تصعيد عملية "الجرف الصامد" الإسرائيلية وصل ذروة "حافة الهاوية" فجر اليوم الأحد، بعد تمكن فصائل المقاومة الفلسطينية من فرض معادلة جديدة على الأرض تسببت فى إلحاق خسائر مباشرة فى صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلى فى إطار عملية "العصف المأكول"، ما يستدعى تحركًا سريعًا إقليميًا ودوليًا يلجم آلة الحرب الإسرائيلية عن مواصلة عدوانها على الشعب الفلسطينى الذى يدفع فاتورة باهظة من دم أطفاله وشيوخه والمدنيين العزل فى قطاع غزة، سبقه تحرك دبلوماسى مصرى لحماية الشعب الفلسطينى ووقف عدوان قوات الاحتلال عليه من خلال "مبادرة وقف إطلاق النار" التى تمهد لمفاوضات غير مباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، والتى يليها تفعيل المصالحة الوطنية الفلسطينية. وعقب عملية كتائب "القسام" النوعية شرق مدينة غزة فجر اليوم، حيث استدرجت قوة إسرائيلية حاولت التقدم شرق حى التفاح إلى كمين، ما أدى إلى تدمير القوة الإسرائيلية المكونة من 14 جنديًا، قصفت مدفعية الاحتلال بشكل عنيف حى الشجاعية السكنى شرق مدينة غزة، ما تسبب فى سقوط عشرات الشهداء. وأدانت مصر والرئاسة الفلسطينية "المجزرة الجديدة" التى ارتكبتها إسرائيل اليوم فى حى الشجاعية، وقال الناطق بلسان الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يقوم باتصالات وجولات عربية ودولية لمطالبة المجتمع الدولى بالتدخل لوقف شلال الدم الفلسطينى. وجاء التصعيد فى غزة عشية وصول الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون إلى المنطقة فى جولة تستهدف وقف إطلاق النار فى غزة، وبعد مناكفات لحركة "حماس" ومناورات لتجنب المبادرة المصرية ومحاولة حشر لاعبين إقليميين يناصبون القاهرة العداء ومن ورائهم تنظيم "الإخوان المسلمين" الذى ثار عليه الشعب المصرى فى 30 يونيو، إلا أن مؤسسات الدولة المصرية لم تستدرج إلى مناورات تكمن وراءها مصالح ضيقة لتنظيم أو دولة تبحث عن دور ليست أهلاً له، مستغلة الحالة التى تمر بها المنطقة نتيجة ما عصف بها من "فوضى غير خلاقة" باتت تهدد وجود دول بالمنطقة وتفتح سيناريوهات "سايكس بيكو جديدة"، وواصلت مساعيها لحقن دماء الشعب الفلسطينى وتجنيبه ويلات عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلى. دبلوماسية العربى والأمم المتحدة ويمكن للأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربى "الدبلوماسى المخضرم" أن يلعب دور "العامل الحفاز" فى الاتصالات لإنجاز وقف سريع لإطلاق النار مع بان كى مون على أرضية المبادرة المصرية بدعم إقليمى من الجامعة العربية ودولى يمثله الأمين العام للأمم المتحدة، ليحفظ ماء وجه "حماس" كفصيل مقاوم وينزلها من على شجرة "العناد والمناكفات السياسية" التى تضر بالقضية الفلسطينية، وبحجم الدعم الدولى لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وحتى لا تذهب دماء شهداء فلسطين سدى، بل توظيف كل ذلك بما فيه مخالفة إسرائيل للقانون الدولى لتحسين شروط التهدئة فى نسختها الجديدة لتأتى مغايرة وقابلة للتثبيت، والتى تبذل القاهرة جهودًا جبارة من أجل تحقيق وقف فورى لإطلاق النار يمنع مواصلة العدوان ويحقن دماء الفلسطينيين. "العربى" أدان ما تعرض له حى الشجاعية فى غزة من عمليات قصف وهجوم برى إسرائيلى ووصفها بأنها "جريمة حرب" بحق المدنيين الفلسطينيين وتصعيد خطير للأوضاع ينذر بأفدح العواقب، ودعا "العربى" إلى الوقف الفورى للعملية الإسرائيلية على قطاع غزة وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين. وكانت وزارة الخارجية قد أدانت التصعيد الأخير فى العمليات العسكرية فى قطاع غزة وما خلَّفه فى حى الشجاعية من عشرات القتلى ومئات المصابين، وجددت التأكيد على وقوف مصر حكومة وشعبًا إلى جانب الشعب الفلسطينى فى هذه المرحلة الدقيقة. منحنى صاعد للتهدئة بغزة وترسم تفاهمات التهدئة مع قوات الاحتلال الإسرائيلى منحنى صاعدًا منذ إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلى حول قطاع غزة عام 2005، والذى ابتلعنا على إثره مصطلح "غزة المحررة"، وهو ما خفف "فاتورة الاحتلال" على إسرائيل وبيَّض وجهه القبيح أمام العالم، رغم حصار إسرائيل المطبِق على القطاع منذ 2007 برًّا وجوًّا وبحرًا، بل وما زاد الطين بلة أن تصور أطراف إقليمية وفلسطينية أيضًا تساوقت معها أن مصر وليس إسرائيل هى من تحاصر الفلسطينيين زورًا وبهتانًا، بل وحرَّف بوصلة الجهاد الذى انبرى له نفر من أتباعهم يزينونه لشباب الأمة أنه فى سوريا وليبيا ومصر واليمن وليس فى فلسطين بدعم حقوق الشعب الفلسطينى. وقبل العملية البرية على غزة سارعت القاهرة إلى التأكيد أن المبادرة التى قدمتها وزارة الخارجية لوقف إطلاق النار فى غزة تنص بشكل واضح على رفع الحصار الذى تفرضه إسرائيل على الشعب الفلسطينى كخطوة تالية لوقف إطلاق النار، وقالت وزارة الخارجية إن الفقرة الثالثة من المبادرة تنص على هذا الأمر بوضوح من خلال فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية. فى هذا السياق استغربت مصادر دبلوماسية مسئولة موقف "حماس" من المبادرة ورفضها لها، خاصة أنها سبق وقبلت التفاهمات ذاتها التى تمت فى عهد محمد مرسى فى 2012، وأضافت المصادر: تعمدنا أن تكون المبادرة نسخة طبق الأصل من السابقة، كما تصر قيادة "حماس" فى الخارج على إقحام مصر فى تفاصيل لا صلة لها بها، والحصول منها على ما لم تحصل عليه فى عهد "الإخوان المسلمين" وهم فى سدة الحكم. وبدأت مبادرة مصر التى رفضتها "حماس" مما انتهت إليه تفاهمات التهدئة فى 2012 والتى كانت قد نصت على: 1 وقف إطلاق الصواريخ من قِبَل حماس والفصائل الفصائل الفلسطينية. 2 وقف استهداف الجنود الإسرائيليين على الشريط الحدودى من قِبَل حماس والفصائل الفلسطينية. 3 حق إسرائيل فى المطاردة الساخنة فى حال تعرضت للهجوم أو كان لديها معلومات عن هجوم. 4 وقف دخول الأسلحة إلى قطاع غزة فورًا، وأى أسلحة جديدة تعد خرقًا للتهدئة. 5 أن يكون المستوى السياسى فى مصر (ممثلاً بالرئيس محمد مرسى) هو الضامن لهذه الاتفاقية وليس أجهزة الأمن المصرية، أى رعاية سياسية وليست أمنية. وكان أول تفاهمات التهدئة مطلع 2009 شفوية عقب العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وخلاصته "الهدوء مقابل الهدوء"، والتزم فيه الطرفان بعدم استهداف الآخر. وقال وزير الخارجية سامح شكرى: إن المبادرة المصرية هى المطروحة على الساحة حاليًا، وحازت على تأييد الجامعة العربية والمجتمع الدولى، إلى جانب 15 عضوًا فى مجلس الأمن. وأضاف أن الرئيس محمود عباس أعلن تأييده الكامل والمطلق للمبادرة التى تتضمن جميع العناصر لوقف العنف وحماية الأبرياء وحقن الدماء، بل أن أبو مازن بوصفه رئيس السلطة الوطنية هو من طلبها من القاهرة. وتؤكد مصر أن الترتيبات على منفذ رفح البرى تستلزم توافقًا فلسطينيًا حول من يدير الجانب الفلسطينى من المنفذ، الذى تحكمه تفاهمات 2005 بين إسرائيل والفلسطينيين برعاية أمريكية وإشراف أوروبى، أما الجانب المصرى فهو شأن سيادى مصرى خالص تحكمه التزامات مصر الإنسانية الدولية. وما يرشح حدوث تقدم قريب فى ملف التهدئة حسابات ميدانية وسياسية، أما الأولى: فالجيش الإسرائيلى قلل من إطلاق الصواريخ من غزة وأوقع خسائر بشرية بين الفلسطينيين يرضى جمهور المتطرفين وغلاة المستوطنين، وحماس وفصائل المقاومة عززت كبرياءها بعمليات نوعية أوقعت فجر اليوم 14 جنديًا دفعة واحدة وحازت نصرًا سياسيًا رغم فداحة الثمن على الجانب الفلسطينى، أما الحسابات السياسية فتتجمع لتتركز فى القاهرة جهود دولية وإقليمية داعمة لمبادرتها لوقف إطلاق النار. وما يعزز احتمالية التهدئة قريبًا ما صرح به وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى مقابلة مع شبكة CNN الإخبارية من أن الرئيس باراك أوباما سيطلب منه التوجه إلى الشرق الأوسط قريبًا لدعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس فى قطاع غزة.