الصحفي الأمريكي اليهودي توماس فريدمان المهتم بالعولمة .. أصدر منذ سنوات كتابه الشهير " السيارة ليكساس وشجرة الزيتون " ... ! والمعروف أن سيارات ليكساس أو ليكزسي اليابانية ( في سلالة تويوتا ) والتي يملك فريد مان واحدة منها بالغة الفخامة والرفاهية والترف وتصنعها " كائنات " بشرية وإلكترونية : 66 عاملا من لحم ودم و 310 روبوتات ذكية؟! وتصادف أن كان المؤلف في زيارة لمدينة تويوتا وزار مصنعها فانبهر فريد مان وخايلته فكرة تأليف الكتاب وهو " طائر " في القطار الإلكتروني المسمي " الطلقة " بسرعة 300 كيلو متر في الساعة عائدا إلي طوكيو . بالحرف الواحد يقول فريد مان : اليابانيون يصنعون أعظم سيارة رفاهية في العالم بالإنسان الآلي بينما ما زال الناس الذين عشت بينهم لسنوات عديدة في بيروت والقدس يقتتلون حول ملكية شجرة الزيتون هذه أو تلك وتبين لي حينئذ أن السيارة ليكساس وشجرة الزيتون رمزان جيران لحقبة ما بعد الحرب الباردة فنصف العالم خرج من الحرب الباردة عازما فيما يبدو علي بناء سيارة ليكساس أفضل وكرس نفسه لتحديث اقتصادياتها وتبسيطها وخصخصتها ليتسني له الازدهار في نظام العولمة ، علي حين لا يزال النصف الآخر في العالم بل نصف بلد واحد أحيانا أو نصف شخص واحد أحيانا لا يزال قيد الصراع علي من يملك شجرة الزيتون هذه أو تلك !! علي أن الخلفية الترسيبية لذهنية ورؤية فريد مان تكمن في أن تعاليم الحاخام " تزفي ماركس " خاصة فيما يتعلق بما جاء في سفر التكوين عن صراع قابيل وهابيل هي التي تتحكم في زاوية رؤيته وهو ما يحدث اليوم في " غابة " العولمة . " في نظام الحرب الباردة" كان التهديد الأكثر احتمالا الذي تتعرض له شجرة زيتونك يأتي من شجرة زيتون أخري ، ويأتي التهديد في خشية أن يخرج عليك جارك ثم يقتلع في عنف شجرة زيتونك اليوم فقد يأتي علي الأرجح من السيارة ليكساس أي من قوي مجهولة للسوق والتكنولوجيات تتخطي حدود الدول وتعمد إلي التجانس وتوحيد القياس وهي التي صنعت النظام الاقتصادي العالي اليوم وثمة أشياء في هذا النظام من شأنها أن تكسب السيارة ليكساس قوة فائقة تتمكن بمقتضاها في اجتياح كل شجرة تقع في طريقها وسحقها " كيف يحل فريد مان معضلة اجتياح السيارة ليكساس لشجرة الزيتون؟ الجواب وبعظمة لسانه : " إن إيجاد توازن بين السيارة ليكساس وشجرة الزيتون هو ما يجب أن يسعي إليه كل مجتمع في كل يوم . وذلك هو ما يميز أمريكا في أفضل صورها فأمريكا تأخذ احتياجات الأسواق والأفراد والمجتمعات جميعا مأخذ الجد تماما ولهذا فليست أمريكا مجرد بلد إنها قيمة روحية ونموذج للمسئولية إنها أمة لا تخاف في الوصول إلي القمر ولكنها مع ذلك تظل تحب أن تعود إلي المنزل لكي يجتمع شمل الأسرة إنها الأمة التي اخترعت الفضاء المعلوماتي Cyber Space وحفلات الشواء ( الباربكيو ) في الفناء الخلفي وأيضا الإنترنت وشبكة الأمان الاجتماعي وهيئة الأوراق المالية والبورصة واتحاد الحريات الأمريكية إذ هذه المتناقضات هي ما تحتفظ به أمريكا في قلبها ، ويجب التوقف عن اتخاذ قرار تصالح إحداها علي الأخري" وفي حواره المنشور في مجلة المصور المصرية / العدد 3929 الصادر في 28 يناير 2000 يعترف فريد مان أن التداخل موجود بين العولمة والأمركة .. لكن " خلال السنوات العشر المقبلة ستجد مثلا مواقع الإنترنت الصينية أكثر من الأمريكية وبذلك سوف تتوازن الأمور إن فكرة التوازن مشكوك فيها لماذا ؟ لأن الصبغة الأمريكية للعولمة تفرض هيمنة فوقية علي " الكبسولة الإلكترونية" ( أمنا الأرض سابقا / بل إن الوسائط الإلكترونية : المعلوماتية السائلة السابحة في الفضاء السبرنيتي ملطخة ب/ شوائب وسلبيات كثيرة منها : ( الهشاشة والخواء المعرفي البورنوجرافية " الإباحية والخلاعية " محو الأبعاد " العميقة " للتراث الإنساني علي منحنياته المعرفية / الفكرية / الحضارية / الاجتماعية عدم السماح ل / الآخر بالمزاحمة ب / الجذور و " الإرث " التراثي أفقيا ورأسيا. يرافق ذلك فرض النكهة الأمريكية علي " الحواس سواء علي المستوي المعرفي أو مستوي إشباع شهوة الجوع والعطش ( الهامبورجر / الكنتاكي / البيبسي / الكولا ) . بل إن فريد مان يراهن علي أن الأقواس الذهبية ( شعار مطاعم ماكدونالدز الأمريكية ) ستحقن دماء قابيل وهابيل " لم يحدث أن خاضت دولتان يوجد بهما مطاعم ماكدونالدز حربا فيما بينهما منذ أن فتح ماكدونالدز في كل منهما !! ... و " دول ماكدونالدز لم تعد تحب خوض الحروب .. بل تفضل الانتظار في طوابير البيرجر " ويري فريد مان أن السوق العالمية الآن المربوطة بشبكات إلكترونية عبارة عن " قطيع إلكتروني " من المستثمرين متعددي الجنسية ومجهولي الهوية .. ويتكون القطيع من مجموعتين : الماشية قصيرة القرون التي تشارك في بيع وشراء الأسهم والسندات والعملات في جميع أنحاء العالم الماشية طويلة القرون وهي الشركات العملاقة متعدية الجنسية Trans ? national. وفي ظل العولمة / الأمركة حسب رؤية فريد مان هناك ثلاث ديمقراطيات : ديمقراطية التكنولوجيا (أجهزة كمبيوتر منزلية للجميع) ديمقراطية التمويل ( بطاقات الائتمان للجميع ) ديمقراطية المعلومات ( الإنترنت للجميع ) لكن المستور ينكشف بانحياز رؤية فريد مان لإسرائيل فمن بين استشهاداته ما ذكره أن إسرائيل " لا تصدر التكنولوجيا المتقدمة إلي جيرانها التي تعاني التوتر في علاقاتها بهم .. بل إلي الأسواق البعيدة في آسيا وأوروبا وأمريكا " لا فرق بين وجه فريد مان وقناعه فهو يذكر بالحرف الواحد في كتابه : " تسمي القبضة الخفية التي تحفظ للعالم الأمن الذي يتيح لتكنولوجيات وادي السليكون ( الأمريكي ) الازدهار تسمي جيش الولاياتالمتحدة وسلاحه الجوي وبحريتها ومشاة أسطولها ويمول هذه القوات المقاتلة ومؤسساتها دافع الضرائب الأمريكي .. ولو كانت القوة التي تعزز أفكارنا وتكنولوجياتنا أقل شدة لما استحوذت علي السيطرة العالمية التي نملكها اليوم " وإذا كان بيل جيتس هو المدشن / المحوري ل /الفضاء السيبرنيتي بقفزاته الهائلة في بيت العنكبوت الإلكتروني .. فإن توماس فريدمان يقوم بإضافة بعد تدليسي علي الخلطة العلنية لالعولمة: حيث ربط الأقواس الذهبية بتحييد صراع قابيل وهابيل طالما أن دول ( مطاعم ) ماكدونالدز ، كما يروج قادرة علي استئصال شهوة الصراع الدموي من النفس البشرية في غابة الطاووس الإلكتروني الأكبر ؟!