عيار 21 الآن: سعر الذهب صباح تعاملات اليوم السبت 4 مايو 2024 في مصر    رسميًا| كاف يعلن حكم مباراة الزمالك ونهضة بركان في ذهاب نهائي الكونفدرالية    ارتفاع جديد في درجات الحرارة بالأقصر اليوم    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    آمال ماهر توجه رسالة للجمهور بعد نجاح حفلها الأول في السعودية.. ماذا قالت؟    وزير الرياضة يُشيد بنتائج اتحاد الهجن بكأس العرب    محافظ أسوان يتابع نسب التنفيذ ب53 مشروعا بقرية وادي الصعايدة بإدفو    تطورات مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة برعاية مصرية.. «تقدم ملحوظ»    ننشر خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد القيامة وشم النسيم    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بعيد القيامة المجيد    الرئيس السيسي يعزي رئيس مجلس السيادة السوداني في وفاة نجله    رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات بمدينة شرم الشيخ.. اليوم    "تنسيقية شباب الأحزاب" تهنئ الشعب المصري بعيد القيامة المجيد    موسم عمرو وردة.. 5 أندية.. 5 دول.. 21 مباراة.. 5 أهداف    «رونالدو» يقود الهجوم.. تشكيل النصر المتوقع أمام الوحدة في الدوري السعودي    ضياء السيد: أزمة محمد صلاح وحسام حسن ستنتهي.. وأؤيد استمراره مع ليفربول (خاص)    محافظ الوادي الجديد يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    عضو ب«النواب»: توعية المواطنين بقانون التصالح خطوة مهمة لسرعة تطبيقه    تفاصيل إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارة شرطة يالدقهلية    تأجيل محاكمة عاملين بتهمة قتل مواطن في الجيزة    اليوم.. إعادة فتح البوابة الإلكترونية لتسجيل استمارة الدبلومات الفنية 2024    كل عضو بسعر بالملايين.. اعترافات تقشعر لها الأبدان للمتهم بذبح طفل شبرا الخيمة    تسلم 102 ألف طن قمح من المزارعين في المنيا    تقديرًا لدوره الوطني خلال حرب أكتوبر.. «الوطنية للإعلام» تنعى الإعلامي الراحل أحمد أبوالسعود    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    "السياحة" في أسبوع.. مد تحفيز برنامج الطيران العارض.. والاستعداد لموسم الحج    ما حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم؟ «الإفتاء» تُجيب    مستشار الرئيس للصحة: مصر في طريقها للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    شم النسيم.. تعرف على أضرار الإفراط في تناول الفسيخ    الكشف على 2078 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» ببني سويف    الدفاع الأوكرانية: تمكنا من صد عشرات الهجمات الروسية معظمها بالقرب من باخموت وأفديفكا    كوريا الجنوبية: ارتفاع عدد الهاربين للبلاد من الشمال لأكثر من 34 ألفا    تفاصيل مشروعات الطرق والمرافق بتوسعات مدينتي سفنكس والشروق    التصريح بدفن طالبة سقطت من البلكونة أثناء نشر الغسيل بالجيزة    وزير الري: نعمل على توفير حياة كريمة للمواطنين بالصعيد    الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي