لم يكن التاسع من يونيو عام 1992، يوما عاديا في تاريخ الحركة الفكرية المصرية، إذ شهدت هذه الحركة اغتيال واحد من أهم منظريها، لا لسبب إلا لأنه تجرأ وعرض أفكارا لا تروق للمتطرفين، وأصحاب العقول المتحجرة. التنظيمات الإرهابية المسلحة، ردت في هذا اليوم على فكر فرج فودة بطلقات الرصاص، فأردته قتيلا، تنفيذا لفتاوى أصدرها شيوخهم، المتأثرين بتشدد وتطرف فقهاء ومنظري جماعة الإخوان، الذين زرعوا أول بذور فتنة الإرهاب في التراب المصري. اغتيال فرج فودة للقضاء على فكره، جريمة لن تسقط بالتقادم أمام محكمة التاريخ، الذي كشف وسيكشف، الكثير والكثير من خطايا الفكر المتطرف، وداعميه ورجاله. المأساة بدأت بندوة فكرية حضرها الآلاف واستمرت نحو ثلاث ساعات، بمعرض الكتاب الدولي بالقاهرة، حملت عنوان: "مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية"، وحضرها الشيخ محمد الغزالي، العضو السابق في الإخوان، ومأمون الهضيبي، نائب مرشد الإخوان، والمتحدث باسم الجماعة حينها، والدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد خلف الله من حزب التجمع، والدكتور المفكر الكبير فرج فودة. وكان فرج فودة آخر المتحدثين في الندوة، حيث بادر بالرد على المشاركين، فانتقد التيار الإسلامي، معتبرا أنه منشغل بالوصول إلى الحكم، لكن دون أن يستعد لذلك، وإنما انغمس في سبيل تلك الغاية بسفك الدماء، وممارسة العنف. وقال فودة يومها: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، لكن المناظرة اليوم حول (الدولة الدينية)، فالإسلام الدين في أعلى عليين، أما الإسلام الدولة فهو كيان سياسي واقتصادي واجتماعي، يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم". وفي برنامج شهير على التلفزيون، آنذاك، خرج الشيخ الغزالي ليفتي بوضوح بأن "من يدعو للعلمانية مرتد يستوجب أن يطبق عليه حد الردة"، موجها كلامه تجاه فرج فودة الذي ألف كتابا يدعو فيه للعلمانية تحت مسمى "حوار حول العلمانية". في الأول من يونيو عام 1992، نشرت جريدة "النور" الموالية للتيار الإسلامي، بيانا ل"جبهة علماء الأزهر"، (ندوة علماء الأزهر وقتها)، برئاسة الدكتور عبد الغفار عزيز، ونائبه الدكتور محمود مزروعة، يكفر فرج فودة تكفيرا صريحا، بدعوى أنه مرتد. ويقول الباحث في شئون الحركات الإسلامية، عمرو فاروق، إنه في هذه اللحظة، بدأ السباق بين المرجعيات التكفيرية للجماعات المسلحة، لإطلاق فتاوى تكفير فرج فودة من على منابر المساجد، وفي مقدمتهم الأب الروحي للجماعة الإسلامية، الشيخ عمر عبدالرحمن، وكذلك وجدي غنيم، الذي قال: "قتله هو الحل". وأضاف أن عملية الاغتيال تمت بتكليف مباشر من صفوت عبد الغني، أحد قيادات الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، من داخل محبسه، والذي كان مسجونا بتهمة اغتيال رئيس مجلس الشعب، الدكتور رفعت المحجوب (أكتوبر 1990)، ونقل محاميه للقتلة التكليف وبدأ في تنفيذه. وتابع: "في السادسة من مساء 8 يونيو 1992، وأثناء خروج الدكتور فودة من مكتبه أمام الجمعية المصرية للتنوير، التي أسسها في مصر الجديدة، وفور مشاهدة قاتليه له أمطراه بالرصاص، مما أسفر عن إصابته وابنه أحمد، وصديقه وحيد رأفت زكي". وحملت سيارة الإسعاف الدكتور فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر "يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني"، وحاول جراح القلب الدكتور حمدي السيد إنقاذ حياته، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة، في صبيحة اليوم التالي 9 يونيو 1992، ونشرت الجماعة الإسلامية بيانا أعلنت فيه مسؤوليتها عن اغتياله، وأنها قتلته تطبيقا لفتوى علماء الأزهر! ورحبت جماعة الإخوان في اليوم التالي من خلال متحدثها الرسمي، مأمون الهضيبي، باغتيال فرج فودة عبر صفحات جريدة "الأخبار"، وإذاعة "صوت الكويت". ويؤكد فاروق أن دماء فرج فودة في رقبة الإخوان، الذين يعدون المسئولين الأوائل عن زراعة الفكر المتطرف في مصر، وتذكيته بالأتباع، داعيا إلى إعادة طرح قضية فرج فودة على الأجيال الجديدة، من أجل كشف فداحة جرائم الإخوان وأتباعها.