لا يمكن إنكار حجم مخاطر الأزمة السودانية وتأثيراتها الإقليvvvية، وعلى استقرار منطقة القرن الإفريقي، وخصوصا 6 دول هى جوار السودان، والمصالح الحيوية لمصر، فلاشك أن هذه الدول ليست ببعيدة عن صدى وتأثير دوى الاشتباكات المسلحة بين الجيش السودانى وعناصر الدعم السريع، من هذا المنطلق سارعت الدولة المصرية منذ بداية الأزمة فى منتصف أبريل للتعاطى مع تطوراتها بحكم تأثيراتها على الأمن القومى المصرى والمصالح الحيوية لمصر جنوبا، وفق اعتبارات عديدة على رأسها العلاقات التاريخية والأذلية بين الشعبين المصرى والسوداني، والشراكة الإستراتيجية بين البلدين. وكان أول التحركات الدولية قادها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمبادرة مع رئيس جنوب السودان سيلفاكير؛ للوساطة بين الأطراف السودانية لوقف إطلاق النار، والعودة إلى مائدة المفاوضات لاستعادة الاستقرار، وبعد اجتماع للرئيس السيسى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لاستعراض تداعيات الأحداث الجارية داخل السودان وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع من نتائج تؤثر على آمن وسلامة المنطقة، أشار الرئيس إلى أن « مصر على اتصال بالجيش السودانى والدعم السريع من أجل تشجيعهم على إيقاف إطلاق النار، والعودة للمفاوضات». ووسط التحركات الدولية والأممية والإقليمية لتهدئة الأوضاع، والاتصالات المصرية فى هذا الإطار، من المهم التوقف مع محاور الموقف المصرى الثابت والواضح من الأزمة السودانية، التى عبر عنها الرئيس السيسى فى أكثر من مناسبة خلال الأيام الماضية، خلال اتصالات ومباحثات مع مسئولين دوليين، إلى جانب الخارجية المصرية حيث أكد وزير الخارجية سامح شكرى على أن مصر تمتلك القدرة على التأثير الإيجابى لاحتواء الأزمة فى السودان، وعبر عنها بوضوح مندوب مصر الدائم فى الأممالمتحدة بكلمته أمام مجلس الأمن، هذه المحاور شكلت خطوط حمراء للموقف المصرى بخصوص الأزمة السودانية أهمها ما يلي: 1- عدم التدخل فى شئون الدول: وهو موقف شدد عليه الرئيس السيسي، باعتباره مبدأ أساسيا من مبادئ السياسة الخارجية المصرية، ذلك أن مصر لا تتخدل فى شئون الدول الأخرى، والتدخل إن لم يكن إيجابيا فليس من مصلحة العلاقات المشتركة، حيث إن التاريخ سيسجل تلك المواقف إذا كانت سلبية أو إيجابية. 2- وقف إطلاق النار: حيث تشدد مصر على ضرورة الوقف الفورى والعام والشامل لإطلاق النار، وضمان الالتزام به، وبما لا يقتصر على الأغراض الإنسانية، وذلك حقنًا للدماء السودانية وحفاظًا على أمن وسلامة المدنيين ومقدرات الشعب السودانى الشقيق. 3- عدم التدخل الأجنبى بالسودان: حيث أكدت مصر أن النزاع فى السودان هو شأن داخلى خالص، وتحذر مصر فى هذا الخصوص من أى تدخل خارجى فى السودان أيًا كانت طبيعته أو مصدره، بما من شأنه أن يؤجج الصراع، وبحيث نتجنب جميعًا داخليًا فى السودان، وكذلك إقليميًا ودوليًا، معاناة تكرار التجارب المزعزعة للاستقرار والسلم والأمن التى مازالت قائمة فى دول أخرى فى المنطقة، داخل إفريقيا وخارجها. 4- الحفاظ على وحدة السودان: حيث تشدد مصر على وجوب الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة فى السودان وعدم تعريضها لخطر الانهيار أو الانفراط، بما يخرج عن الإطار التقليدى لأية دولة وطنية حديثة، وتشدد على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السودانية واستقلال وسيادة السودان، وهو الأمر الذى يمثل عمقا استراتيجيا للأمن القومى للمصري. 