إخراج ما فى جعبة الطفل من إبداع ليس بالأمر الهين.. أن تمس الكلمات الاحتياجات وتوجه السلوك وتعزز الموهبة وتدعمها وتنميها.. الأمر بحاجة إلى من هو أكثر حرفية من أخصائى التربية وأكثر عظمة من المعلم وأقرب من الصديق ورفيق اللعب.. الأمر بحاجة إلى أم.. أم تدرك احتياجات طفلها قبل أن تجرى على لسانه فيطلبها تدرك نقاط ضعفه وقوته وتعزز بداخله روح المغامرة تكتشف موهبته وتشجعها.. تصنع منه كيانًا مسئولًا حتى فى متعته ولهوه.. الأمر بحاجة إلى «ماما لبنى» أو السيدة نتيلة راشد التى نحتفى بذكرى ميلادها ال86. ارتبط اسم ماما لبنى فى الأذهان ليس فقط بعدد لا نهائى من كتب الأطفال التى اجتذبت الأجيال المتتالية ولكن أيضا بمجلة سمير التى أسهمت فى تأسيسها وترأست تحريرها لأكثر من ربع قرن فوضعتها بحق على رأس قائمة مجلات الأطفال فى العالم العربى ووضعت من خلالها إطارًا متميزًا لمجلة طفل تخاطب الطفل المصرى فى سياقات يرتبط بها وتمثله، لا ترمى به للمنقول من الثقافة الغربية، على زهوه وجاذبيته، ولكن تبتكر له من قلب ثقافته وتراثه ما يستهويه ويدفع به لاعتياد القراءة فحبها فالوقوع فى دهاليز إدمانها اللا نهائية. رسوم متحركة أبطالها «سميرة» و»دينا «و«تهتوهة»، مغامرات تقوم بها الفتيات وليس فقط الصبية، قصص من وعن مهرجانات فنية وتظاهر ضد الأسلحة النووية، مسابقات «لكل الأصدقاء فى مصر والوطن العربى» لعلوم التكنولوجيا والكتابة الصحفية، معلومات عن الفن والأدب والشعر وحكايات من التاريخ القريب كما البعيد. لم تلقن سمير، كما لم تلقن ماما لبنى فى حكاياتها التى عاشت معها أجيالًا متعاقبة قيما ومبادئ، إنها تحكى قصة الحياة وأبطالها وتترك للقارئ الصغير، وهى تثق فى ذكائه ولا تتعامل معه كونه ناقص العقل بل كونه متطور الإدراك والوعي، اختيار ما يستنبطه هو أو ما تستنبطه هى لأن الشخوص عندها من فتيات وصبية، من المدن والريف من هؤلاء الذين كان لهم حظ التعلم وهؤلاء الذين حالت ظروفهم دون التعليم. الابتسامة والقدرة على التعايش مع الصعاب وليس بالضرورة الانتصار البطولى عليها هى السمات الأساسية فى شخوص ماما لبنى، فهم مصريات ومصريون دون أن يكونوا مسلمين أو مسيحيين أو أغنياء أو فقراء هم فقط من بنات مصر وأبنائها. يعيشون ويتجولون فى مصر من القاهرة إلى الإسكندرية ومن الصعيد إلى رشيد، يتعرفون على بعضهم البعض عبر الصفحات المكتوبة بتفان وإلهام، والمرسومة بذكاء وخفة دم قبل أن يكون للأطفال فرصة اقتناء كتب مصقولة الورق ومتطورة الإخراج الفنى. ومع منى فى معسكر الجزيرة الخضراء وشريف فى تحيا الحياة، يتعرف قراء ماما لبنى الذين طالما لقبتهم دوما ب«أصدقائى وصديقاتى حبايب قلبى» على أنفسهم وهم يجوبون فى سياقات تتحدى المألوف والمفترض بالنسبة لهم دون أن تكون صادمة أو مخالفة لما يرتاح له المجتمع عرفا. فى