تُناقش آفاق التعاون مع وكالة تمويل الصادرات البريطانية    الصحة السعودية تؤكد عدم تسجيل إصابات جديدة بالتسمم الغذائي    إندونيسيا: 106 زلازل ضربت إقليم "جاوة الغربية" الشهر الماضي    مصرع 14 شخصا إثر وقوع فيضان وانهيار أرضي بجزيرة سولاويسي الإندونيسية    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    ما حكم الإحتفال بشم النسيم والتنزه في هذا اليوم؟.. «الإفتاء» تُجيب    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    إسماعيل يوسف: كهربا أفضل من موديست.. وكولر يحاول استفزازه    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    حملات لرفع الإشغالات وتكثيف صيانة المزروعات بالشروق    «أتوبيسات لنقل الركاب».. إيقاف حركة القطارات ببعض محطات مطروح بشكل مؤقت (تفاصيل)    «الإسكان»: دفع العمل بالطرق والمرافق بالأراضي المضافة حديثاً لمدينتي سفنكس والشروق    عاجل| مصر تكثف أعمال الإسقاط الجوي اليومي للمساعدات الإنسانية والإغاثية على غزة    الصحة توجه نصائح هامة لحماية المواطنين من الممارسات الغذائية الضارة    بايدن يتلقى رسالة من 86 نائبا أمريكيا بشأن غزة.. ماذا جاء فيها؟    محمود بسيوني حكما لمباراة الأهلي والجونة في الدوري    «سببت إزعاج لبعض الناس».. توفيق عكاشة يكشف أسباب ابتعاده عن الإعلام    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    حفل ختام الانشطة بحضور قيادات التعليم ونقابة المعلمين في بني سويف    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغزي الانقسام العربي
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 10 - 03 - 2010

في حلقته التليفزيونية علي قناة الجزيرة، قدم هيكل بتاريخ 81/1/7002 حلقة عنوانها:
"العام 1955 والانقسام العربي، وقد بدأ بموضوع أبعاد ومعوقات العمل القومي المشترك.. يأخذنا هيكل لشرح ما كتبه الرئيس جمال عبدالناصر في أوراقه، ولا ندري من أين حصل هيكل علي هذه الأوراق الخاصة التي كنت قد طلبت من مصر أن تحترز رسميا عليها، بدلاً من أن تبقي بأيدي الناس.. وإذا كان هيكل قد ذكر رءوس أقلام لبعض الأوراق التي كان قد كتبها عبدالناصر، فلا ندري مدي صحتها من خطئها.. ولا ندري هل كانت تحتوي علي أفكار ومشروعات وتضم شروحات موسعة كأي خطط استراتيجية؟ أم أنها كانت تحتوي علي رءوس نقاط من المحتمل أن الرئيس عبدالناصر كان قد كتبها بخط يده أثناء اجتماع موسع مع عسكريين أو مدنيين كبار.. كل هذا لا يهم كثيرا، ولكن هيكل منحه الكثير من وقتنا وهو لم يخرج بأي حصيلة تذكر عندما أخذ بتعداد موضوعات ربما كانت ورقة لجدول أعمال بخط عبدالناصر.. ونتمني علي هيكل أن ينشر هذه الأوراق التي يحترز عليها شخصيا، وهي بخط عبدالناصر كي نفقه ما طبيعتها؟ وما الخطة (أو: المشروع) الذي أسس له الرجل منذ بدايات حكمه؟ فهل سيستجيب هيكل لمثل هذا "المطلب" العلمي والمنهجي كي يكون صادقا مع نفسه ومع عبدالناصر ومع الآخرين؟ إننا بانتظار ما سيقوله هيكل، فإن سكت وكأن الأمر لا يعنيه بشيء، فإنني أشكك في هذا الذي قاله علي لسان جمال عبدالناصر.. وإذا استجاب هيكل لنصيحتنا، ونشر أوراق عبدالناصر بخط يده، وهي كاملة بشروحاتها ومقارناتها.. عند ذاك يثبت هيكل أنه قد صدق في كلامه هنا، وسنعترف إذ ذاك بفضله. إن الأمر لا يثير أي حساسيات أبداً، فما نطالب به هو إثبات المتهم براءته هنا وهو يتحدث باسم عبدالناصر.. إن هذه ليست المرة الأولي إزاء عبدالناصر، بل سبقتها مرات ومرات، إنه يضع الكلام بأفواه زعماء يبدو أنهم لم يتفوهوا به أبداً.. وإن هيكل بارع ليس باستنطاق الميتين، بل بالتقوّل عليهم ما شاء له القول من أجل إثبات أي إيجابيات لهذا، أو سلبيات لذاك! إنني أخاطبك يا هيكل باسم الأمانة التي ائتمنك عبدالناصر عليها، إنك إن كنت تملك أوراقا خاصة بالرجل، فأتمني عليك مخلصا أن تعيدها إلي أهم مكتبة أو أرشيف بمصر، فهي ملك مصر كلها، وليست ملكا مشاعا لك.. تتحدث باسمها، وتزيد أو تنقص منها.. إنك إن امتلكت وعيا وطنيا بقيمة موروث عبدالناصر، فإن الأمانة التاريخية تفرض عليك أن ترجع الأمانة إلي أصحابها.. وحبّذا لو كانت لديك نسخة مصورة منها كي تنشرها كما هي علي الناس دون أي تحريف، ودون أي زيادة أو نقصان! فالرجل قد مضي إلي حقه في دار البقاء قبل أربعين سنة، وأصبح موروثه السياسي والرئاسي في عداد المؤرخين.. وليس من حق أي إنسان، حتي إن كان من أقرب المقربين إليه، أن يحترز علي أوراق خاصة بالرجل، أو يتصرّف بها علي هواه من دون أن يطّلع عليها كل العالم.
عام 1955 ومتغيرات العالم
يقول هيكل: "هذه الليلة نحن أمام لحظة في تاريخ العالم العربي هي في واقع الأمر لحظة الصراع علي مستقبله وعلي روحه وعلي إمكانية أن يفعل وأن ينفذ شيئا ما في هذا القرن الحاسم في تاريخ البشرية وهو القرن العشرين، سنة 1955 أنا.. يعني باحاول باستمرار أنه أضعها في سياقها الحقيقي وهي أنها كانت سنة بالغة الأهمية مش بس لنا، بالغة الأهمية في مصر، بالغة الأهمية في العالم العربي، بالغة الأهمية في العالم وسياق الحوادث وبالتالي فهو في قوة العالم العربي مصر هي البلد النموذج، ثم يحاول فتح الآفاق في العالم العربي، وهنا بدأت المعركة اللي علي روح وعلي فكر وعلي ضمير وعلي مستقبل العالم العربي، أنا شديد الحزن إني أقول إنه هذه المعركة بعد خمسة وخمسين سنة الآن يبدو لي أن إحنا خسرناها.. وصلنا من لحظة كان فيها أمل إلي لحظة في اعتقادي بائسة وإن لم تكن يائسة، لكنه لما أشوف الدول العربية الفاعلة في ذلك الوقت كلها وأبص عليها في أوائل سنة 1955، لأنه أوائل سنة 1955 كانت فارقة في حاجة مهمة قوي، نفتكر في موضوع الجلاء وقبل اتفاقية الجلاء الإنجليز والامريكان باستمرار بيثيروا موضوع انضمام مصر للأحلاف كثمن أو كبديل أساسي لأنه ما فيش قوات أجنبية، هكذا التصور يعني وأنه والله العلم الإنجليزي اللي علي قاعدة قناة السويس هيتشال والقوات هتتخفف، لكن هنعمل اتفاق بمقتضاه أنه علم حلف شرق أوسطي بشكل ما يترفع فوق القاعدة وهذا كان كلاما مرفوضا من مصر، لكن علي أي حال في ذلك الوقت بدأ جمال عبدالناصر Alright) ) عمل اتفاقية جلاء.." (نص هيكل).
