عطفاً علي مقال الأسبوع الماضي بشأن قوة الإعلام والصحافة في إذكاء الرأي العام وصياغته والتعبير عنه، وقدرته في التأثير علي الناس، بالكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية وكل صور التعبير المختلفة في مواجهة القضايا القومية، وما آلت إليه الحال من واقع مشهود ثابت باليقين أن هذه القدرة المقدرة والتأثير وشد الانتباه، وقد أحدث ذلك الاتجاه وبكل أسف تأثيراً سلبياً في الاتجاه المعاكس، أو شغل الرأي العام بالقضايا التافهة أو الأمور الشخصية التي أضاعت الوقت وألهبت المشاعر، وربما أثارت الفرقة والخلاف. ولأننا أمام حقيقة مهمة في تطور بالغ وسريع نحو قوة التأثير الإعلامي الهائلة، فإنه علينا أن نرسخ ذلك الاتجاه في الجانب الإيجابي، والدفع به إلي ذلك التطور لما فيه صالح البلاد، فلدينا القضايا القومية التي يمكن أن نلتف حولها، ولدينا المشاكل الكبري التي يمكن أن نتناقش حول أسبابها ووسائل علاجها، لنضع الحلول لها ونفتح بشأنها الحوار الموضوعي.. ونيسر الطريق لحلها.. ولدينا الحاجات الضرورية والحاجة التحسينية التي يمكن أن نوجه النظر إليها ونشد الانتباه تجاهها. فماذا قدم الإعلام والفضائيات عن قضية السكان مثلاً.. الانفجار السكاني.. والتنمية البشرية.. وقضية الإسكان.. وقضايا الأمية.. والعدالة الاجتماعية.. ومكافحة الفساد.. والشفافية والنزاهة.. وتعزيز المساءلة.. وهي كلها قضايا مصيرية ومن نوع القضايا المزمنة.. والمتوطنة.. كل واحدة منها تريد حلاً.. والحل لا يأتي إلا بعد المناقشة والمشاركة الإيجابية والحوار الموضوعي بعيداً عن الأفكار التآمرية أو إطلاق الاتهامات. ماذا قدم الإعلام لقضايا المشاركة السياسية.. والأحزاب السياسية.. والتعددية الحزبية.. ونحن قادمون علي انتخابات البرلمان بعد شهور قليلة.. وبعدها الانتخابات الرئاسية، وماذا عن نشر ثقافة المواطنة واحترام الحقوق والحريات وعن تعاون السلطات الدولية.. وتعزيز الديمقراطية.. القضايا كثيرة ومتنوعة وتتطلع إلي المشاركة لكن المهم أن يكون أسلوب الخطاب بالفهم والمناقشة الجادة وليس بالإثارة أو بث الإحباط واليأس.. بالأمل والمناقشة الموضوعية وليس من منظار أسود، بالبناء وليس بالهدم.. وأن نبحث عن القدوة الحسنة.. وننقب عن صور النجاح لنزرع الأمل.. وأن ننتقد بموضوعية ودون إسفاف أو تجن. بالأمس القريب مثلاً.. وفي جريدة خاصة محترمة.. حديثة، استبشر الناس بها خيراً.. لكنها ما لبثت أن جمعت مختلف الاتجاهات.. «ومن بينهم من الجيل القديم».. صاحب قلم رصين وخبرة طويلة.. لكنه لا يكتب إلا بمنظار وقلم حالك السواد في كل مكان.. وزمان.. باق علي القديم، ولا يري في الحاضر إلا ما هو سيئ.. حتي ما حدث وكان إيجابياً.. لا يري فيه تقدماً أو عملاً نافعاً أو فضلاً أو ميزة. كتب بإساءة بالغة تصل إلي درجة «السب» في حق مجلس الشوري كسلطة.. والإهانة لأعضائه.. وهم نواب الشعب وأعضاء البرلمان.. فعندما شب الحريق في أغسطس الماضي في يوم حزين التهم البرلمان وأصبح الأمر كارثة كبري.. انطلقت أصابع الاتهامات.. وتواتر الحديث عن الخيانة، وعن الانهيار واليأس والإحباط.. والتأكيد دوماً علي أنه لا أمل، وإذا ما تحقق الأمل وأعيد البناء والتجديد في أبهي صورة للبرلمان.. وأصبح ذلك واقعاً وحقيقة لا تقوي علي النكران، فإن المجلس صار مجلس «اللوردات» وليس في ذلك فضل أو ميزة، وأن المجلس أصبح خالياً من الشوري.. ولا يستطيع أن يكون مفيداً للناس وأن عدد المهللين للحكومة قد زاد، وأصبح المجلس بناء بلا شوري.. وتحت السيطرة بالكامل!! يا سبحان الله.. اقرؤوا أيها السادة التاريخ.. والإحصاء.. وحصاد الأعمال.. كيف كان.. وكيف أصبح.. وماذا قدم.. وماهي اختصاصاته الدستورية.. وليس بالضرورة أن يكون تكراراً لاختصاصات مجلس الشعب بالتمام والكمال.. من هم نوابه وخبراتهم وعلمهم.. وكيف يمارسون اختصاصاتهم في الرقابة والتشريع ودراسة القضايا وإعداد التقارير بأسلوب علمي حكيم موضوعي؟هذا اطلق عليه الرأي العام «مجلس الحكماء». وفي حصاد دور الانعقاد العادي التاسع والعشرين من العام الماضي نوفمبر / يونيو 2009 بلغت مشروعات القوانين التي نوقشت بالمجلس 33 ، والاقتراحات بمشروعات القوانين كان عددها 6 والاتفاقات الدولية كان عددها 45،وعن طلبات المناقشة وهي إحدي أدوات ووسائل الرقابة البرلمانية وفقاً للمادة كان عددها 129 من الدستور كان عددها 62 طلب مناقشة، وعن الاقتراحات برغبة وهي أيضاً واحدة من أدوات الرقابة البرلمانية فقد بلغ عددها 115، وعن التقارير في قضايا بالغة الأهمية كان عددها أربع تقارير منها العشوائيات.. والتنمية المتكاملة لسيناء.. والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن الزيارات الميدانية التي بلغت 24 زيارة، أما عن الدورة الحالية فلقد استهل المجلس أولي جلساته بالرقابة البرلمانية، بطلبات المناقشة والاقتراحات برغبة عن أحداث مباراة مصر والجزائر بأم درمان المؤهلة للمونديال بخطاب شديد اللهجة وتوجيهه للحكومة.. وعن انفلونزا الخنازير.. ومكافحة الفساد.. ومناقشة اتفاقيات دولية.. كل ذلك علي مدي جلسات أول يوم من أيام الانعقاد!! أيها السادة اتقوا الله في وطنكم.. ازرعوا الأمل وانشروا التفاؤل بين أبنائه واذكروا ولو بعض المحاسن، ولا تتغاضوا عن السلبيات لكن ناقشوها بالعلم والموضوعية والحياد.. دون إساءة إلي أحد أو إطلاق الاتهامات والسباب إلي السلطات.. ارحمونا وارحموا الأجيال يرحمكم الله!!