أرجو ألا يكون ما أعلنه السفير محمد مصطفي كمال مساعد وزير الخارجية للشئون البرلمانية مجرد طق حنك أو تعبير دبلوماسي صدر للاستهلاك المحلي. لقد أعجبني ما قاله سيادة السفير ردًا علي ثورة نواب الشعب عقب أحداث مباراة الجزائر في الخرطوم بأن هناك اتجاها لإنشاء هيئة لرعاية المصريين في الخارج.. وملامح هذه الهيئة ستتضح خلال الدورة البرلمانية الحالية! ولست أريد التشكك أو التشكيك في جدية ما قاله سيادة السفير تحت القبة وأعلنه.. ولكن ذاكرتي الصحفية لا تريد أن تنسي أو تتغافل أنه في يوم من الأيام كانت هناك وزارة.. نعم وزارة للهجرة كانت وظيفتها رعاية جميع المصريين في الخارج الذين يربو عددهم الآن علي ثلاثة ملايين مصري ومصرية يقول أغلبهم في الوقت الحالي: لقد نسينا الوطن وأسقطنا من حساباته! ذاكرتي تلك لا تنسي أن اهتمام بعض حكوماتنا السابقة كان يضعف حماسها لأبنائنا في الخارج كان يفتر وأن علاقة الوطن رسميا مع أبنائنا في كل دول العالم لم تكن العلاقة النموذجية التي كان يحلم بها ويتطلع إليها المصريون الموجودون -لأسباب شتي- خارج حدود الوطن. في زياراتي الصحفية الخارجية كلما سألت مصريا عن سفارة بلاده كانت الإجابة التقليدية التي أتلقاها: سعادة السفير مش موجود.. المستشار الطبي مشغول لشوشته بشخصية مصرية مهمة جاءت للعلاج!.. السفارة لا هم لها ولا شاغل سوي تحصيل رسوم تصديقها علي الشهادات الرسمية المستخرجة لأبنائنا وختمها بخاتم السفارة.. إخوتنا وأبناؤنا يقولون الكثير عن بعض رجال سفاراتنا.. المشغولين 24 ساعة في أمور وأشياء ليست هناك أبدًا علاقة بينها وبين المهمة الرسمية المحددة التي من أجلها يحصلون علي مرتبات بآلاف الدولارات من دم الحي.. دماء المصريين دافعي الضرائب ودماء المصريين العاملين بالخارج! حسنا قال مساعد الوزير أحمد أبوالغيظ ولكن هل كان مطلوبًا أن تحدث مصيبة أو كارثة حتي تفكر وزارة الخارجية أو الحكومة المصرية في إنشاء هيئة للمصريين في الخارج؟!.. لماذا لم يأت هذا القرار الذي أخشي ألا يتحول إلي حقيقة قبل أن تقع كارثة مثل أحداث مباراة الجزائر في القاهرة واستاد أم درمان؟!.. لماذا نتحرك دائمًا كرد فعل.. هل فقدنا روح المبادرة إلي هذا الحد ونسينا أبناءنا في الخارج؟! لقد استحدثت الدولة وزارة جديدة للأسرة والسكان تترأسها السفيرة الصديقة مشيرة خطاب ولم يكن التفكير في إنشاء هذه الوزارة (حتي لو قال البعض إنها وزارة دولة) ترفا أو رفاهية بل كان إنشاؤها ضرورة وحتمية فرضتها علينا مشاكل وقضايا الأسرة المصرية وكذلك قضية تزايد السكان الذين يلتهمون كل ثمار التنمية الحادثة ولا يدعون مؤشرات ارتفاع معدل النمو الحقيقية تظهر علي ساحة الواقع. ولا أتصور أن استحداث هيئة لرعاية المصريين في الخارج (كما قال سيادة السفير في البرلمان) مسألة رفاهية أو