هذا الكلام ليس له أي أساس من الصحة، وكنت أتمني أن يثبت هيكل ما يقول بالأدلة والتوثيقات والمعلومات التاريخية، ذلك أن موضوع الجلاء لم يكن ضمن أي صفقة سياسية دولية أو إقليمية، وأطلب من هيكل أن يثبته لنا، أي يثبت أن مساومات جرت لإزالة العلم الإنجليزي عن قاعدة قناة السويس بموجب اتفاق يقضي بحلف شرق أوسطي! لم يمر علي المؤرخين هكذا معلومة أبداً، ولم يكن هناك أي بحث في حلف شرق أوسطي، أو هكذا الذي يسميه هيكل، حتي يكون هذا الكلام مرفوضا من مصر.. متمنيا علي هيكل ألا يتحدث باسم مصر بعد أن يبني للعالم قصصا وهمية لا أساس لها من الصحة، وأنني اتحداه إن اثبت هذا الكلام أمام الملأ. أقول هذا، وأنا أتحدّي هيكل أن يثبت بنفسه للعالم ما يقول من أمثال هذه الاوهام، ونحن أدري بتفاصيل ما جري بصدد الجلاء، ومن ساعد علي جلاء القوات البريطانية.. فمسألة جلاء القوات البريطانية عن مصر وأعيد وأكرر كانت خارج إطار أي نوع من هذا الكلام الذي لا أساس له من الصحة التاريخية أبداً.. إن اتفاقية الجلاء لا علاقة لها أبداً بسياسة الأحلاف التي يدّعي هيكل تبنيها مقابل المساومة.. طيب إذا صحّ ما تقوله يا هيكل، وأن هذا الكلام كان مرفوضا من مصر، فلماذا اختزلت المسألة في نهاية النص بأن الرئيس عبدالناصر قد بدأ عمل اتفاقية الجلاء؟ أين تفاصيلك التاريخية حول هذا الموضوع؟
أهداف عبدالناصر عام 1955
ينتقل هيكل ليحكي عن أهداف عبدالناصر عام 1955، فيقول عنه أنه "حاطط أمامه ثلاثة أهداف رئيسية في ذلك الوقت، الهدف الأول أنه السعودية تجيء بإمكانياتها وأن تدخل في مجال العمل القومي وفي هذا المجال أنا حجِّيت لأول مرة في حياتي معه لأنه هو قرر أن يحج سنة 1954 في التمهيد لما هو قادم، 1953 الملك عبد العزيز توفي، 1954 جاء الملك سعود وبعدين راحت له بعثات تهنئة وبعدين علي أي حال تقرر أن جمال عبدالناصر هيروح في موسم الحج ويقابل الملك سعود ويتحدث معه صراحةً اللي هو الملك الجديد في السعودية وهدف جمال عبدالناصر في ذلك، أولا أن السعودية تقوي في حد ذاتها ومش كفاية يبقي عندها عائدات نفط ولكن وكمان تقوي وتجيء إلي العمل القومي المشترك وأنا فاكر في ذلك الوقت وأنا كاتب هذا الكلام في وقته لأنه لما رحنا هو.." (نص هيكل).
دعني أحلل النص أعلاه في النقد التاريخي المقارن:
بالنسبة للهدف الأول سواء كان هذا هو الهدف الأول لجمال عبدالناصر، أم أن هيكل قد صنع هذا الهدف، فإن السعودية عضو مؤسس لجامعة الدول العربية.. أما أن تدخل بإمكاناتها في مجال العمل القومي.. فما الذي تعنيه؟ ما تفسيرك لمجال العمل القومي؟ فالعمل القومي عهد ذاك متعدد السمات والنوايا والمصالح والأهداف! سوريا بلد قومي والعراق بلد قومي والأردن يتحدث بالقومية والسعودية لها فهمها للعمل القومي.. هل البحث عن إمكانات مادية يغني العمل القومي؟ بلا شك، هذا صحيح، ولكن ثمة مسألة أهم وأقوي كانت سببا وراء كل الفجائع، وهي تتمثل بالزعامة القومية! من يتزعم من؟ من يري أنه الأفضل علي قيادة المشروع القومي؟ إن تأكيد هيكل علي الجانب المادي هو تقليل من شأن عبدالناصر ودوره، وكأنه يقول للعالم إن همّ عبدالناصر ينحصر بكيفية حصوله علي أموال النفط! كيف؟ سنري كيف يفسر هيكل هذا الكلام.. عندما يقول إن عبدالناصر له هدف من السعودية كونها تقوي في حد ذاتها أنها عندها عائدات نفط، وأنها تقوي وتجيء إلي العمل القومي المشترك.. معني أن عبدالناصر قد استخدم فريضة الحج لأسباب سياسية وأنت معه، بل إنك تقول إنه قرر أن يحج عام 1954 ممهداً لما هو قادم، وأنك أديت الحج لأول مرة في حياتك، لأنه هو قرر أن يحج عام 1954. ربما كان الرئيس جمال عبدالناصر قد استثمر الحج لأغراض سياسية، ولكن أن يأتي هيكل بعد خمسين سنة من حدوث ذلك، ويفسرها هكذا تفسير كون فريضة الحج وسيلة للعمل القومي المشترك.. فهذا ما لا يمكن قبوله أبدا! إن الملك سعود بن عبدالعزيز لم يكن بعيداً عن السياسة العربية، ولا جديداً علي الأجواء العربية، إنه يكبر عبدالناصر ب16 سنة، فهو من مواليد العام 1902م وله خبرات سياسية وعسكرية، وساهم مع والده في تأسيس المملكة العربية السعودية.. ولا أعتقد أن الرئيس عبدالناصر كان موفقا في أسلوبه هذا مع الملك سعود منذ البداية إن كان هيكل صادقا في الذي يقوله! وهل الحج يا هيكل وسيلة لأي مقاربة سياسية؟ أم هو فريضة دينية يجب أن تخلو من كل أدران الدنيا؟ وما معني »للتمهيد لما هو قادم«؟ وأريد أن أصحح معلومتك عن تسلّم الملك سعود مقاليد الملك، إذ لم يكن ذلك عام 1954، كما قلت، بل كان في 9 نوفمبر 1953 عقب رحيل والده الملك عبد العزيز في اليوم نفسه. ويعيد هيكل ويكرر مسألة عائدات النفط السعودية، وكأنه يريد القول إن الرئيس جمال عبدالناصر كان متلهفا لتلك العائدات منذ العام 1954 تحت باب العمل القومي المشترك.
وسواء كان عبدالناصر قد تلهف لذلك أم لم يكن بمتلهف له، فما بال هيكل يعيد ويكرر هذه "المسألة" خصوصا أن عبدالناصر لم تتضّح بعد اهدافه القومية ولم يكن قد أمضي في السلطة إلا قليلا.
المتغيرات السعودية
يستطرد هيكل، فيقول: "لازم أقول إن هو وقتها أعجبته شخصية الملك سعود ولقي إنه هنا فيه رجل جاي أبوه أنشأ الدولة ورجل له قيمة تاريخية كبري وأنا لا أجادل فيها، بصرف النظر عن أي حاجة ثانية لكنه هذا رجل صنع شيئا في التاريخ، جاء ابنه وفي تصور جمال عبدالناصر أنه سعود يستطيع أن يتحول بهذه المملكة زي اللي أنشأها الملك عبد العزيز.." (نص هيكل).
