هي العادة وحدها تجعلنا نتحمل... لا شيء آخر فمصر التي يقال عنها دائما بلد الامن والأمان تتخلي عن نفسها بيد أهلها وناسها. لا أتحدث عن الإرهاب الذي يقاس دائما بما حولنا من أمم مضطربة. لا فالإرهاب له من يتصدي له من قوي الأمن ولكن أتحدث عن السلوك العادي للناس حزينا متألما مما جري للكاتب والمثقف الكبير توفيق عبد الرحمن الذي لم تشفع له سنه الواضحة جدا أمام الجناة العابثين صغار السن. ليس الأمر طيشا ولا نزقا ولكنه سلوك الكثير جدا من سائقي الميكروباصات الذين لا يعرف أحد من أين تأتيهم الجرأة علي القيادة المتهورة في كل مكان في مصر والذين يفعلون ذلك جهارا أمام الشرطة في كل مكان ولا يطبق أبدا عليهم قانون المرور الجديد أو القديم فهم يقودون سيارات متهالكة لا تكف عن إخراج العادم الأسود في الشوارع والأزقة ويسرعون في كل اتجاه ويتوقفون في عرض الشارع ولايكفون عن إطلاق الكلاكسات، الكبار منهم في السن والصغار الذين هم أكثر عددا وممارسة للفوضي ولا يعرفون غير لغة المجرمين إذا تحدث معهم أحد ولا يقيمون وزنا لأي شيء وفي كل الطرق رجال المرور يقفون وقد يئسوا فيما يبدو من العمل وإذا كان أحد لا يصدقني فليمش في شارع فيصل أو الهرم في أي وقت وليدخل إلي الشوارع الجانبية في أي وقت. كتبت كثيرا جدا عن هذه الفوضي التي يصنعها هؤلاء العابثون الاقوياء بلا سبب ولا يمكن أن يكون السبب فقط أن كثيرا من هذه الميكروباصات يمتلكها أمناء شرطة كما يقال، أنا لا اصدق ذلك لان في مصر آلاف الميكروباصات ولا يمكن أن يمتلكها كلها أمناء شرطة ولا ضباط كما يقال، فعندما يتوافر في تقاطع طرق أو ميدان عشرات الميكروباصات تزعجنا بالكلاكسات والعادم والوقوف في الممنوع ولا يتقدم لها أحد من رجال المرور لا يعني أبداً أن رجال المرور يعرفون اصحابها ولكن يعني يأس هؤلاء الرجال من العمل وهو يأس يبدو فعلا علي وجوههم وهو يأس يطولني أنا شخصيا حين أري ذلك وافكر أن اقف لأقول للضابط أو أمين الشرطة أن يمارس القانون علي هؤلاء المزعجين غير المهذبين الذين يفعلون كل هذه الفوضي بلا سبب اقول لنفسي إنهم يرون ويسمعون أعني رجال المرور وأكره الدنيا ومثلي الكثيرون . من الكهول والشيوخ يتحدثون معي كيف لم يعودوا قادرين علي تحمل الشارع المصري وكيف يحلمون بالهجرة لو لم تكن السن تخذلهم وليت الامر يقف عند ذلك فقط لكن الكهول والشيوخ بشكل عام يعانون من نظرات الاستهتار والسخرية من كل من يتعامل معهم من الأصغر سنا يحدث هذا اذا ركبت مع سائق تاكسي إذ يبدو من البداية أنه لا يريدك أن تركب معه وإذا جلست في مقهي وقدم لك خدمة سيئة ولفت انتباهه يبدو منزعجا جدا إذ كيف لك انت الكهل أو البركة كما يقولون أن تحتج ألا يكفي أنه يخدمك. والأمر نفسه في كل مكان للاسف يذهب إليه شخص تجاوز الخمسين أما إذا كان قد تجاوز الستين فكفاية عليه لحد كده. تسمع ذلك في الكلام وتراه في