كان مفيدا سماع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) في جولة افق للوضع الفلسطيني وارتباطته بالوضع الإقليمي. تعود فائدة اللقاء مع "أبو مازن" إلي أن الرجل من الزعماء العرب القلائل الذين يسمون الأشياء بأسمائها تاركا للصحافيين المدعوين إلي الجلسة نشر ما يجدونه مناسبا للنشر، أو علي الاصح ما هو مناسب للوسائل الإعلامية التي يعملون لها. ولهذا السبب فاتت وسائل اعلام عدة نقاط مهمة أثارها رئيس السلطة الوطنية. من بين هذه النقاط اصرار "حماس" علي التحرش بالإسرائيليين أواخر العام 2008 عن طريق الصواريخ "العبثية" التي كانت تطلقها من قطاع غزة، علي الرغم من التحذيرات الواضحة التي صدرت عنه وفحواها أن الحرب ستقع إذا لم تتوقف هذه الصواريخ. كشف "أبو مازن" أن مسئولا فلسطينيا نقل وقتذاك تحذيره إلي أحد المسئولين في "حماس" من المقيمين في غزة. لكن هذا المسئول "الحمساوي" نصح المسئول الفلسطيني بالتحدث إلي قادة "حماس" الموجودين في دمشق نظرا إلي أن جميع الذين في غزة "مجانين". لم يكتف "أبو مازن" بتوجيه رسائل تحذير إلي قادة "حماس" في دمشق عبر مبعوث له زار العاصمة السورية، بل أوضح أنه اتصل شخصيا بالرئيس بشار الأسد كي يبلغه أن إسرائيل تنوي شن عدوان علي غزة في حال لم يتوقف إطلاق الصواريخ. لم يؤد الاتصال إلي نتيجة. لم يكشف رئيس السلطة الوطنية لماذا كان هناك تصميم لدي "حماس" علي إيجاد مبرر للعدوان الإسرائيلي في ذلك الوقت بالذات؟ لعلّ أبرز ما قاله "أبو مازن" أيضا في لقاء مع مجموعة من الصحفيين في أثناء زيارة له للندن يوم الجمعة الماضي أن إسرائيل يمكن أن تشن حربا جديدة علي غزة وأنه يكفي إطلاق صاروخ من القطاع وأن يؤدي ذلك إلي مقتل إسرائيلي واحد حتي يحدث عدوان جديد. ما لم يقله رئيس السلطة الوطنية، وهو أيضا رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس "فتح"، أن حكومة بنيامين نتانياهو تبحث عن مبرر لشن حرب أخري علي غزة. تبدو إسرائيل في حاجة إلي مثل هذه الحرب للتهرب من استحقاقات التسوية. في مقدم الاستحقاقات القبول بمرجعية واضحة ومحددة للسلام هي خطوط العام 1967 ووقف الأستيطان طبعا. كل ما يريده "أبو مازن" هو تنفيذ خريطة الطريق. لا"وجود لشروط مسبقة" للعودة إلي طاولة المفاوضات ولكن لا عودة إليها من دون تحديد واضح للمرجعية المعترف بها من الإدارة الأمريكية التي تعتبر الضفة الغربية والقدس الشرقية "أرضا محتلة". ربما تكون هناك مفاوضات غير مباشرة تسعي إليها الإدارة الأمريكية وقد لمح الرئيس الفلسطيني إلي احتمال عقد مثل هذه المفاوضات. صدر عن رئيس السلطة الفلسطينية شرح واضح وعلمي عن مصر والاتهامات الموجهة إليها بأنها تشارك في محاصرة غزة. مصر، كما يقول "أبو مازن"، ليست طرفا في الأتفاق المتعلق بمعبر رفح. الاتفاق كان بين أربعة أطراف هي الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي ارسل مراقبين إلي رفح، والسلطة الوطنية وإسرائيل. كان الاتفاق ينص علي وجود حرس الرئاسة الفلسطينية في رفح. حصل الانقلاب الذي نفذته "حماس" في يونيو من العام 2007 توقف العمل عند المعبر لأن الحرس الرئاسي انسحب ولأن الأوروبيين غادروا غزة. ونبّه إلي أن المحاولات المبذولة حاليا لفتح معبر "دولي" بين غزة ومصر يمكن أن يشكل خطرا علي القضية الفلسطينية وعلي وحدة الأرض الفلسطينية نظرا إلي أن مثل هذا المعبر سيكرس غزة كيانا مستقلا عن الضفة الغربية... وإمارة إسلامية تتحكم بها "حماس". ما الذي تريده "حماس"؟ يؤكد "أبو مازن" أنها لا تريد انتخابات" ولذلك ترفض توقيع وثيقة المصالحة التي صاغها المصريون. واشار هنا إلي أن "فتح" وافقت علي الوثيقة المصرية "علي الرغم من ان الأمريكيين طلبوا منا عدم توقيعها". من يسمع "أبو مازن" هذه الأيام، يسمع كلاما عن رفضه العودة إلي السلاح. المقاومة بالنسبة إليه هي المقاومة الشعبية للاحتلال. اكثر من ذلك، يرفض رئيس السلطة الوطنية اسلوب خطف الإسرائيليين. والواضح أنه يعتقد أن المهم إعادة ترتيب البيت الفلسطيني في غياب النية الإسرائيلية في العودة إلي المفاوضات من أجل إنهاء الاحتلال. المهم بالنسبة إلي "أبو مازن" المحافظة علي الأمن في الضفة الغربية. أنه يرفض فوضي السلاح بشكل مطلق وينفي بشكل قاطع أي اعتقالات لعناصر من "حماس" لأسباب لها علاقة بممارسة نشاط سياسي."ليشتم من يريد أن يشتم" علي حد تعبيره. إذا كان هناك من اعتقالات نفذتها الأجهزة الفلسطينية، فهي مرتبطة بأعمال مخلة بالأمن. لا يخفي رئيس السلطة الوطنية أن "حماس" تحاول إثارة القلاقل في الضفة الغربية وانها تتلقي "مساعدات مالية" من "حزب الله" ترسل إلي الضفة. لم يدخل في التفاصيل، لكنه لم يتردد في الإشارة إلي العلاقة بين "حماس" و"حزب الله" والتي تبدو علاقة عضوية بين تنظيمين شقيقين لديهما مرجعية واحدة... يتمثل الانطباع الذي يتركه "أبو مازن" في أن لا امل حاليا بالإدارة الأمريكية التي لم تستطع اقناع إسرائيل بوقف الاستيطان ولا أمل بحكومة نتانياهو التي يبدو انها تريد تكريس الاحتلال ولا امل ب"حماس" التي يبدو همها محصورا في المحافظة علي إمارتها في غزة. كاد أن يقول صراحة إن هناك حلفا غير مقدس بين الحكومة الإسرائيلية و"حماس"، خصوصا أن الجانبين يلتقيان عند هدف الهدنة الطويلة والدولة الفلسطينية ذات الحدود "المؤقتة". الرهان الوحيد لدي الرئيس الفلسطيني هو علي بناء المؤسسات الفلسطينية. الدولة ستأتي بعد ذلك. عاجلا ام آجلا ستكون هناك دولة فلسطينية. هل من خيار آخر غير خيار الدولتين؟