إننا لا يمكن أبدا أن نتخيل عبدالناصر في ذلك العام رائداً للقومية العربية بعد.. ربما كان الرجل يسعي لذلك في تلك الآونة، ولكن لا أعتقد أن السعوديين كانوا مطمئنين بعد لما قد جري في مصر بعد رحيل فاروق وتغيير النظام السياسي في مصر! ونحن نعلم كم كانت العلاقة جد وثيقة بين الملكين فاروق الأول وعبدالعزيز.. كما أن الملك الجديد سعود كان قد تجاوز الخمسين من العمر، وهو شريك والده وولي عهده لزمن طويل، ويدرك طبيعة العلاقات العربية.. وانه مساهم بدرجة أو اخري في إرساء استراتيجية عمل مع البلدان العربية قبل مجيء الرئيس عبدالناصر إلي السلطة باكثر من عشرين سنة. فكيف يمكن للملك الجديد أن يتحوّل بهذه المملكة؟ إذا كنت صادقا في ما تقول، فان عبدالناصر لم يكن يدرك حجم القوة السعودية وتأثيرها في ذلك الوقت، ولم يعرف تاريخ السعوديين خصوصا بعد عهد التأسيس علي عهد عبدالعزيز.. وإذا كنت غير صادق في ما تقول، فيعتبر كلامك هذا تجريحاً بموقف عبدالناصر الذي لم يكن في العام 1954 باستطاعته التفكير بتحول (.....) في السعودية علي يد الملك الجديد !
وأي تحوّل؟ هل هو تحول سياسي كالذي أعلمنا به هيكل في باب العمل القومي المشترك، أم هو تحوّل حضاري من نوع آخر؟!
هيكل ينال من عبدالناصر
نجد هنا هيكل يقول: ".. يتحول بها إلي دولة حديثة وقعد يتكلم معه في المدارس.. إنشاء المدارس وإنشاء الصناعة والكلام ده كله وأنا.. وحتي.. وأنا سمعت من جمال عبدالناصر وسمعت الملك سعود وحتي سألت الملك سعود إذا كان ضايقه بعض اللي كلمه فيه جمال عبدالناصر فقال لي الملك سعود وأنا كتبت هذا الكلام في وقته صديقك مَن صَدَقك لا مَن صَدَّقك وأنا أظن أن هذه الزيارة أنشأت بشكل ما علاقة.."( نص هيكل ).
يبدو أن الرئيس عبدالناصر قد ذهب عميقاً في إلقاء النصائح علي الملك سعود، حتي شعر هيكل بأن الأخير قد تضايق من كلام عبدالناصر، والاّ ما معني مثل هذا الكلام اليوم إن كان صحيحا ما يقوله هيكل؟ إذ لم يعد الرجل صاحب مصداقية في كل كلامه بعد كل الذي اكتشفناه فيه.. ماذا يريد القول هنا؟ وهل إن السعوديين بحاجة إلي مثل هكذا نصائح؟ وللعلم، فإن شخصيات قيادية لها تاريخ طويل في الحكم والإدارة تبقي معتقدة أن الضباط الانقلابيين إن جاءوا للسلطة، فهم في نظرهم مجرد ضباط إزاء ملوك وأولياء عهود وكبار قوم؟ إن صح كلام هيكل، فان الملك سعود قد تضايق فعلا من نصائح يوجهها إليه ضابط مصري أتي إلي السعودية لأداء فريضة الحج ولم يأت من خلال زيارة رسمية؟ وللتاريخ أقول: إن الملك سعود عندما ترك الحكم لأخيه الملك فيصل، كانت جهوده قد أثمرت عن بناء مؤسسات تربوية ومدارس وتأسيس أول جامعة في مملكته.
