تحدثنا في مرة سابقة عن مصطلح الكنيسة الأم، وقلنا إن الكنيسة الأم تاريخيًا هي الكنيسة الكاثوليكية التي تعني الجامعة وانفصلت عنها الكنيسة الأرثوذكسية عام 451م ثم جاء الإصلاح لينفصل عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر وجاء الإصلاح والكنيسة الكاثوليكية إلي مصر في القرن التاسع عشر، هذا من الناحية التاريخية، أما من الناحية الموضوعية فقد ذكرنا أن مصطلح الكنيسة الأم لم يعد أحد يستخدمه في العالم لكن المصطلح المستخدم هو الكنيسة الأخت لأن التاريخ لا يعبر عن العلاقة ولكن التعاون والوحدة والتواضع والعلاقة الصحيحة بين الكنائس بدون هيمنة هو الذي يعبر عن العلاقة لأن كل الكنائس تأخذ وتعطي، فلا توجد كنيسة تملك كل شيء ولا توجد كنيسة لا تملك شيئًا. أما المصطلح الثاني الذي نتحدث عنه اليوم فهو مصطلح الكنيسة الوطنية وهذا المصطلح وغيره من المصطلحات انتشر في عصور فيها إبعاد للآخر ونفي الصفة عنه، فعندما نقول مثلاً كنيسة الله - وهناك كنيسة فعلاً بهذا الاسم - أو كنيسة المسيح، أو حزب الله أو الإخوان المسلمون... فماذا يعني هذا؟، يعني بكل بساطة أن الذي لا ينتمي لحزب الله أو كنيسة الله لا يعرف الله حقيقة، والذي لا ينتمي لكنيسة المسيح لا يعرف المسيح والذي ليس عضوا في الإخوان المسلمين ليس مسلمًا وهكذا، ولقد عفي الزمن علي مثل هذه المصطلحات لأنها مصطلحات لا تصلح للعصر الحديث الذي يموج بفكر ما بعد الحداثة والعولمة وحقوق الإنسان، إنها مصطلحات من مخلفات أزمنة قديمة لم تعد مصطلحاتها تصلح لليوم، وإذا كانت هناك كنيسة تستخدم هذا المصطلح الكنيسة الوطنية فهذا يعني نفي الوطنية عن باقي الكنائس وهذا لا يمت للواقع بصلة، فالكنيسة الإنجيلية التي بدأت عام 1840م من خلال فكر الإصلاح الذي أتي به بعض المرسلين من اسكتلندا وكندا وأمريكا، حمل عاتقه مصريون آمنوا بالإصلاح الكنسي وقاموا بتمصير الفكر اللاهوتي للإصلاح، وترجموا الكتاب المقدس كاملاً للغة العربية لأول مرة وهي الترجمة التي تستخدمها جميع الكنائس اليوم بما فيها الكنيسة الوطنية بل تستخدمها جميع الكنائس الكاثوليكية وغير الكاثوليكية، ولقد استقلت الكنيسة فكريًا وعضويًا منذ عام 1934، واليوم هناك علي الأقل ستة أجيال مصرية وطنية حقيقية توالت كإنجيليين يخدمون وطنهم بصورة - حسب رأيي - أفضل كثيرًا من أي مؤسسة أخري، فالكنيسة الإنجيلية بها ما لا يقل عن مائة مدرسة علي مستوي الجمهورية سواء تتبع المؤسسة العامة أو الكنائس المحلية بها عدة مستشفيات ومستوصفات تتبع أيضًا الكنائس المحلية والمؤسسة العامة ثم لديها الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية التي تخدم مصر في مجالات الحوار المسيحي الإسلامي وقروض الشباب بالملايين وتنمية القري... إلخ، وكل هذه الأنشطة تشمل المسيحي والمسلم علي قدم المساواة ولأن الغالبية بين المسلمين والأرثوذكس لذلك فهي تخدمهم أكثر جدًا من خدمتها لأولئك الذين ينتمون إلي الكنيسة الإنجيلية، وهناك قصص في التاريخ المصري تروي عن وطنية الإنجيليين والمبادئ الأخلاقية التي أرسوها في مصر، ففي بداية العهد بالكنيسة تقدم واحدا من أثري الأثرياء يدعي أخنوخ يوسف ينتمي إلي الكنيسة الإنجيلية وكان يملك عزبة بها آلاف العبيد تدعي صفط ميدوم، ولكي تضمه الكنيسة إلي عضويتها (وقد كانت في ذلك الوقت كنيسة ناشئة عددها بالعشرات) اشترط عليه راعي الكنيسة أن يحرر جميع العبيد الذين يعملون في أرضه وبعد تفكير عميق قبل الرجل أن يحرر عبيده ليقبلوه عضوًا بالكنيسة المصلحة، ولا شك أن التاريخ المصري يذكر إستر ويصا هذه السيدة الإنجيلية التي كانت لها مواقفها الوطنية والعربية المشرفة حيث نددت ببروتوكولات حكماء صهيون وحذرت من النزعات الصهيونية الاستعمارية التي سوف تضع المنطقة في مأزق سياسي كبير، ودافعت عن استقلال مصر الوطني وتحرير فلسطين من اليهود الصهاينة، ولعلك عزيزي القارئ - تعرف التاريخ المشرف لعائلة عبيد، وهي عائلة إنجيلية، والكنيسة في قنا والوقف الزراعي لها من أرض عبيد وهذا قليل من كثير وهكذا بلا شك لا أحد يستطيع اليوم أن يزايد علي دور الكنيسة الإنجيلية الوطني، وبعد ذلك نجد من يردد مصطلح الكنيسة الوطنية ولا حول ولا قوة إلا بالله.