قبل أيام وصلني كتاب "فاتن حمامة .. والعصر الذهبي للسينما المصرية" للناقد الكبير الأستاذ عبد النور خليل، وعليه إهداء من المؤلف يخاطبني باعتباري زميلا عزيزا، وقبل أن أدلف إلي صفحات الكتاب الممتع أتوقف كثيرا عند عبارة الصديق والزميل العزيز، صحيح أننا نعمل معا في مهنة الصحافة.. لكن هناك فارقًا كبيرًا فالأستاذ عبد النور تاريخ وقيمة كبيرة في الصحافة الفنية في مصر. الأستاذ عبد النور خليل في الفصل الأول من كتابه الممتع والسلس الملئ بالمعلومات والحكايات والوقائع التاريخية يبدأ كتابه من حكاية جميلة جدا أتوقف عندها فقد كان يعقد جلسات في عام 1964 مع شيخ مخرجي السينما المصرية محمد كريم لكتابة مذكراته.. وبالمناسبة ففي هذا التاريخ كنت طفلا يحبو في عامه الثاني، لذلك فإن إهداء الكتاب من أستاذ لشخص في عمر أولاده وتأكيده علي الزمالة التي تجمعنا سلوك ربما انقرض كثيرا في الوسط الصحفي الآن.. خاصة حين تري شابا أمسك القلم قبل عدة أشهر لكنه يتعالي علي زملائه والناس باعتباره صحفيا كبيرا. وبعيدا عن أخلاقيات المهنة التي يحتفظ بها الأستاذ خليل عبد النور إلي جانب ذكرياته ومذكراته والتي يفرج عن القليل منها في كتاب ليلي مراد، نحن أمام وثيقة تاريخية وسياسية وفنية وأدبية عن عصر السينما الجميلة، وعن واحدة من صناع هذا المجد السينمائي، بل يمكن القول دون مجاملة أن فاتن حمامة هي أعظم من أنجبت السينما المصرية والعربية.. بل هي علامة مهمة في تاريخ الفن السابع. عن فاتن حمامة يقول الأستاذ خليل عبد النور في ملحمته الفنية: "عرفت فاتن حمامة عن قرب، وكان الإحساس الدائم الذي تتركه في نفسي أنها جزء من هذا الوطن، وهي تقدم الفتاة المصرية في سنوات الأربعينيات برقتها ورومانسيتها وضعفها.. جزء من مصر وهي تقدم وتعيش فيما توالي من سنوات مشاكل المرأة المصرية المعاصرة في علاقتها بالرجل.. وبالعمل، وتربية الأولاد، والمسئولية الملقاة علي عاتقها عندما تفقد الأسرة عائلها وتصبح مسئولة عن أسرة كبيرة.. ولم تستهن فاتن يوما بأنها هذا الرمز الذي يحمل رسالة اجتماعية شاقة". الكتاب الذي يقع في 167 صفحة وينقسم إلي 18 بابا هو في الواقع وثيقة مهمة لتاريخ السينما المصرية، كما أنه يقدم أيضا ربطا تاريخيا بين السينما من الأربعينات إلي الآن وبين تقاطعها مع جميع مجالات الحياة، وبذلك يقفز الأستاذ عبد النور خليل من كتابة سيرة مجردة لفاتن حمامة، إلي صناعة صورة متكاملة لجانب مهم من تاريخ وطن.. وربما قد لا نجد هذه الرؤية المتسعة في كتب أخري من هذه النوعية، لأن الكاتب ليس ناقدا أو مؤرخا فنيا لكنه في الأساس صحفي محترف، يقف علي ناصية اللغة، ويمتلك مخزونا معرفيا كبيرا، وثقافة عامة يندر وجودها في أجيال تالية من الصحفيين الذين تنحصر معارفهم في حدود ما يعملون عليه فقط. عبد النور خليل وفاتن حمامة والعصر الذهبي للسينما المصرية ليس مجرد كتاب وإنما وثيقة تاريخية تنبض بالحياة، أعتقد أن قراءتها قد تساعدنا في هذه الأيام الصعبة علي استلهام واستعادة الكثير من الجمال الذي فقدناه في كل شيء ويعيدنا الأستاذ عبد النور إليه.