قد يأنف بعض المعاصرين عندما يسمعون حب الصحابة للرسول مثل هذا، ونحن لا نجادله فى أنفته هذه؛ إنما عليه أن يعلم مدى حب هؤلاء الناس لسيد الخلق، وأن لا ينكر عليهم ذلك، وإذا كان الله سبحانه وتعالى لم يأذن له بعد فى أن يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا عليه إلا أن يسكت حتى يصل إلى قريب من ذلك الحب، لا أن ينكر على الصحابة أو علينا رواية هذه المفاتيح التى عندما افتقدناها ظهر شيطان الشر والإرهاب والتطرف والدم. إنها منظومة واحدة؛ إما الحب، وإما احتمال التعرض الجارف للكراهية. قال أنس بن مالك : كان النبى صلى الله عليه وسلم يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست فيه . قال: فجاء ذات يوم فنام على فراشها فأتيت فقيل لها هذا النبى صلى الله عليه وسلم نام فى بيتك على فراشك . قال: فجاءت وقد عرق واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدتها (الصندوق الصغير تجعل المرأة فيه المتاع النفيس) فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره فى قواريرها ففزع النبى صلى الله عليه وسلم فقال: «ما تصنعين يا أم سليم ؟». فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا . قال: «أصبت». [رواه مسلم] وعن أسماء بنت أبى بكر: «أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم، فدفع دمه إلى ابنى فشربه، فأتاه جبريل عليه السلام فأخبره، فقال: ما صنعت. قال: كرهت أن أصب دمك. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «لا تمسك النار، ومسح على رأسه، وقال: ويل للناس منك، وويل لك من الناس» [رواه الدارقطني] فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يفعل هذا لكنه لم يستفظع ما فعل كما هو مردود ذلك عند بعض المعاصرين مما يضطرهم إلى إنكار الحديث أو إلى السخرية من هذا الحب العميق. ووزع رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره المبارك الشريف حتى وصل إلينا فى عصرنا الحاضر، ولم يصل إلينا أثار نبى قط سوى النبى المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم. فإذا كان بعد ذلك لا تلين النفوس من هذا الكلام، ولا تبكى العيون عند ذكر حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فليس العيب عيبنا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.