قصص ماما لبنى ليس هناك من يحمل لواء المساواة، لكن المساواة هى أصل الحكاية وليس هناك من يتغنى بالخير ولكن الشر مهزوم وليس هناك من هو كامل ومثالى ولكن هناك دوما من يسعى لأن يكون أفضل وألطف وأكثر قدرة على التكييف مع الحياة. الحياة فى قصص ماما لبنى ليست حلما ورديا بل هى تجربة نعيشها بما تجلبه لنا من اختبارات نجتاز بعضها ونخفق فى البعض الآخر دون أن نفقد الرغبة فى المضى قدما. كان لمجلات الكاريكتر والرسوم أثر بارز فى وجدان وعقل كثير من الأجيال، وتتربع على عرش هذه النوعية من المجلات مجلة سمير والتى صدر مواز لها عدة مجلات؛ منها مجلة ماجد ومجلة ميكي. وقد حدثت أزمة بين السيدة نتيلة راشد وبين الفنانة لبنى عبد العزيز على إثر كتابة اسم ماما لبنى فى مجلة سمير، حيث كانت الفنانة لبنى عبد العزيز تعتقد بأن اسمها يستخدم فى المجلة دون علمها، حتى علمت بعد ذلك أن اسم ماما لبنى يطلق على نتيلة راشد. مجلة سمير تعتبر هى رائدة فن المجلات المصورة فى العالم العربى ولو أنه قد سبقها فى الإصدار بعض المجلات الأخرى ولكن كان لهذه المجلة وقع خاص على جميع الأطفال من معاصرى ذلك العصر وقد صدر العدد الاول من مجلة سمير فى 15 أبريل 1956 الموافق 4 رمضان 1375 عن دار الهلال المصرية وكانت تتكون من 16 صفحة كاملة بالألوان وكانت المجلة بالقطع الكبير الحجم وكان سعر النسخة هو قرشان صاغ وكانت تتولى رئاسة التحرير السيدة نادية نشأت.. وكانت شخصيتى سمير وتهته هى من ابتكار الفنان الفرنسى برنى والذى كان يقوم برسم الأغلفة تقريباً لنهاية السنة الأولى وكانت مغامرات سمير وتهته تنشر تحت اسم «سمير الحويط وتهته العبيط» وكانت رسوم الفنان برنى رائعة فى الألوان والفكاهة. احتوى العدد الأول على مغامرات باسل الكشاف الشجاع وكانت المغامرة الأولى بالعنوان «مغامرات باسل» وكانت بريشة الفنان الأرمنى هارون «اسمه الأصلى هيرانت» وهو أفضل من رسم شخصية باسل حيث توالى على رسم هذه الشخصية ريشة أكثر من فنان. واحتوى أيضاً العدد الأول على شخصية أخرى شهيرة بشكلها ومظهرها وهى «بعجر السخيف» والتى كانت من رسوم الفنان برنى أيضاً وكانت عبارة عن شخصية كاريكاتورية تشبة شخصية سمير فى الشكل نوعًا ما ولكن بصورة شريرة. فى العدد الثالث ظهرت لأول مرة شخصية معروفة للجميع وهى ميكى ماوس وكانت شخصيات والت ديزنى تظهر من وقت إلى آخر فى قصة من صفحة واحدة فى مجلة سمير, واستمر هذا الحال لفترة من الوقت وحتى صدور مجلة ميكى واستقلالها بشخصياتها عام 1958 «فى أعداد دورية كسمير يقدم ميكى ثم بانتظام شهرياً فى يناير 1959. منذ العامين صرح الإعلامى والروائى عصام يوسف، أنه ورث عن والديه الكاتب عبد التواب يوسف، والكاتبة ماما لبنى، إحدى مؤسسات مجلة سمير، مكتبة كبيرة تضم نصف مليون كتاب واستقر رأيهم على تحويلها إلى مكتبة عامة.