استمرارا لحالة الجدل الدائم التي تشهدها اروقة "بيت اليسار" حول المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة اصدرت لجنة التجمع بالجيزة ورقة جديدة تشرح خلالها موقفها ازاء الامر بشقيه "الشوري والشعب" انطلاقا من السؤال المزمن الذي بات من المقررات الداخلية للحزب في الوقت الحالي "لماذا نخوض الانتخابات ونحن نكاد نعلم نتائجها مسبقاً ؟!"، وهو ما جعل البعض يطالب بمقاطعتها في الوقت الذي طالب فيه البعض الآخر بالالتزام الحرفي بقرارات المؤتمر بغض النظر عن أي موضوعات. وذكر البيان الذي اصدرته الامانة في هذا السياق: إننا نريد أن نوضح أننا لسنا ضد المقاطعة بالمطلق ..ولكن هناك فرقاً كبيراً بين المقاطعة السلبية والمقاطعة الايجابية، فإذا كانت المقاطعة ستُحدث أزمة سياسية أو حراكا ومشاركة جماهيرية مهمة، نحقق من خلالها مطالبنا أو بعضها، هنا يمكن أن تكون المقاطعة ايجابية ومطلوبة، اما خلاف ذلك فستصبح مقاطعة سلبية لا عائد من ورائها.. ولكن هل معني هذا، أننا سنشارك في الانتخابات كديكور أو كومبارس، أو نقدم شيكاً علي بياض لخوضها؟!، فهذا مرفوض تماماً، وعلي هذا يجب أن نحدد بدقة اهدافنا والنضال من أجل خوضها. نريد أن نناقش المنهج السائد في الحزب حول قضية الانتخابات، وبخاصة الانتخابات البرلمانية، فقد اعتمد الحزب طوال السنوات السابقة خوضه الانتخابات بأي عدد، وبأي اشخاص، وبأي خطاب سياسي (منهم من أخفي انتماءه للحزب)، المهم هو محاولة تحقيق النجاح وجمع الأصوات الانتخابية، ربما بأي وسيلة حتي لو تناقض ذلك مع المبدئية وبرنامج الحزب في كثير من الاحيان. وبالتالي يخضع مرشحونا لابتزاز التخلف ويجارونه، ولنتخيل في هذا السياق طبيعة ونوعية مريديهم والملتفين حولهم، خاصة مع إقامة البعض منهم علاقات متهافتة مع الأجهزة التنفيذية المحلية، بل والأمنية بلا أي ضوابط واعتماد منطق الخدمات الفردية بديلاً عن الحقوق الجماعية، كمنهج وحيد للاستحواذ علي الأصوات الانتخابية وهو ما ثبت فشله. والمنطق هنا هو بناء الحزب وتحقيق انتشاره ونفوذه حول أعضاء الحزب في البرلمان وحول مرشحينا، الذين مارس بعضهم ادواراً مهمة ولكن فردية بل ومتنافسة، تناقضت تصورات بعضهم في كثير من الأحيان مع توجهات الحزب، ويرسم بهم الحزب صورة وهمية عن حزب معارض في الشكل وليس في المضمون، وحتي يمكن تسييد هذا المنطق، فيقترب أكثر من السلطة، ونقيم معها علاقات ذيلية، تحت وهم عدم التعنت مع مرشحينا المحتملين، لتسهيل الخدمات الفردية، وبالتالي يصبح خطابنا السياسي المعارض غير جذري، لا يجيد التصويب الصحيح. وتتحول المكاسب الشكلية الهامشية للحزب مع الوقت إلي سعي للمكاسب الشخصية والذاتية، بدءاً من القيادة المركزية وصولاً إلي كافة المحافظات، ويصبح الحزب نهباً للتدخلات، وبالتالي مزيداً من التحلل والتفكك، وتتعمق الأزمة بعد النتائج الهزيلة للانتخابات في كل مرة، وتعيد القيادة المأزومة اعادة انتاج هذه الأوضاع في كل موسم للانتخابات في شروط تزداد سوءاً عما قبلها، وجسد الحزب اصبح عاجزاً عن الرؤية والمنطق. وهناك احاديث تتردد هذه الأيام حول احتمال إبرام صفقات بين الحزب الحاكم و الإخوان و الأحزاب السياسية، ومستحيل إنكار هذه الاحاديث بعد أن شاعت بين أعضاء الحزب، بينما رئيس الحزب ينكرها بشدة، وكثرة الاحاديث عن الصفقات أو انكارها قد تؤدي إلي نتيجتين: أولاها أن يذهب من يريد عقد الصفقة إلي تدبيرها في الخفاء، خشية الهجوم علي سياسته ، فلا يدري أصحاب المصلحة ما يدبر لهم ولحزبهم في الخفاء، والثانية أن الصفقات مع الحلفاء والخصوم في العمل السياسي أمرها وارد باستمرار، وقد تكون لها فائدتها، ولهذا لابد أن تتم علنا و بصراحة، ويعلم بها مختلف الأطراف