلماني صار في الحضيض وكذلك الخطاب الاصولي في الحضيض ايضا لأننا نعيش في زمن السوبر تخلف ونحن لم نربح حربا واحدة.. للأسف الحضارة اليوم تبني علي جثث البشر.