لا يحتاج طارق حبيب "إلي تعريف أو تقديم أو مقدمات"! طارق حبيب -شفاه الله وعافاه وخفف من آلامه- واحد من أهم مقدمي ومذيعي البرامج الحوارية في مصر والعالم العربي. لقد تابعت -كما تابع غيري- برامجه الحوارية من "أوتوجراف" و"أهلا وسهلا" إلي "أوافق أعترض" و"تجربتي" وغيرها، حيث استضاف مئات الشخصيات لكي يحثها ويحرضها علي الإدلاء بشهادتها وروايتها حسب المنصب والمركز والمسئولية التي تولتها. ولعل أهم ما قدمه "طارق حبيب" كان سلسلة اللقاءات السياسية والتاريخية التي حملت اسم "ملفات ثورة يوليو" وتضمنت حوارات وشهادات 122 من صناع هذه الثورة ومعاصريها، كان بعضها يتحدث -تليفزيونيا- لأول مرة مثل شمس بدران وزير حربية مصر وقت هزيمة يونيو 67 والملكة ناريمان ومدكور أبوالعز قائد القوات الجوية بعد هزيمة 67 والملكة دينا زوجة الملك حسين، وجمال عامر نجل المشير عبدالحكيم عامر، وهدي عبدالناصر ابنة الزعيم جمال عبدالناصر، وجمال السادات ابن الزعيم الراحل أنور السادات، وكان هناك أيضا د.عزيز صدقي ود.عبدالعزيز حجازي وثروت عكاشة وسيد مرعي وعثمان أحمد عثمان ود.مراد غالب ود.مصطفي خليل والمستشار مقبل شاكر ود.عبدالقادر حاتم.. إلخ. أثارت الحلقات ردودا ومناقشات ومساجلات عديدة حول مضمونها، وهل تصلح هذه الشهادات التليفزيونية كوثيقة تؤخذ في الاعتبار عند كتابة تاريخ ثورة يوليو؟! ووسط هذا الجدل الصاخب والساخن أصدر طارق حبيب خلاصة هذه الشهادات في كتاب مهم بعنوان "ملفات ثورة يوليو" (عن مركز الأهرام للترجمة والنشر عام 1997 ويقع في 504 صفحات وكانت تشرف علي المركز وقتها الأستاذة الفاضلة "نوال المحلاوي"). استعرضت هذه الملفات أحوال مصر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتي وفاة الزعيم جمال عبدالناصر في سبتمبر 1970، وشهادات وحكايات عن حرب فلسطين والثورة وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي وقرارات يوليو الاشتراكية والوحدة مع سوريا وحرب اليمن وهزيمة 1967 ثم سنوات حرب الاستنزاف، وغيرها من الموضوعات المهمة. ولكي تدرك قيمة وخطورة وأهمية عمل "طارق حبيب" والخدمة الرائعة والجليلة التي أسداها للمؤرخين وأساتذة التاريخ والصحفيين المهتمين بالكتابة التاريخية يجب أن تقرأ بعض سطور المقدمة التي كتبها المؤرخ الجليل الأستاذ الدكتور "يونان لبيب رزق" حيث يقول عنه: "عمل غير مألوف، فقد استطاع صاحب العمل من خلال حوارات غير تقليدية أن يستخرج من سرائر من حاورهم كثيرا مما يمكن أن يرقي إلي مرتبة الأسرار". ثم يضيف: "هذه الدراسة غير التقليدية غير مطلوب منها أن تخضع للقيود الأكاديمية الصارمة وإلا فقدت كثيرا من جاذبيتها، وهي قد أخذت علي كل حال ببعض هذه الشروط مثل المقارنة بين الشهادات والدراسة قبل الحوارات. وحسب كلام د.يونان لبيب رزق فإن طارق حبيب فاجأنا بشكل جديد من التأريخ لفترة معينة معتمدا علي شهادات صانعيها أو معاصريها، صاحب هذا العمل لم يعد إلي الوثائق أو المراجع أو حتي المذكرات الشخصية، ولكنه اتجه رأسا إلي رسم صورة للأحداث التاريخية من خلال شهادات صانعيها أو الشهود علي أحداثها وبشكل شديد الابتكار فقد نجح في المزج بين الشهادات علي نحو غير مسبوق وهو المزج الذي أفرز صورة تعجز كل شهادة علي حدة عن تقديمها، وهو بذلك أدخل بعض تقنيات الأفلام السينمائية والتليفزيونية في الكتابة التاريخية، تقنية القطع للقطة ما لتدخل عليها لقطة أخري تشكل معها صورة مختلفة ولكنها أكثر إقناعا. باختصار فإن هذا العمل البانورامي الذي امتلأ بالنبض بحكم اعتماده علي شهادات الشخصيات التاريخية يمثل نهجا جديدا من الكتابة التاريخية، فلا هو يلتزم بقواعد الكتابة العلمية الصارمة أحيانا، والمتجهة في أغلب الأحيان، ولا هو يعمد إلي التبسيط المخل الذي يحول التاريخ إلي رواية يكتنفها من الخيال أكثر مما يحوطها من الحقيقة، مما يفرد لها مكانة فريدة ومذاقا خاصًا في تسجيل هذه الحقبة المهمة من التاريخ المصري المعاصر". وربما كانت شهادة المؤرخ المحترم الجليل الدكتور "يونان لبيب رزق" هي ما دعت "طارق حبيب" بعد 13 سنة إلي نشر كتابه "ملك وثلاثة رؤساء" والذي اعتمد فيه علي شهادات واعترافات أكثر من سبعين شخصية ارتبطت بحكام مصر: الملك فاروق، والرؤساء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات، وكان هذا الارتباط كما يقول "طارق حبيب" إما بصلة الدم والنسب أو بحكم الزمالة والعمل، علاوة علي شخصيات أخري عاصرتهم واقتربت منهم سواء كان ذلك في أولي سنوات صباهم وشبابهم.. أو في سنوات مجدهم وحكمهم والكل يروي ذكرياته معهم ويكشف بعض أسرارهم. وما أكثر ما قيل عن الملك فاروق، لكن المثير أن فؤاد باشا سراج الدين يعترف أن الملك لم يشرب الخمر أبدا ولم تكن له علاقات نسائية، وتقول الملكة ناريمان إنه كان يعشق شرب اللبن المخلوط بعصائر الموز واللوز، وفي عيد ميلاد الملك أحمد فؤاد الثاني أصدر تعليماته ألا أجلس مع ابننا أكثر من ساعة واحدة في اليوم.. وكان يقول لي في بعض الأحيان: "سوف تكونين أصغر أرملة في العالم!". وما خفي كان أعظم من حكايات وأسرار وكواليس ملك وثلاثة رؤساء!