لم يتوقع جوزيف ناي، عميد معهد كيندي للعلوم السياسية في جامعة هارفارد، ولو للحظة، وهو يصيغ مفهوم القوة الناعمة في القرن الحادي والعشرين، أنه يفكر بالصين وليس الولاياتالمتحدة.. وتعريف هذه القوة الجديدة، هو: القدرة علي صياغة خيارات الآخرين.. وأن تكون نموذجا يحتذي، يجذب الآخرين ويدفعهم إلي أن يفعلوا ما تريد. القوة الناعمة للصين تستمد طاقتها من مبدأ عدم التدخل واحترام السيادة الوطنية للدول الأخري، وأيضًا استخدام الصين المرن لأدوات السياسة الخارجية المتعددة: كالدبلوماسية والاقتصاد والثقافة.. وهو ما يؤهلها لقيادة عولمة بديلة كقوة غير غربية تتحدي سطوة العولمة الراهنة، وتعمل علي نقل المنفعة والفائدة المتبادلة مع الدول الأخري، خاصة في القارة السمراء. علاقات الصين بأفريقيا تطورت خلال ما يزيد علي 60 عاما بشكل تصاعدي لتصبح أكثر عمقا وقوة، وتتحول إلي شراكة عالمية مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي بشكل يعكس قوة نفوذ وتأثير الصين في أفريقيا، بعد التراجع النسبي للنفوذ الأوروبي بريطانيا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا وبدرجة أقل إيطاليا. واتخذت العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا ثلاثة أشكال رئيسية، تضمنت: المساعدات الرسمية والتجارة والاستثمار، وشهدت نقلة نوعية تحولت بموجبها إلي منح وقروض طويلة الأجل. في قمة بكين عام 2006، أصدرت حكومة الصين: وثيقة سياسة الصين تجاه أفريقيا، وأقرت بإقامة شراكة استراتيجية صينية أفريقية علي نمط جديد، ستتم مناقشة نتائجها في المؤتمر الرابع الذي سيعقد بعد أيام في مدينة شرم الشيخ، التي ستشهد أيضًا وضع خارطة طريق للتعاون في عامي 2010 و2012. قارة أفريقيا في الألفية الثالثة، تمثل سلة من الفرص الاستثنائية للاستثمار، وخزان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأولية، بسبب زيادة الطلب وتقلص نسبة الاحتياطات العالمية ومعدلات الإنتاج في العديد من مناطق العالم. من هذه الموارد التي تتمتع بها أفريقيا: حوالي 10 ٪ من احتياطي النفط العالمي، حوالي 80 ٪ من بلاتين العالم، وأكثر من 40 ٪ من ألماس العالم و20٪ من الذهب، ناهيك عن أنها تمتلك حوالي 4 آلاف كيلو متر مكعب من مصادر المياه العذبة المتجددة في السنة، أي ما يوازي حوالي10٪ من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم. تختلف استراتيجية الصين في النظر إلي أفريقيا والتعامل معها، عن استراتيجية الولاياتالمتحدة وروسيا التي تستحق مقالا قائما بذاته، ففي حين تنظر الصين إلي أفريقيا علي أنها خزان استراتيجي للموارد الأولية والطبيعية في العالم، وهو ما يلبي حاجاتها المتزايدة من هذه المواد وبالتالي الحفاظ علي النمو الاقتصادي للبلاد والصعود الجيوسياسي علي المستوي الإقليمي والدولي، فإن الولاياتالمتحدة، رغم أنها تعد الشريك التجاري الأول تراجع هذا المركز اليوم لصالح الصين لأفريقيا، فلا يزال البعد الأمني وليس التجاري أو الاقتصادي هو الذي يحظي بالأولوية، والدليل علي ذلك مشروع أفريكوم الذي طرح منذ العام 2007، وهدفه المعلن: نشر الاستقرار وزيادة التعاون الأمني والشراكة مع دول القارة الأفريقية. ملفات التقاطع الدولي في أفريقيا عديدة ومتداخلة، ويكفي أن نشير فقط إلي أن الصين هي ثاني أكبر مستهلك للنفظ في العالم، ومن المتوقع أن تقفز وارداتها النفطية لتصل إلي 13.1 مليون برميل يوميا بحلول العام 2030.. وبما أن حوالي30٪ من واردات بكين من النفط تأتي من أفريقيا مقارنة بحوالي50٪ من منطقة الشرق الأوسط، فإن التواجد الصيني في أفريقيا يصبح ضرورة قصوي. في المقابل، تعتبر الولاياتالمتحدة أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، وتشكل وارداتها من النفط من أفريقيا قرابة ال15٪ إلي20٪، أي ما يوازي تقريبا وارداتها من دول الشرق الأوسط.. ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلي25٪ خلال السنوات الست القادمة، بحيث تستورد الولاياتالمتحدة أكثر من 770 مليون برميل من النفط سنويا من القارة السمراء. في هذا الإطار، فإن الملف النفطي في أفريقيا يدخل في البعد الأمني لسياسة الطاقة الأمريكية، والشيء نفسه بالنسبة للاستحواذ علي الموارد الطبيعية والأولية. السؤال الذي يطرح نفسه، هو: كيف يمكن أن نستفيد من التنافس الشرس بين الصين والولاياتالمتحدة؟، وكيف نعظم مطالبنا وأهدافنا وشراكاتنا بما يضمن التنمية المستدامة لمجتمعاتنا، والقضاء علي الفقر (الجوع) والأمراض المتوطنة، والأمية الرقمية والتكنولوجية؟.. وأخيرًا، ما هي آليات المشاركة الفعلية في ميلاد العولمة البديلة؟ يقول الخبير في الشئون الصينية فيليب ريشاي مؤلف كتاب الهجوم الصيني في أفريقيا علي لسان الأوروبيين: هل ينبغي التباكي علي النفوذ الضائع أم التصدي للهجوم الصيني القادم بثبات؟.. هذا السؤال، قد يغري المؤتمرين 49 دولة بشرم الشيخ، في المنتدي الرابع للتعاون بين الصين وأفريقيا 2009، للتفكير بجدية في كيفية الاستفادة القصوي من هذه الشراكة، خاصة أن العولمة لم تكن يوما ولن تكون باتجاه واحد.