هيكل يلتفت إلي الملك فيصل بن عبدالعزيز
يتابع هيكل حديثه قائلا: "وعلي أي حال المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت وإن لم يبدُ لنا واضحا، كان واضحا إن فيها صراع بين سعود وبين فيصل.. الأمير فيصل، سعود هو ولي العهد وهو الأقرب للبداوة وفيصل هو في ذلك الوقت وزير خارجية في حياة أبوهم يعني، وزير الخارجية الأقرب إلي الحضارة أو إلي المدنية لأنه مقيم في جدة وعلي اتصال بالسلك السياسي وبالعالم ونفتكر ان فيصل جاءت له فرصة يلف الدنيا كلها وهو وزير خارجية أبوه بما فيها.. وأنا قلتها له في يوم من الأيام وتلقيت منه ردا غريبا قوي بما فيها أنه أول وزير خارجية عربي تفاوض مع الاتحاد السوفيتي سنة 1926 وطلب منهم معونات قمح لأنه السعودية كانت فيها مجاعة وتمكن بالفعل من أنه يأخذ من الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت مائة ألف طن قمح سُلِّمت علي دفعتين.. علي جزءين يعني، ففيصل هنا.. وحتي أنا فاكر إن أنا مرة.. بس ده كان متأخر قوي سنة 1971 قلت له أنت ليه ما تكتبش مذكراتك؟ فقال لي والله أنا حاولت أكتب مذكراتي.. أنا كان وجهة نظري أن ده رجل تعامل مع الاتحاد السوفيتي من أيام ستالين وتعامل مع أميركا من أول روزفلت وتعاون مع إنجلترا من أول مَن نشاء وأطول عمر وزير خارجية، فقلت له ليه ما تكتبش مذكراتك؟ فقال لي والله أنا حاولت مرة من المرات أكتب مذكرات لكن خطر لي أنه قد.. وملِّيت أشياء علي عمر السقاف.. عمر السقاف كان وكيل وزارة الخارجية وكان قريبا من فيصل بشكل أو آخر وكان قريبا أن يكون سكرتيره فملِّيته حاجات كثير قوي لكن خفت بعد ذلك أن يقع ما أكتبه في يد أحد فأمرت عمر أن يحرق الورق ده كله وبالتالي راحت تجربته.." (نص هيكل).
هل هناك معلومات مهمة في النص أعلاه؟ ما معني سعود بدوي وفيصل حضري؟ ما معني لم يبد واضحا لنا؟ من أنتم؟ وتعيد يا هيكل وتصقل حكاية زيارة فيصل آل السعود لموسكو.. وقد كذبنا كل إدعاءاتك سابقا حول هذا "الموضوع"، وكان من حقّ الرجل أن يردّ عليك ردا غريبا، إن لم يكن ردا قاسيا، كونك تريد أن تجعل من تلك الزيارة عام 1926 مفاوضات مع ستالين، وأن السعودية في مجاعة.. وأن مائة ألف طن قمح وصلت معونات من الاتحاد السوفيتي إلي السعودية.. لقد اثبتنا مرة بعد اخري هذه الاكذوبة التي كنت ولم تزل ترددها في كل مقال، وفي كل حلقة.. الزيارة حصلت من قبل أمير سعودي كان يجوب عدة بلدان في أوروبا.. ونزل في ضيافة الروس.. ولم يكن هناك أي مفاوضات ولا هم يحزنون! أي مفاوضات هذه التي تريد اقحامها بالموضوع؟ اتحداك أن تذكر المصدر الذي اخذت منه مثل هكذا معلومات لا اساس لها من الصحة! وما معني أن قلت لفيصل سنة 1971 أن يكتب مذكراته أو لم يكتب.. وتختلق أشياء أخري علي لسانه، كونه أملي مذكراته علي مساعده عمر السقاف، ثم أمر باحراقها! ما معني هذا الكلام؟ وما علاقته بالموضوع أصلا؟ ما الذي تريد أن تقوله علي لسان فيصل آل السعود وهو في رحاب الله؟ وسواء كتب مذكراته أم لم يكتبها؟ وسواء أحرق مذكراته أم لم يحرقها؟ ما الذي تريد أن تتوصّل إليه؟ أم انك تعشق اللغو فقط؟ وحتي تقول للناس بأنك قد اقترحت عليه مثل هذا "المقترح" الذي لا أهمية له إن صح أن ذكرت ذلك أمام الملك فيصل آل السعود بالرغم من أنني أشك في كل ما تدّعيه من أقاويل!
انتظروا الحلقة المقبلة
الكاتب.. مفكر العربى عراقى مقيم فى كندا وأستاذ فى جامعات عربية وأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.