ترف لا يجب أن نفكر فيه! ولعلي أزيد -ولا أزايد- عندما أقول إن المصريين في الخارج في أمس الحاجة إلي وزارة خاصة ترعي مصالحهم وأحوالهم.. وليس مجرد هيئة.. فقد شبعنا هيئات ومجالس قومية تنشأ وتقوم وتعمل ليل نهار فلا نري طحينًا! وأتوقف لحظة أمام ما قاله سيادة السفير تحت القبة هناك اتجاه...... إلي آخر ما قاله.. وأتساءل: اتجاه من هو صاحبه بالضبط؟.. هل كان يقصد أن صاحبه هو وزارة الخارجية التي ينتمي إليها ويعمل ضمن منظومتها.. أكان يقصد أن الحكومة هي التي لديها هذا الاتجاه؟. إن تحديد صاحب هذا الاتجاه أمر أراه مهمًا ومطلوبًا حتي نعرف بدقة مدي جدية هذه الهيئة المزمع إنشاؤها وقدر مصداقيتها ومستوي تفعيلها ومسئوليتها الكبري في حفظ كرامة المصريين خارج الحدود ورعايتها لمصالحهم وحقوقهم كاملة دون المساس بها أو التطاول عليهم.. وحتي يستبين الكل هدفي المحدد من هذه الكلمات الواجبة أرجو أن يكون واضحًا للجميع أن إنشاء وزارة للمصريين في الخارج مسألة جد تختلف عن مجرد تأسيس أو إقامة هيئة ترعي مصالحهم.. الوزارة شيء.. والهيئة شيء آخر.. ورئيس هذه الهيئة لن يكون، بأي حال من الأحوال، مالكًا لسلطات الوزير واختصاصاته ونطاق مسئولياته. وطبيعي أن نتوقف وفي القلب بعض من عدم التفاؤل أمام ما قاله سيادة السفير لأن حديثه عن هيئة لرعاية المصريين خارج الوطن لم يأت إلا بعد ثورة كل النواب وعلي رأسهم د.فتحي سرور ضد تجاوزات وتصرفات الجزائريين غير اللائقة في حق المصريين سواء في الجزائر أو في السودان. أمام كلمات سيادة السفير نتوقف ليس بغرض التشكيك ولكن بهدف التدقيق والتأكد مائة في المائة من صدق النوايا.. نريد أن نتأكد أن ما قاله السفير ليس طق حنك ولا نتمني كذلك أن يكون كذلك في قادم الأيام.. فالأمر يشغل بال كل المصريين في الخارج الذين اتفق قرار أغلبهم -دون اتفاق فيما بينهم- علي أن مقر سفارة بلدهم هو آخر مكان يفكرون في اللجوء إليه في عواصم بلدان المهجر ورحلة البحث عن لقمة العيش. أتمني، ويتمني معي أبناؤنا خارج الديار، أن يأتي يوم يحمل صباحه قرارًا علي أعلي مستوي بإنشاء هذه الوزارة المنتظرة ليكون هذا القرار أفضل اصطباحة للمصريين في الخارج. أتمني، ويتمني معي ملايين المصريين، أن يكون ما سمعناه تحت القبة ضجيجا نري بعده طحينا.. فالناس الآن.. كل المصريين خاصة بعد أحداث مباراة الجزائر في استاد أم درمان وتخريب الجزائريين للمصالح الاقتصادية المصرية في وهران.. هؤلاء المصريون باتوا يقظين ينتظرون من الدولة في كل لحظة أن تحمي كرامتهم وتحافظ علي حقوقهم في أي مكان ذهبوا إليه وعاشوا فيه. سيادة السفير عفوا.. لا أقل من وزارة وليس هيئة.. وشكرًا للسادة نواب الشعب.. والشكر الأكبر لكل شعب مصر الذي أدي ما عليه وينتظر أن تؤدي الدولة ما عليها.. ونرجو ألا يطول الانتظار!