صاحبة المصلحة، وهذه المصلحة في حالتنا هي مصلحة الشعب والحزب الذي يدافع عنها. الصفقة في العمل السياسي إذاً واردة، ولهذا يصبح الحديث عنها ارتباطا بالانتخابات العامة القادمة بوضوح لازماً، فهي قضية سياسية قد يتوقف علي نجاحها أو فشلها، فائدتها أو ضررها مصير الحزب. والمسألة الجوهرية لضمان نجاح هذه الصفقة أن تنطلق من موقع قوة، تستمد من تبني الحزب لمصالح الشعب، ومن متانة العلاقات الديمقراطية بالجماهير المصرية وتنظيماتها المستقلة، ومن توثيق العلاقات مع قوي التحرر والديمقراطية والاشتراكية في البلدان العربية وبلدان العالم، هذه هي مصادر القوة التي نستند إليها وهي تكافح وتساوم وتعقد الصفقات لتحقيق اهدافها (هل يملك الحزب اياً من هذه المصادر). وغير ذلك من أشكال المساومة هو ضلال واستسلام. أما الأوضاع التنظيمية في حزب التجمع والتي من المحتمل أن تجري في سياقها الصفقة ، فهي كالتالي. - مستويات قيادية متورمة متضخمة، تقود وحدات قاعدية بالغة الضعف.. فالامانة المركزية التي يفترض أن تتابع النشاط اليومي للحزب، تتكون من عشرين عضوا من محافظات عديدة، ويستحيل أن تعقد هذه اللجنة الاجتماعات اللازمة لمتابعة النشاط الحزبي يوميا.. ونواب الرئيس بلا صلاحيات.. والمكتب السياسي يتم انتخاب اعضائه دون تحديد وظائف اي منهم. - الامانة المركزية عاجزة عن متابعة العمل اليومي ، وظائف أعضاء المكتب السياسي مشتتة مبعثرة والامانة العامة لا تملك آلية لتنفيذ قراراتها فما العمل؟ وعليه يجب أن يعلن حزب التجمع مواقف محددة: 1- أن يعلن الحزب رفضه التام لمسألة التوريث، وفضح القوي صاحبة المصلحة فيه، وكذلك فضح وكشف كل الآليات القانونية والإعلامية والإدارية التي تدفع في هذا الاتجاه ،وفضح الدور والسياسات التي تقودها لجنة السياسات برئاسة نجل الرئيس، لتعريته من أي شرعية زائفة يحاولون تجميله بها. 2- أن يعلن الحزب بشكل قاطع أن معركته الاساسية هي مواجهة الحزب الوطني، وكشف الابعاد المشتركة بينه وبين الاخوان المسلمين وبخاصة علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي، وأن حزب التجمع ليس اداة في ايدي احد، وأنه يسعي لتمثيل قوي اجتماعية وسياسات بديلة. 3- أن يرفض حزب التجمع التزوير في أي انتخابات، وضد أي طرف، منطلقا من تماسكه الديمقراطي.. ويصبح من الأهمية أن يطالب الحزب بالاشرف الدولي والمحلي علي الانتخابات، وهذا مطلب مشروع يتم تحقيقه في جميع ارجاء العالم. 4- ان ينشئ حزب التجمع مرصدا لفضح الانتهاكات بدءًا من البطاقات الانتخابية وكشوف الناخبين والاجراءات. مما سبق يتبين أن خوض معارك الانتخابات العامة تستلزم النضال من اجل إنضاج وخلق شروط تسمح بخوضها ومشاركة اوسع من الشعب هذا هو المستوي الاول الذي يجب أن يشرع الحزب بكل هيئاته واجهزته في التحرك من اجلها منذ الآن مع كافة القوي الاخري التي تتوافق علي هذه الشروط، والتي يجب إعلانها فورا ودون تردد. إن خوض هذه المعركة اصبح لازما ولا ينفصل بأي حال عن خوض معارك الانتخابات ذاتها، ولأن ما ينتج عن هذه المعركة من نتائج هو الذي يجب أن يحدد موقف الحزب من الانتخابات. والمستوي الثاني هو الاستعداد منذ الآن في الدوائر المختلفة لخوض معركة الانتخابات، وهنا نريد أن نناقش معني الاستعداد السياسي: - إن الهدف من خوض هذه المعارك هو بناء ركائز جماهيرية جغرافيا ونوعيا، عبر انتزاع اشكال تنظيمية جماهيرية متنوعة حول الحقوق الاساسية والجماعية من خلالها يتم رفع سقف الوعي والمطالب الجماهيرية لإحداث تغيير تدريجي لموازين القوي علي الأرض وبلورة تحد ديمقراطي سلمي يحاصر احتمالات الفوضي القادمة، ليس لمجرد خوض الانتخابات ولكن هذا هو الواجب الدائم قبل وبعد الانتخابات .