«الحوار هو الحل، والكلمة أقوى من السيف، والقرآن الكريم بدأ ب اقرأ، وسنظل نتحاور لإيقاف نزيف الدم، لنصل لكلمة سواء، فالخلاف فى رؤى، وليس خلافا بين أنصار الإسلام وأعدائه، نحن ضد الإرهاب وهذا لا يناقض الإسلام، فهو دين القول بالتى هى أحسن، لذلك ندين الإرهاب لأنه فعل وقول بالتى هى أسوأ، الدين لله والوطن للجميع، الحوار يجب أن يكون بالحروف لا بالكلاشينكوف» كانت هذه آخر كلمات الراحل فرج فودة إلا أن أصحاب التيارات المتطرفة كانت له بالمرصاد حيث تمكن شابان فى مثل هذا اليوم من عام 1992 من إطلاق النار عليه بعد عدد من فتاوى الجماعات المتطرفة التى أهدرت دمه. و لم يكن الثامن من يناير عام 1992، يوما عاديا بل كان الضوء الأخضر لإباحة دماء الدكتور فرج فودة، على أيدى التنظيمات التكفيرية المسلحة، عقب قيام منظريهم بإصدار فتوى بتكفيره وإباحة قتله إذ احتشد ما يقرب من 30 ألفا من الرجال والنساء والشباب فى مناظرة استمرت 3 ساعات متواصلة بمعرض الكتاب الدولى بالقاهرة، حشد لها أتباع تيار «الإسلام السياسى»، تحت عنوان «مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية». انقسم فيها المُحاضرون لفريقين، الأول ضم «أنصار الدولة الدينية»، وهم الشيخ محمد الغزالي، العضو السابق فى الإخوان، ومأمون الهضيبي، نائب مرشد الإخوان، والدكتور محمد عمارة، بينما الفريق الثانى ضم «أنصار الدولة المدنية»، وهم الدكتور محمد خلف الله (حزب التجمع)، والدكتور فرج فودة. 29عاما مضت على اغتيال رائد التنوير وشهيد الكلمة فرج فودة حيث اغتالته التنظيمات الإرهابية فى 8 يونيو 1992 بعدما نجح أصحاب العقول المظلمة والتكفريين فى اغتياله لكنهم لم يفلحوا فى إخفاء الحقيقة التى دفع حياته ثمنا من أجلها وهى استحالة قيام دولة دينية فى مصر حيث اخترق رصاص الإرهاب جسد الكاتب والمفكر فودة ليكتب نهاية حياته ويكتب فصلا جديدا فى كتاباته التى أبت أن تموت وتدفن معه. عاش فودة حياته مليئًا بالنشاط العلمى والعطاء الفكرى وحمل على عاتقه هموما كثيرة ، ولعب دورا مهما فى الحياة الإبداعية والفكر العربى المعاصر، وكرس كتاباته للدفاع عن حرية الفكر والتعبير والمعتقد ، وحرية الإبداع الثقافى والفنى، وأمن دائما بأن المستقبل هو للتنوير والعقلانية وللخلق والإبداع وليس لجيوش الردة والظلام والعودة إلى الوراء. كان فودة سابقا لعصره و كان يملك القدرة على قراءة واستشراف المستقبل ونبش جحور الجماعات الجهادية التى انتشرت فى التسعينيات، وهاجم سعيها للعمليات الإرهابية، تحت اسم «الجهاد فى سبيل الله والفريضة الغائبة»، وكتب عنها «الحقيقة الغائبة»، وهو الكتاب الذى ناقش فيه تطويع النصوص القرآنية، من أجل نشر فكر الجهاد، لاستغلالها فى أهدافهم السياسية. مناظراته كان ل«فودة» العديد من المواجهات والمناظرات، مع التيارات المتطرفة أبرزها مناظرة معرض القاهرة الدولى للكتاب فى 7 يناير1992 تحت عنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، حيث