رغم أن الرحلة لا تتعدي الخمس دقائق داخل المعديات النيلية إلا أن دقائقها شهور من العذاب وثوانيها أيام من الجحيم ولحظاتها ساعات من الرعب.. وكل هذا الخوف يعيشه الفرد من أجل أكل العيش والانتقال من ضفة إلي أخري للحاق بالعمل. العديد من المعديات لا تعمل بدون ترخيص فحسب ولكنها متهالكة وعديمة الصيانة ما يجعل روادها ينطقون الشهادتين قبل ركوبها.. روزاليوسف عاشت تلك اللحظات المرعبة مع الركاب ورصدت تفاصيلها بالكامل. بالرغم من قصر الرحلة داخل معدية كورنيش المعصرة وسيلة النقل الأولي للحوامدية إلا أنها تحمل بداخلها الكثير من الحكايات خاصة أن حمولتها متنوعة ما بين أفراد وسيارات أجرة ونقل وملاكي وعربات كارو وحيوانات لجر تلك العربات. وقبل اجتياز تلك السلسلة الحديدية التي تفصل ما بين رصيف المعدية الحديدي والشارع الخارجي تقف عشرات السيارات في انتظار دورها في العبور أما المشاة فلا أزمة علي الإطلاق في عبورهم سريعاً بعد دفع قيمة التذكرة وهي 25 قرشاً. رحلة العذاب الرحلة من كورنيش المعصرة حتي الحوامدية المكان الثاني الذي ترسو عليه المعدية لا تستغرق أكثر من 5 دقائق لا غير منذ أن تغادر رصيفها حتي تصل للرصيف المقابل ولكن قد يتأخر إقلاعها بسبب تزاحم العربات علي سطحها وبالتالي لا تستطيع في هذه الحالة رفع بواباتها. تذاكر السيارات تختلف عن تلك التي يحصل عليها الأفراد فالسيارة الملاكي يكلفها العبور 125 قرشاً أما الموتوسيكل 50 قرشاً والعربات الكارو كمثيلاتها الملاكي والعربات النقل تتراوح من 2.50 حتي 4.50 جنيه وفقاً لحجمها وحمولتها وعلي رصيف محطة المعصرة وقف حسان أحمد ملاحظ وردية وهو يحصل مقابل العبور لتلك المعدية التي يطلقون عليها عبارة والتي بدأت العمل منذ عام 1988م. تحدث حسان قائلاً: مواعيد عمل المعدية تبدأ منذ 6 صباحاً حتي 11 مساءً بالتوقيت الشتوي وتستمر الرحلات كل 15 دقيقة ثم يزيد زمن التقاطر في وقت متأخر إذ يكون الزحام قد انفض لتقلع بعد نصف ساعة. ويشير لوجود عبارتين لا واحدة فعند ذهاب الأولي من المعصرة للحوامدية تتبادل معها الأخري لتنتقل من ضفة لأخري ويقسم العمل علي ورديتين فالعبارة الواحدة لها سائقان يعمل الأول منذ 6 صباحاً وحتي 3 ظهراً ثم يتبادل معه الآخر حتي نهاية العمل ويستمر ذلك الحال لمدة 15 يوماً ليتم التبادل بعد ذلك. تصل حمولة العبارة إلي40 طناً وتحمل في المرة الواحدة ما يقرب من 16 سيارة صغيرة الحجم وعدداً قد يتجاوز ال200 فرد. الزحام الشديد ووصلت تلك المعدية هائلة الحجم إلي الرصيف لتترك البعض وتأخذ آخرين وتقلهم للضفة الأخري فتحت العبارة الباب من خلال عاملين وظيفتهما إدارة سلاسل الباب ليلامس الرصيف فيصبح ذلك المدخل والمخرج الوحيد للعبارة وقفت علي الرصيف هائلة الحجم يصل عمرها إلي 21 عاماً تتكون من طابق واحد والسائق وغرفة التحكم معزولان عن السطح حيث يجلس السائق في غرفة تحكم ترتفع عن السطح ليكشف مواضع انتقاله. علي الجانب الأيسر يوجد مكان مخصص لجلوس الأفراد يعلوه واق من الأمطار والحرارة وفي 5 دقائق لا أكثر كانت العبارة متكدسة بالأفراد والسيارات والحيوانات بحيث لا يسمح ذلك الزحام إلا ببقاء الجميع ساكنين في مواضعهم. سيدات كبيرات في السن وشيوخ وأطفال كل منهم يختلف هدفه من الانتقال عن الآخر ولكنهم يتفقون في أنهم يتركونها لله ويضعون أيديهم علي قلوبهم خشية التعرض لحادث. الحاجة كريمة التي تنقل بعض المواد الغذائية من قريتها البسيطة لتبيعها في الحضر كما تقول كانت شاهدة علي حادث مؤسف فبعد أن حملت العبارة حمولتها التي فاقت عن الحد حيث لم يستطيعوا غلق الباب بشكل جيد انزلقت سيارة كانت تحمل الألبان بسائقها إلي النهر من وقتها وهي تخاف كلما