يبدو أن السيدة هيلاري كلينتون ليست الوحيدة بين المسئولين الأمريكيين التي تجامل حكومة نتانياهو كما بدا خلال الفترة الماضية، حينما وصفت اقتراحاً إسرائيليا بتجميد وهمي للاستيطان بأنه إجراء وقرار غير مسبوق، فها هم مسئولون آخرون ينضمون إلي السيدة هيلاري في مجاملة حكومة نتانياهو السيد ميتشيل المبعوث الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط والمتحدث باسم البيت الأبيض وآخرون يؤيدون ما أعلنه نتانياهو مؤخراً بتجميد جزئي للاستيطان لمدة عشرة أشهر، لا يتم خلالها لا تجميد البناء في المستوطنات لمواجهة ما يسمي بالنمو الطبيعي، ولا في القدسالشرقية. فما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد موافقة مجلس وزرائه عليه لايختلف عما عرضه علي وزيرة الخارجية الأمريكية وعرضته بدورها علي أبومازن الذي رفضه ورغم ذلك فوجئنا بالترحيب الأمريكي، والاشادة الأمريكية، وحتي إذا كان هذا الترحيب جاء مقرونا بإعادة تكرار الموقف الأمريكي الرافض للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي يعتبره غير شرعي، فإنه اقترن أيضا بدعوة الفلسطينيين باستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين. إن الأمريكيين ذاتهم وقبل غيرهم يدركون أن ما أعلنه نتانياهو ليس تجميدا حقيقيا للاستيطان، وأن البناء الاستيطاني لن يتوقف خلال هذه الشهور العشرة، بل إن أحد الوزراء الإسرائيليين استبعد ما أعلنه نتانياهو بتصريح يؤكد فيه أن الاستيطان لن يتوقف حتي وإن أعلنت الحكومة الإسرائيلية ذلك. فكيف إذن يعتبر الأمريكيون ذلك تطوراً إيجابيا في عملية السلام؟.. أو كيف يعتبرون هذا الإعلان يخدم إقامة الدولة الفلسطينية؟.. أو بالأصح كيف يرون أن إعلان حكومة نتانياهو تنازل لم تقدم عليه ما سبقها من حكومات؟! ربما تكون الإدارة الأمريكية في مأزق لأن جهودها ضاعت وتبددت علي مدي قرابة العام لإعادة الحياة لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط بعد أن اصطدمت بعناد حكومة نتانياهو ورفضها الالتزام بخارطة الطريق، أو رفضها التجاوب مع المطلب الأمريكي بتجميد الاستيطان في الضفة والقدس، رغم أن هناك دولا عربية تجاوبت كما أعلن ميتشيل ذلك مع المطلب الأمريكي باتخاذ خطوات تطبيعية تجاه إسرائيل، ولذلك أرادت الإدارة الأمريكية أن تجد حلا لهذا المأزق بممارسة الضغوط علي الفلسطينيين والعرب، بدلا من ممارسة الضغوط علي الإسرائيليين للاستجابة لمطالبها. وهذا يبين خطورة ما يواجهنا الآن.. أمريكا تقول علي لسان وزير خارجيتها أنها مجرد وسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكنها حتي هذا الدور الذي لايعجبنا تخلت عنه واشنطن. وقررت أن تمارس دوراً آخر هو دور من يقوم بالضغوط علينا وعلي الفلسطينيين، لكي نقبل باستئناف الفلسطينيين المفاوضات مع الإسرائيليين بدون التزام إسرائيلي واضح وحقيقي، وليس التزاما ناقصا أو مزيفا، بتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولذلك.. فإننا حينما نطالب واشنطن بممارسة دور أكبر في منطقتنا وبخصوص قضيتنا المركزية، فإننا نطالبها في الحقيقة بأن تمارس الضغوط علينا أو علي الفلسطينيين بالقبول بما يرفضونه أو بالاصح بالتنازل عن حقوقهم المشروعة، فإذا كانت الإدارة الأمريكية بعد كل جهود ميتشيل ورحلاته إلي منطقتنا ولقاءات واتصالات أوباما مع نتانياهو، وقيام هيلاري كلينتون بزيارة لإسرائيل لم تفعل شيئا في قضية واحدة هي قضية تجميد الاستيطان.. فماذا ستفعل إذن في بقية القضايا الاساسية الأخري مثل الحدود والقدس واللاجئين؟.. بهذا الشكل لن تفعل سوي ممارسة الضغوط علينا لنقبل تقديم التنازل تلو التنازل. إذن.. حسنا أن رفض الفلسطينيون ما أعلنته حكومة نتانياهو ولم ينخدعوا أو بالأصح لم يخدعوا أنفسهم به. ويتعين أن يلقي الفلسطينيون مساندة من كل العرب مثلما فعلت مصر التي أكدت لنتانياهو أن أي تجميد للاستيطان يجب أن يشمل القدس وكل أراضي الضفة.