فاس مدينة العلم والثقافة في المغرب تبدو دائمًا هادئة، شعبها لطيف، بسيط في تعامله، يكن احتراما لكل المتعاملين معه.. علي مدار ثلاثة أيام متصلة عقدت الدورة الثالثة لمنتدي فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي في موضوع وسائل الإعلام والتواصل، رهانات وتحديات الألفية الثالثة.. تحدث في المؤتمر خبراء في الإعلام من العالم العربي، والغرب علي السواء.. لم يغب شبح الشحن الإعلامي المواكب لمباراة مصر والجزائر عن الحديث. البرنامج كان مكثفا، أداره ببراعة عبدالحق العزوزي، مدير مركز الأبعاد المتعددة للأبحاث الاستراتيجية، وأدلي كثير من الخبراء بدلوهم في القضايا المطروحة ما بين حرية الإعلام، وعلاقة الإعلام بحوار الحضارات، ومستقبل العمل الإعلامي.. بالطبع كانت المساهمة المصرية حاضرة، ومؤثرة.. السفير المصري بالمغرب أبوبكر حفني، رجل نشيط، وله حضور رغم أنه لم يمض في موقعه أكثر من شهرين.. أشار في كلمته إلي أهمية التسامح الفكري مستشهدا برائعة الأديب الكبير طه حسين مستقبل الثقافة في مصر بوصفه دلالة علي التسامح الفكري، ولا سيما أن هذا الكتاب صدر في وقت كانت فيه الفاشية والنازية تعتصران قلب أوروبا، وتدفعان شعوبها دفعا نحو حرب عالمية ثانية.. الدكتور خالد عزب، مدير الإعلام بمكتبة الإسكندرية، انتقد غياب السياسات الإعلامية في الوطن العربي، مشيرا إلي أن هناك قنوات فضائية عربية تلعب دورا في تفتيت الهوية العربية أكثر ما تقدم خطابات جامعة، وموحدة للشعوب العربية.. وأشار الدكتور سعيد اللاوندي -الكاتب بجريدة الأهرام- إلي مفهوم إسلاموفوبيا الذي انتشر في السنوات الأخيرة في الدوائر الإعلامية الغربية.. أما كاتب هذه السطور، فقد تحدث عن أهمية حرية تداول المعلومات، والموضوعية في العرض والتسجيل، وكيف أن الحرية الحقيقية للإعلام هي حرية مالك المطبوعة أو الفضائية أو الموقع الإلكتروني، وليست حرية العاملين في وسائل الإعلام، أو المتلقين للخدمة الإعلامية. ومن الإعلام إلي السياسة، وكان ذلك مثار حديث قصير أثناء زيارة للسفارة المصرية في الرباط.. السفير المصري مثقف، ونشط، يسعي إلي التواصل بجدية مع المجتمع المغربي.. قضينا بضعة أيام في واحد من أكبر المؤتمرات الثقافية في المغرب، فلم يبرح السفير قاعات المؤتمر، وكذلك الدبلوماسي النشط طارق دحروج، السكرتير الأول في السفارة، وهو قادم من باريس، حيث قضي عدة سنوات هناك، وله رسالة دكتوراه مهمة عن المسلمين في الغرب.. اللافت أن المستشار الثقافي بالمغرب لم يظهر في اللقاء، ولم يسع لمعرفة ما يجري فيه.. وهو ما يشكل بالنسبة لي علامة استفهام غير مفهومة.. نعود إلي السفير المصري الذي يسعي بكل ما يملك للتواصل الثقافي والحضاري مع المجتمع المغربي، وليس فقط التركيز علي الشئون السياسية والقنصلية، وهو ما يعبر عن بعد نظر من جانبه، فالعلاقات الثقافية بين شعبين عريقين بين مصر والمغرب تلعب دورا مهما في مسار العلاقات بين الدولتين.. في هذا السياق سوف يقيم في الثاني من ديسمبر حفل تكريم لوزير الثقافة المغربي بن سالم حميش بمنزله، بحضور المثقفين المغاربة. العلاقات المصرية المغربية، بخلاف المصرية الجزائرية عميقة.. المواقف السياسية بين البلدين شبه متطابقة في مختلف القضايا، وهناك حالة من الاحترام والود الشديد بين الشعبين.. المثقفون المغاربة يحترمون الثقافة المصرية، ويودون التواصل معها.. وهو ما يضع عبئا علي المؤسسات الثقافية المصرية في التواصل معها.. في هذا السياق قامت مكتبة الإسكندرية بدعم إنشاء مكتبة فاس الحديثة، وأمدتها بمؤلفات وكتب.. وهو أمر مهم، نتمني أن يتواصل، ولا سيما أن الطبقة الوسطي المغربية تود أن تتواصل مع الثقافة المصرية، التي تعرفها من خلال الأعمال السينمائية والفنية.. السيارة المغربية الآن في شوارع القاهرة، والحافلات المصرية في المغرب، وهناك رغبة في إنشاء خط ملاحي بين مصر والمغرب، لكنه لم يمض في طريقه بعد، وهناك أطروحات لتعاون في مجال الأدوية حيث استطاعت إحدي شركات الأدوية النفاذ ببعض المنتجات للسوق المغربية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والمغرب خلال عام 2008م 454 مليون دولار، مثلت الصادرات المصرية للمغرب نحو 406 ملايين دولار، بينما جاءت الواردات من المغرب بنحو 48 مليون دولار، مما يعني أن الميزان التجاري في صالح مصر، وتعد اتفاقيتي منطقة التجارة الحرة العربية- المتوسطية إعلان أغادير، وتيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية منطقة التجارة الحرة العربية الكبري الإطار الذي يحكم العلاقات التجارية بين البلدين. الاقتصاد يمضي، ونتمني أن تتسارع وتيرته، ولكن الحضور المصري الثقافي في المغرب يحتاج قوة دفع.. لم ننتبه بعد إلي ذلك.. لا يوجد مراسل تليفزيون أو صحيفة مصرية مقيم في المغرب، ولم ندرك بعد أن بالإمكان أن ننطلق من المغرب إلي غرب أفريقيا، حيث يوجد طلب بكثافة علي الخطابات الدينية المصرية الهادئة الوسطية في مواجهة تصاعد مزاج متطرف في هذه الدول.. فإذا كانت الصادرات المصرية عرفت غرب أفريقا عبر البوابة المغربية، فمتي يحين دور الثقافة المصرية؟