احتاج الأمر انتقالها بالعبارة وبالرغم من وجود كوبري المرازيق الذي يصل ما بين الضفتين إلا أن العبارة هي الأسهل والأوفر من الناحية المادية، وكلما صعدت تحتسب نفسها شهيدة أكل العيش وإذا وصلت بسلام تغمرها الفرحة لدرجة تجعلها تتمني لو أن تحتضن تراب الأرض واليابسة واختتمت حديثها قائلة أنقذونا من الموت غرقا. حال باقي الركاب لا يختلف عن حال كريمة انتقلنا من بين الركاب لنصطدم بعدة سيارات ونتفادي الحيوانات أو الاصطدام بالموتوسيكلات التي اتخذت من أسوار العبارة حائطاً ترتكن إليه تجاوزنا ذلك كلة والتقينا محمود الخيال مساعد ميكانيكي المعدية داخل غرفة الكهرباء التي يفصلها عن سطح الركاب باب حديدي قال محمود يتكون طاقم العبارة من 6 أفراد ميكانيكي ومساعد له وريس و3 من البحارة لرفع الباب وإنزالة ورص السيارات، العبارة تقوم بما يقرب من 36 رحلة يومياً إذا كانت الأجواء مهيأة لذلك وفقاً لسرعة الرياح كما أن إقلاع العبارة قد يواجهه مشاكل تتمثل في وجود بعض السائقين ممن يحاولون الركوب بسياراتهم في حين أن المساحة لا تسمح بذلك. ويضيف: يتم رفع باب العبارة بزاوية 45 درجة وتتحكم غرفة الكهرباء في الإضاءة وتشغيل الماكينات وضبط الزيت وتموين السولار. كابوس السيارات يقول: العمل علي العبارة مرهق للغاية سواء كان للسائق أو أي من أفراد الطاقم إلي جانب انخفاض الدخل في ظل هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار. قبل مغادرة المعدية التي اتخذها الأطفال كالملاهي يمرحون بها هنا وهناك وتجد أرجلهم تتدلي من أسوارها المفتوحة والشباب يقفون علي الباب الذي لم يتم إغلاقه عن آخره وجدنا 3 عوامات للإنقاذ لا غير وبسؤال الركاب تبين لنا أن 90٪ من الركاب لا يجيدون السباحة تركنا العبارة برائحة الصدأ التي تفوح من بين جنباتها والتي امتزجت بروائح عدة يحملها الأفراد وتحملها السيارات وخرجنا من ذلك الكابوس الذي يهدد في أي لحظة بضياع مئات الأرواح إذا ما وقع لها حادث. انتقلنا إلي معدية الأهالي بدمنهور شبرا بدأ الناس في التجمع نحو الاستراحة المقابلة للمعدية في انتظار قدومها علي الجانب الآخر تجمعت سيارات البضائع والنقل الثقيل وعربات الكارو وبعض الحيوانات التي ينقلها أصحابها للبر الثاني حيث إن المعدية الأهالي بدمنهور شبرا تبدأ رحلتها من باسوس إلي جزيرة الوراق والتي تستغرق وقتاً زمنياً لا يتجاوز 3 دقائق فقط. وتتكون المعدية من طابقين وتصل حمولتها إلي 250 فرداً تقريباً حسبما أكد أحمد أبوسلام رئيس بحري ممتاز والذي يعمل علي المعدية منذ 20 عاماً. وأكد أن هناك معاينة دورية من هيئة المسطحات المائية للتأكد من سلامة ووجود وسائل الحماية والأمان والمقاعد العائمة والعوامات وطفايات الحريق وغيرها من الوسائل التي يجب أن تتوفر في كل معدية استعداداً للحوادث أو الطوارئ. وأوضح أنه يتم تجديد الترخيص كل عامين ولا يتم تجديده إلا بعد التأكد من كل وسائل الأمان السابقة. حمولة المعدية عمرو إبراهيم دسوقي.. يعمل مساعداً علي المعدية قال إنه يعمل منذ 18 عاماً في هذه المهنة التي تتلخص في متابعة وحصر الأعداد التي تقلهم المعدية حتي لا تزيد علي العدد المطلوب والمحدد وهو 250 فرداً بالإضافة إلي فصل الأفراد الذين يعبرون عن طريق المعدية عن السيارات والعربات المحملة بالبضائع والمواشي وأحياناً أسطوانات الغاز وذلك لتوفير الحماية والأمان لهؤلاء الأفراد. محمد عبدالحفيظ أحد الركاب يقول: مشاكل العبارات كثيرة وتنحصر في تأخر الرحلات التي يمكن أن تستغرق أكثر من نصف ساعة بالإضافة إلي العشوائية في تحميل البضائع والحمولات حيث يجد الراكب نفسه علي العبارة وبجانبه الحيوانات والمواشي دون تنظيم لهم ودون فصلهم عن الناس.