يحتاج إعلام المنظمات الإرهابية إلى وقفة مطولة، بل دراسة معمقة للدخول إلى تفاصيله وطرق عمله وانتشاره بالإضافة إلى ردود الفعل على المتلقى له، باعتبار الإعلام الإرهابى أحد أهم وسائل الترهيب والترويج للأفكار المظلمة والإبقاء عليها بغية نشر التوتر والحفاظ على التابعين واستقطاب أعداد جديدة. والإعلام الإرهابى ليس بجديد، بل بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضى بواسطة المنشورات الورقية والكتيبات وأشرطة الكاسيت والفيديو، والتى كانت تركز على الخطب الدينية التحريضية كون الفضاء كان لا يزال مقفلا أمام الجماعات الإرهابية لاستغلال الإذاعة والتليفزيون، وكانت المواجهة تتم من خلال مصادرة هذه الأدوات وملاحقة من يقوم بتسجيلها أو طباعتها والترويج لها، ورغم التضييق الكبير إلا أنها استطاعت نوعًا ما تحقيق النتائج المرجوة منها، فظهرت أولى المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة مع استغلال الجهاد المقدس للدفاع عن المسلمين، وكان لجماعة الإخوان المسلمين وبعض الجماعات الأخرى الدور الأساسى بعمليات الانتشار والترويج هذه. ومع التطورات المتسارعة بالتقنيات الحديثة ووسائل التواصل والوسائل والوسائط الإعلامية باتت المهمة أسهل بكثير عن قبل، فظهرت فى البدء قناة الجزيرة التى روجت بطرق مباشرة وغير مباشرة للفكر الإخوانى والإرهابي، فكانت صرحًا لقادة الإخوان وحماس وروجت لجماعة طالبان الإرهابية، إلى أن تحول المشهد بالكامل بعد العام 2011، فبات التحرك الإعلامى للمنظمات الإرهابية علنيًا غير مستتر ولو بورقة توت، فانكشف الوجه الحقيقى لقناة الجزيرة وظهر معها العديد من القنوات كالشرق ومكملين وغيرها، والتى تروج لفكر جماعة الإخوان بشكل تحريضى مع المحافظة على استغلال الدين الإسلامى وتعاليمه عبر تحوير وتأليف التفاسير والأحاديث خدمة لمصالح الجماعة ليس فى مصر فقط بل فى معظم دول المنطقة. وفى التمعن بشخصية الإعلاميين الذين يظهرون على الشاشات المشبوهة، نجد أن أى إعلامى يحترم مهنته بشكل فعلى لا يستطيع القيام بالمهام التى يقومون بها، فلا الحيادية ولا الدقة ولا الصدق صفات موجودة لديهم، بل يقومون بوظيفتهم بدقة من خلال مخطط مرسوم بدقة وليس بشكل عشوائى للوصول إلى الهدف المنشود، وعلى سبيل المثال لا الحصر يقومون بنشر الشائعات والترويج لها على أعلى مستوى مع استقدام ضيوف يخدمون الشائعة داخل الاستديو وخارجه، مستغلين نقاط ضعف طبيعية، فى نفس الوقت يتطرقون إلى البدائل المعاكسة فى مناطق أخرى كتركيا وقطر على سبيل المثال، بتزوير واضح للحقائق، أى لتقديم الأفكار الأردوغانية أو حكمه وحكم الإخوان كبديل طبيعى. على سبيل المثال التدخل التركى فى سوريا، فالقنوات الدائرة فى فلك الإخوان تروج لهذا التدخل على أنه لإنقاذ الشعب السورى من العمليات العسكرية الدائرة فى منطقة شمال سوريا، وتروج لهذا التدخل وتدعمه على أوسع نطاق، بينما الحقيقة الدامغة بأن هذا التدخل ليس إلا تنفيذًا للأطماع التركية فى سوريا وهى أطماع تاريخية وكل الأمر بأن أردوغان تحين الوقت الملائم للقيام بخطوته، وبنفس الوقت تقدم هذه القنوات المجموعات الإرهابية المنتشرة فى المنطقة والتابعة لتركيا بأنها مجموعات معارضة مع نفيها الكامل بأنها مجموعات إرهابية بكل معنى الكلمة وتابعة للإخوان والقاعدة وداعش والنصرة وغيرها من أذرع زرعتها الخلايا الإخوانية خلال السنوات الماضية. وعن مواجهة هذه القنوات فإن الأمر دقيق جدا، ويستلزم الكثير من العمل والجهد، من خلال المتابعة المتواصلة لتفنيد الأكاذيب وملاحقتها وتقديم الحقيقة بشكل علمى وواضح يتلاءم مع شخصيات المتلقين المختلفة، فجميع الفئات المجتمعية تتابع هذه القنوات المشبوهة والكثير منهم يقع فى الفخ ويردد الأكاذيب بل ويتم الاقتناع بها أحيانا ليتم الترويج لها من قبلهم. الأمر الآخر الذى يجب التوقف عنده أيضا، هو المواقع الإلكترونية المشبوهة والسموم التى تقوم ببثها، خصوصا أن حجبها كوسيلة لمنعها بات أمرًا غير مجد مع وجود العديد من الطرق للتحايل على الحجب والمنع، وبالتالى فإن المواجهة تكون تقديم الحجة بالحجة والأكاذيب بالحقائق على أوسع نطاق. الأخطر مما سبق هو الخلايا الإعلامية الإرهابية النائمة، وهم مجموعة كبيرة من الإعلاميين والصحافيين الذين لا يزالون يحاولون تمرير أفكارهم المسمومة من خلال الوسائل الإعلامية التى يعملون بها بطرق غير مباشرة، كتوظيف جملة فى مقال أو خبر أو بطريقة الصياغة أو حتى بسؤال لأحد الضيوف أو تمرير فكرة تبدو بأنها عادية لكنها تصب بمصلحة الطرف الآخر، فالولاء مثلًا للنظام القطرى أو التركى كاف جدا للقيام بهذه الأمور، وهناك العديد من هؤلاء لا يزالون يعملون فى العديد من الوسائل الإعلامية تحت شعار بأنه محايد أو باحث عن الحقيقة أو أنه معارض وليس إخوانيًا أو أى من الأكاذيب التى يختبئون وراءها. وكل ما سبق لا ينطبق على بلد بعينه أو جنسية محددة، بل أصبح الأمر شائعًا فى دول المنطقة دون أى استثناء وحتى فى الدول التى لا تشهد ظهورا مكثفا لجماعة الإخوان الإرهابية، فيقوم هؤلاء باستغلال المنابر التى يعملون بها ليتم تناقل ما يكتبونه أو يقولونه لتنتشر على أوسع نطاق. المقال القادم سيخصص للقسم الآخر من الإعلام الإرهابى وهو إعلام مواقع التواصل الاجتماعي التى لا يقل خطورة عن الوسائل العادية بل ربما يعتبر أخطر بأشواط بسبب ما حققه خلال الفترة الماضية على جميع الأصعدة.