بصمات خالدة تضعها مصر فى عدد من القضايا العربية من خلال أدوار محورية أعادت إليها مفاتيح إعادة التوازن بمنطقة مثقلة بالأزمات والصراعات. دور إقليمى بدأت القاهرة باستعادته مؤخرًا، فى عودة محمودة منحتها دورًا مهمًا فى الملف الليبي، وأيضًا بالنسبة لفلسطين, حيث نجحت فى التهدئة بين إسرائيل وفلسطين. نجحت مصر فى قيادة جهود دولية مكثفة عبدت الطريق نحو هدنة بدأ سريانها فى غزة فجر الجمعة الماضي، عقب 11 يوما من التصعيد المتبادل، ودونت اسمها بحروف من ذهب فى واحدة من أسوأ الحروب التى شهدها القطاع وأكثر دموية. حققت مصر مكسبا دبلوماسيا أعادها إلى مقامها العربى التاريخى وواجبها تجاه أشقائها الفلسطينيين بإسعاف ضحايا القصف فى غزة، وتقديم المساعدات رغم أن الاقتصاد المصرى لم يكن أبدا اقتصاد تبرعات، ما يعنى أن المصريين اقتطعوا من غذائهم لمساعدة الفلسطينيين. نجاح يرى مراقبون أنه سيمنح القاهرة، بالأيام المقبلة، دورا كبيرا بغزة، فى ظل أيام مليئة بالأحداث تنتظر القطاع تحت دائرة ضوء عربى وأوروبى وأمريكى غير مسبوق، خصوصا فى ما يتعلق بالتوصل إلى تسوية قد تتجاوز القطاع. المفاوضات بدل السلاح إحداثيات متسارعة على وقع الهدنة فى غزة، ودور مصرى سرق الأضواء ونال اعترافا من قوى دولية عظمى ترجمها الاتصال الهاتفى الذى تلقاه الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي، الخميس، من نظيره الأمريكى جو بايدن. مكالمة أعرب من خلالها بايدن عن «تقديره وتثمينه» لجهود الرئيس المصرى الحثيثة مع جميع أطراف القضية، من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، بحسب بيان للرئاسة المصرية، وتحمل فى طياتها الكثير من الرسائل الإيجابية حول دور القاهرة إقليميًا. محللون يتوقعون أن يتجاوز الدور المصرى قيادة جهود التهدئة فى غزة إلى استبدال لغة السلاح والدمار ونشر الفقر والبؤس بسبب حركة حماس، إلى لغة المفاوضات والحوار. وسبق أن استضافت مصر اجتماعات للفصائل الفلسطينية، وبذلت جهودا مضنية لاستئناف مفاوضات السلام، سواء من خلال استضافة اجتماع لوزراء خارجية "مجموعة ميونيخ"، المعنية بدعم عملية السلام فى الشرق الأوسط (مصر والأردن وفرنسا وألمانيا)، أو طلب عقد اجتماعات عربية طارئة لدعم القضية الفلسطينية. وغداة إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة، أعلنت الرئاسة المصرية تقديم قافلة مساعدات مصرية إلى القطاع. وقال السفير بسام راضي، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة المصرية: إنه تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بدعم الأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة، قدمت مصر أضخم قافلة مساعدات للقطاع. وأضاف المتحدث باسم الرئاسة، فى بيان صحفي، أن القافلة عبارة عن 130 شاحنة عملاقة محملة ب2500 طن مواد غذائية، وأدوية، وألبان أطفال، وملابس، ومفروشات، وأجهزة كهربائية، وغيرها من المواد المتنوعة المقدمة من خلال صندوق تحيا مصر. ولم تقتصر جهود مصر لتسوية الأزمات الإقليمية على فلسطين، وإنما كانت لها بصمتها أيضا بالملف الليبي، وهى التى رسمت «الخط الأحمر» فى البلد الجار، واستضافت اجتماعات المسار الدستورى الليبى لمناقشة الترتيبات الدستورية المؤدية للانتخابات نهاية العام. اجتماعات على الأرض واتصالات ودعم لليبيين اقتصاديا وأمنيا عززت تموقع القاهرة فى ملف مثقل بالدماء والانقسام، وأسهمت فى كبح الأطماع الخارجية بالجارة الغنية بالنفط. وأشارت «يديعوت» أن الوساطة المصرية بذلت جهوداً كبيرة خلال الأيام الماضية لوقف التصعيد على الأراضى الفلسطينية، ورأت أن القاهرة بتلك الجهود تمكنت من جديد من تنصيب نفسها كنعصر «وساطة وحيد قادر» على جلب إسرائيل والأطراف الفلسطينية معاً على طاولة المفاوضات واحتواء التصاعد ووقف إطلاق النار بشكل متبادل وبدون شروط مسبقة حتى تلك المرحلة. وأشارت إلى مصر سعت جاهدة منذ بداية التصعيد لوقفه، وأجرت اتصالات شملت كبار المسئولين فى الجانبين، مؤكدة أن الجهود التى بذلتها الأجهزة الأمنية المصرية بالتنسيق مع الجانبين على الأرض أسهمت فى تلك النتيجة. وقالت الصيحفة: «إلى جانب هذا الإنجاز المصرى الأولى والمهم للغاية فى وقف إطلاق النار، فقد عادت مصر إلى دورها القيادى كلاعب إقليمى مهم وحقيقى ويحظى باعتراف الولاياتالمتحدة والأوروبيين». وأشارت إلى اتصال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالرئيس المصرى، عبدالفتاح السيسى، لتهنئته على نجاح جهود التهدئة، فى المقابل رأت أنه تمت تنحية الدور القطرى الذى اعبر فى السابق وسيطاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين.