أمضيت خلال الأيام الماضية أوقاتاً ممتعة مع كتاب أتصور أنه يمثل إضافة جديدة للمكتبة الفنية ولا غني للدارسين أو الهواة عن اقتنائه نظراً لأهمية صاحبة الكتاب والدور الذي لعبته في تشكيل الوجدان المصري عبر سنوات طويلة. الكتاب أصدره شيخ النقاد السينمائيين أستاذنا عبدالنور خليل عن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة والعصر الذهبي للسينما المصرية ويقع في 671 صفحة ويضم لقطات من أشهر الأفلام التي قدمتها للشاشة الفضية ثم يأخذنا بأسلوب جذاب وشائق لنتعرف علي بداية مشوار طفلة صغيرة أصبحت فيما بعد واحدة من أهم نجمات الساحرة الفضية فقد شاهدناها تكشف بشدة عن موهبتها في فيلم »يوم سعيد« مع الموسيقار محمد عبدالوهاب وإخراج مكتشفها المخرج العبقري محمد كريم. وتعلقت عيوننا بالطفلة الموهوبة فاتن حمامة وهي تجسد دور »أنيسة« في فيلم »يوم سعيد« ثم ازدادت تألقاً ولمعاناً في ثاني أفلامها »رصاصة في القلب« مع الثنائي عبدالوهاب وكريم مرة أخري معلنة عن نفسها بقوة فهي منجم من الذهب في الأداء التمثيلي ولها »طلة« تخطف العين والقلب وتمتلك صوتاً ملائكياً فيه صفاء الحياة ودفء المشاعر والأحاسيس وهو الشيء الذي جعل منها نجمة سينمائية متفردة في كل شيء ووضعها علي قمة الهرم التمثيلي في العصر الذهبي للسينما المصرية وصنع منها أسطورة تتغني بها الأجيال حتي يومنا هذا. ويغوص بنا عمنا الكبير عبدالنور خليل إلي أعماق فاتن حمامة الإنسانة والفنانة وبنت البلد الأصيلة التي لم تتنازل أبداً عن أفكارها أو مبادئها أو قيمها الأخلاقية وظلت محتفظة بسيرة ناصعة البياض منذ ظهورها علي الساحة الفنية وحتي يومنا هذا وهو يسرد لنا أهم المحطات الرئيسية التي شكلت ملامحها وجعلت منها سيدة الشاشة العربية لأكثر من نصف قرن من الزمان وكانت شاهدة علي عصر كبار صناع العمل السينمائي في مصر من المنتجين والمخرجين والمؤلفين والممثلين بل وكانت محط أنظار العالم كله بما تحمله من رقي في الأداء والثقافة والسلوكيات الرفيعة ونالت العشرات من الجوائز العالمية والمحلية في كبري المهرجانات السينمائية الدولية ورشحت أيضاً لنيل جائزة الأوسكار عن دور »آمنة« في فيلم »دعاء الكروان« وبلغ رصيدها من الأفلام أكثر من مائة فيلم. ولم يتوقف عطاء فاتن حمامة علي شاشة السينما فقط بل امتد إلي مجال الدراما التليفزيونية واستطاعت أن يكون لها بصمة قوية بأعمال رائعة وهو ما يؤكده كتاب عبدالنور خليل عنها والذي يعد شهادة حية وصادقة علي العصر الذي عاشت فيه هذه النجمة القديرة وعبرت من خلاله عن وجهة نظرها في المناخ السياسي آنذاك وكيف واجهت العديد من الصعوبات طوال السنوات التي اضطرت فيها للغربة عن تراب وطنها إلي آخره من الموضوعات التي تتحدث عن الجانب الشخصي لها كأم محترمة وزوجة وست بيت. وقد أسعدني الحظ بالتعرف علي سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في مكتب أستاذنا الراحل مصطفي أمين عندما فازت بجائزة علي ومصطفي أمين الصحفية عرفانا وتقديرا بما قدمته من أعمال سينمائية وتليفزيونية بل واذاعية علي مدي مشوارها الفني الطويل وأذكر يومها وقبل ان نتجه جميعا إلي مكان الاحتفال بتوزيع الجوائز كيف كانت تتحدث بحب ووفاء عن كل الأساتذة الذين ساهموا في صنع مشوار نجاحها وكيف حافظت علي أن تظل دائما مخلصة لفنها ولزملائها ولجمهورها ولم تهتز أمام أية صعوبات أو شائعات تعرضت لها وهي تصعد سلالم المجد والشهرة من بعض أصحاب الأقلام الرخيصة في المجلات أو الصحف الصفراء. وفاتن حمامة اختارت ان تحتجب عن الأضواء وهي في قمة عطائها الفني وتكاد تكون الممثلة المصرية الوحيدة التي لم يذكر التاريخ انها قدمت أية أعمال فنية هابطة أو حتي دون المستوي واختارت أن تعيش مع زوجها وأولادها وأحفادها في هدوء وسكون راضية عن كل ما قدمته لجمهورها من أعمال درامية جيدة الصنع توافرت لها كل عناصر المتعة والفن والفكر فقد كانت ولاتزال تعبيرا صادقا عن ضمير أمتها. إنني أحيي كاتبنا الكبير عبدالنور خليل علي الجهد الذي بذله في إعداد وتقديم هذا الكتاب لعشاق فن فاتن حمامة التي نذوب جميعاً عشقاً فيها وهي جديرة بكل احترام وتقدير وهي فوق هذا وذاك سيدة الأداء الرفيع.