كان جانب أنصار الدولة المدنية مع الدكتور محمد أحمد خلف الله، بينما على الجانب المقابل كان فيها الشيخ محمد الغزالى، ومأمون الهضيبى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، ومحمد عمارة وحضر المناظرة نحو 20 ألف شخص. فيما كانت المناظرة الثانية فى نادى نقابة المهندسين بالإسكندرية يوم 27 يناير 1992 تحت عنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وشارك فرج فودة ضمن أنصار الدولة المدنية مع الدكتورفؤاد زكريا، بينما كانت جانب أنصار الدولة الدينية: محمد عمارة، محمد سليم العوا، وشارك فيها نحو 4000 شخص ولم يسلم أحد من نقد فودة حيث نشر فى عام 1990 كتاب «نكون أو لا نكون»، والذى ضم عدة مقالات، وأمر الأزهر بمصادرة الكتاب بعد طبعه، إذ تضمن نقدًا حادًّا لشيخ الأزهر جاد الحق، نتيجة لاتهامه المدافعين عن الدولة المدنية بالخارجين عن الإسلام، وهو ما عده فودة تجاوزا لدور الأزهر الرسمى، وقذفًا لفريق من خيار المسلمين المجتهدين. شاهد عيان للمناظرة طارق البشبيشى القيادى الإخوانى المنشق أحد شهود العيان للمناظرة الشهيرة فى عام1992 حيث أكد أنها لم تكن عادلة وسيطر على منصتها أصحاب التوجه المتأسلم ولم يسمحوا بأوقات متساوية للاتجاه الآخر مستقوين بغوغائية الحضوروهتافاتهم المعادية لفرج فودة والدكتور محمد خلف الله مؤكدا أنها كانت تحريضا وليست مناظرة وتحولت إلى تحريض صريح على إهدار دم فرج فودة، وشاهدت واستمعت بنفسى لمأمون الهضيبى وهو يتباهى ويفتخر بجرائم التنظيم الخاص السرى ويفتخر بمقتل النقراشى ويقول إن الدكتور فرج فودة يعيرنا بالتنظيم الخاص المسلح، ونحن نرد عليه الآن ونقول بأننا نفتخر ونتقرب إلى الله بعمليات التنظيم الخاص. وأضاف هيج عمارة والغزالى ومأمون الهضيبى الجماهير على فودة بعدما هزمهم بالحجة والمنطق مشيرا إلى أن فودة هو ضحية إرهاب جماعات التطرف والإرهاب وعلى رأسهم تنظيم الإخوان الذى جهز لاغتيال فودة بعد أن أصدر مفتى التنظيم فتوى بتكفير فرج فودة وإهدار دمه، بحجة ارتداده عن الدين، مشيرا إلى أننا نفتقد الآن لمثقفين فى شجاعة فرج فودة وقوة منطقه وتحديه للتطرف وجماعاته. وقال أحمد سلطان الباحث فى شئون الحركات المتطرفة ان اغتيال الدكتور فرج فودة يرجع بشكل أساسى إلى الانغلاق الحركى الذى يسيطر على التيارات القتالية والحركات الإرهابية بشكل عام، إذ أن هذه الجماعات لديها نوع من الإدراك الذاتى الذى يجعلها تنظر إلى نفسها كدولة موازية مكلفة تُحكم من قبل أمراء الجماعات وينقاد الأفراد بالتبعية لهم. وأضاف يمكن القول إنه بعد سنوات طويلة من اغتيال فرج فودة، مازالت الجماعات والحركات الإرهابية تُفكر بنفس الطريقة وتعمل على تصفية منتقديهم وذلك لجملة من الأسباب منها أن انغلاق العقل الحركى وعدم وجود ردود حقيقية على الأفكار المؤسسة والمغذية للعنف، وهو ما يزيد من احتمالية وخطورة تكرار حوادث شبيهة فى المستقبل.