5- الحل السياسى للأزمة: حيث تؤكد مصر حتمية العودة إلى الحوار السياسى فى السودان، وأن تنتهى العمليات العسكرية فى أقرب وقت تجنبًا للانزلاق إلى وضع أمنى أكثر سوءا وأشد خطورة على السودان وشعبه ونلقى الضوء هنا على ضرورة أن تتسم أية عملية سياسية مستقبلية فى السودان بالشمول وكل الحرص فى تناول الملفات الشائكة والمتشابكة. وعلى المستوى الميدانى والإنساني، تتعاون مصر مع العديد من الدول لإتمام إخلاء الرعايا المصريين والأجانب المقيمين فى السودان، على الرغم من صعوبة وخطورة الوضع الأمني، ودعت المجتمع الدولى لضرورة التحرك لإنقاذ الأوضاع الإقتصادية والإنسانية والمعيشية المتدهورة للشعب السوداني، الناتجة عن النزاع الحالي. اتصالات مصرية مستمرة خلال الأيام الماضية كثفت الدولة المصرية من اتصالاتها مع أطراف الأزمة السودانية لاحتواء الأزمة ووقف التصعيد المسلح بين الجيش السودانى وعناصر الدعم السريع، كان أبرزها اتصالان هاتفيان لوزير الخارجية سامح شكرى مع رئيس مجلس السيادة السودانى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو. وأكد وزير الخارجية خلال اتصالاته مع الجانبين على قلق مصر البالغ نتيجة استمرار المواجهات العسكرية، وما أسفرت عنه من وقوع ضحايا أبرياء، وتعريض أمن واستقرار السودان لمخاطر بالغة، مناشداً بالوقف الفورى لإطلاق النار حفاظاً على مقدرات الشعب السودانى الشقيق ، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا. وأكد وزير الخارجية على ضرورة التزام جميع الأطراف بالهدنة لإتاحة الفرصة لعمليات الإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية لمستحقيها وتوفير الحماية للمدنيين، وأعاد وزير الخارجية التأكيد خلال الاتصال على موقف مصر الثابت الداعى لاحترام سيادة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل فى شئونه الداخلية، وأن كافة الاتصالات والجهود الدبلوماسية التى تضطلع بها مصر حالياً ترتكز على تلك المحددات، وتستهدف مساعدة السودان فى الخروج من محنته، وتوفير البيئة الملائمة لحل الخلافات من خلال الحوار. وسبق تلك الاتصالات زيارة من السفير دفع الله الحاج المبعوث الخاص لرئيس مجلس السيادة السودانى للقاهرة، حيث نقل رسالة شفهية من البرهان للرئيس عبد الفتاح السيسى حول تطورات الأوضاع فى السودان، وقال إنه سيتم ترتيب عملية سياسية شاملة بالسودان بعد نهاية الأزمة دون إقصاء أى كيان. ودعما لكل الجهود الرامية إلى دفع عملية التفاوض ووقف الاشتباكات فى السودان، رحبت مصر ببدء المحادثات الأولية بين ممثلين عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع فى جدة، مشيدة بجهود المملكة العربية السعودية الشقيقة والجهود الإقليمية والدولية التى أسهمت فى تشجيع الأطراف السودانية على بدء الحوار، وأعربت مصر عن تطلعها لأن تسفر المحادثات عن وقف شامل ودائم لإطلاق النار، يحفظ أرواح ومقدرات الشعب السودانى الشقيق، وييسر وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين. تنسيق مع دول الجوار وفى إطار الجهود الدبلوماسية التى تقودها مصر لتهدئة الاوضاع فى السودان، قام وزير الخارجية سامح شكري، هذا الأسبوع بجولة لدول جوار السودان للتنسيق مع تلك الدولة فى الأزمة الراهنة بالسودان، شملت تشادوجنوب السودان، حيث استهل وزير الخارجية جولته بزيارة تشاد، التقى خلالها الرئيس التشادى محمد إدريس ديبي، حيث سلمه رسالة من الرئيس السيسى تتناول فى شق منها سبل دعم وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وفى الشق الآخر التشاور والتنسيق بشأن التطورات الجارية فى السودان ودور تشاد ودول جوار السودان فى دعم جهود وقف إطلاق النار والتعامل مع الأزمة الإنسانية التى يواجهها الشعب السودانى الشقيق نتيجة الاقتتال الدائر. ولم تختلف مضمون تلك الزيارة وأهدافها، عن زيارة وزير الخارجية أيضا لجنوب السودان، التى التقى خلالها مع الرئيس سيلفاكير وكبار المسئولين فى جنوب السودان، وأكد وزير الخارجية على أهمية التنسيق مع دول جوار السودان، موضحا أن هناك علاقات خاصة تربط مصر وتشاد بالسودان وجنوب السودان، مشيرا إلى ضرورة الاعتماد على الآليات الأكثر معرفة بطبيعة الأمور فى السودان، والتى لديها القدرة على التأثير الإيجابى لاحتواء الأزمة فى السودان.