العيون وليت الذين يفعلون ذلك يقدمون لهذا الوطن شيئا مفيداً لكنها الفوضي والغش في كل شيء. حالة غريبة استشرت في المجتمع المصري من عدم اللياقة والتقدير لكبار السن ولا يعني ذلك ان الأمر مع الأصغر سنا أفضل علي العكس فسرعان ما يتطور أي خلاف إلي مطاوي وسكاكين وسيوف وسنج حتي انني من فرط ما شاهدت من شباب يجري حاملا ذلك كله في الخناقات استطيع أن اجزم أن السيوف والبلط والسنج صارت في سبعين في المائة من البيوت المصرية وكأنها صارت جزءا من شوار العروسة ولم يعد أحد بقادر علي التدخل في أي خلاف لإيقاف أي خناقة لأنه يعرف أنه لا فائدة وقد يطوله الأذي وسيطوله للأسف لا أحد في البلاد الآن يفكر في أن هناك قانوناً ولا أعرف من أين هذه الثقة في ذلك ويستطيع أي شخص أن يفعل أي شيء رغم أنه في معظم الحالات يتم القبض علي الجناة ولا يرعوي أحد. مات الكاتب والمثقف الكبير توفيق عبد الرحمن قتل للأسف من شخصين حدثين أكبرهما في الثامنة عشرة ومثلهما الكثير جدا من سائقي الميكروباصات في أماكن ظاهرة وأماكن خفية ولم يشفع له عمره الواضح لهما ولم يكن سيشفع له في أي مكان آخر ومثل هذين القاتلين كثيرون يمرحون بالسيارات الخربة في كل البلاد واذا أردت مكانا آخر ادلك عليه ليقتلك سائقو الميكروباص غير فيصل والهرم وأحمد عرابي فاذهب إلي شارع السودان أو بشتيل أو اذهب إلي ميدان السيدة عائشة أو أي مكان. وداعا مؤلما للصديق المثقف والأديب الكبير المهذب الجميل توفيق عبد الرحمن الذي لم يكن يفكر أبداً في هذه النهاية، هو الذي عاش في مصر حين كانت بلدا للأمن والامان. الهجوم علي الشرطة ليس هذا الموضوع ببعيد عما جري للكاتب الكبير توفيق عبد الرحمن وربما يكشف لنا جانبا من حالتنا فحوادث الهجوم علي رجال الشرطة صارت من الأخبار العادية واقصد بها هنا الهجوم من قبل المجرمين لا الإرهابيين وفي اسبوع واحد حدث هجوم بالرصاص علي مدير مباحث السويس فراح ضحيته وعلي مدير مباحث الدخيلة بالإسكندرية فأنقذته العناية الالهية والمدهش والعجيب أن الهجوم حدث بالاسلحة الآلية وهكذا صارت الاسلحة الآلية في يد المجرمين مثل السنج والسيوف في يد الناس العاديين. هذه حالة لا تعني إلا شيئا واحدا هو التأهب الدائم للقتال. لقد صار ذلك هو الهواء الذي يتنفسه الغالبية العظمي من الناس فكيف وصلت كل هذه الاسلحة في أيدي الجميع. ليس شيئا طيبا أبداً أن يستطيع المجرمون قتل رجال الشرطة رغم أي تحفظات علي سلوك بعض رجالها وهذا الذي جري احدثه مجرمون صاروا بعيدا عن الخوف والحذر وتملكهم شعور القوي الذي لن يقدر عليه أحد وهذا هو السؤال كيف حدث ذلك ولو كانت حادثة واحدة لقلنا شيئا استثنائيا ولكنه السلوك نفسه فقط عند العاديين يتحول إلي سيف وسنجة أو سيارة كما جري مع توفيق عبد الرحمن وعند المجرمين يتحول إلي سلاح آلي كما جري مع رجال الشرطة فهل صارت الاغلبية من الناس مشروعات لمجرمين.