القاهرة الخديوية قطعة فنية معمارية، دائما مثيرة للانتباه ومحط أنظار العالم لما لها من تنسيق وروعة في البناء، أصبحت تلك المنطقة مثار جدل مفاجئ نتيجة عمليات البيع التي تتم لعقاراتها التي تعتبر ثروة قومية تخص القاهرة وحدها، لصالح شركة الاسماعيلية التي انبثقت من شركة سمايا هيلز الإنجليزية، وتتم عمليات بيع العقارات في هدوء كبير، مع عدم إعلان الشركة عن جميع عمليات الشراء، وكانت منطقة القاهرة الخديوية قد شهدت حرائق ضارية ضربت عقاراتها أثناء إعادة ترميمها من جانب فرع ترميم القصور بشركة المقاولون العرب، بحسب ما تم تكليفها به لإعادة القاهرة الخديوية لرونقها. وبحسب ما أثارته شركة الإسماعيلية من شكوك عن هدف عملية الشراء ولماذا تلك العقارات بالتحديد ومن هم المستثمرون، مع سرية عملية البيع، خاصة وأن العقارات التي تم بيعها ذات تاريخ ولها مدلول ثقافي وتجمع فئات مختلفة من ذوي الثقافات المتنوعة، تسابقت الجهات المعنية لمعرفة ملابسات عملية الشراء. ولعل المثير أن يكون مقر الشركة في أحد العقارات التي تم شراؤها في 20 شارع عدلي المواجه للمعبد اليهودي المعروف بمعبد عدلي أو معبد شعار هشمايم أو كما أطلق عليه في بداية بنائه بمعبد الاسماعيلية. وبحسب المصادر في محافظة القاهرة اشترت الشركة العقارين 11 و11 مكرر شارع محمود بسيوني اللذين آلت ملكيتهما إلي شركة الشرق للتأمين، حيث أن هناك تسجيل رقم 8767 بمحكمة مصر المختلطة الموقع أول ديسمبر 1945 حول أصلية الملكية للعقار، حيث باعه توماس وستون مابلن فورسيث بريطاني الجنسية إلي إلياس مرشاق، الذي حصل بموجب الحكم في الدعوي رقم 5436 لسنة 1977 مدني كلي جنوبالقاهرة بإلغاء ملكية الشرق للتأمين للعقارين، وتم شراؤهما من وكيل الورثة مباشرة. وبحسب سجلات محافظة القاهرة قامت شركة الإسماعيلية بشراء العقارات 16أ شارع عدلي وهو مكلف باسم محمد بك صبحي الشوربجي وورثة عائلة الشوربجي، و18أ شارع عدلي المكلف باسم شركة التأمين العمومية علي حياة الرجال، و17 شارع جواد حسني المكلف باسم ورثة اسماعيل صبري وحسين خليل، أما 36 شارع عبد الخالق ثروت فمكلف باسم حكمت عبد النور وورثة متي مرقص. وبحسب الشركة قامت بشراء العقارات أرقام 29 شارع هدي شعراوي و11 و11 مكرر شارع محمود بسيوني والذي يحمل رقم و160 و165 شارع محمد فريد و16 و20 شارع عدلي و36 و22 شارع عبد الخالق ثروت، كما اشترت قبيل الثورة عمارة 33 شارع شريف و24 شارع عدلي، كما تم شراء قطعتي أرض بشارع النبراوي وأخري بشارع جواد حسني لإنشاء مقر خدمات لباقي العقارات بحيث يتوسطها، ويكون الاستخدام الأساسي لها جراجات بحسب مواصفات محافظة القاهرة، فتتراوح مساحات الأراضي بين 300متر و1400 متر مربع. المهندس ميشيل جرجس رئيس التشغيل والصيانة بشركة الاسماعيلية للاستثمار العقاري والمسئول عن إجراءات ما بعد الشراء يقول إن الشركة تأسست في أوائل عام 2008 من مجموعة من محبي عقارات وسط العاصمة والعقارات المتميزة بالإضافة إلي عدد من المحبين للتراث من المساهمين ضمت علاء سبع وسميح ساويرس وشركة أموال الخليج ومستثمر سعودي، برأسمال قدره 100 مليون جنيه، والشركة مملوكة لشركة سمايا هيلز الإنجليزية برأسمال قدره 300 مليون جنيه، مبررا عدم إنشاء الشركة في مصر لبساطة إجراءات تكوين الشركات في لندن. ويضيف ميشيل نشتري العقارات ذات الطابع المميز ونزيل اللافتات وكل ما يشوه الشكل التاريخي وصيانة تلك العقارات وإعادتها لما كانت عليه، أما ما يتعلق باستثمار هذه العقارات فيتم بأسلوب إداري يتناسب والقيمة التاريخية لها من خلال تعظيم قيمتها المعمارية بما ينعكس علي قيمتها السوقية بالاهتمام بصيانتها والحفاظ عليها كثروة تاريخية متمثلة في عقارات، يتم تأجيرها بالقيمة السوقية الحالية وليست القيمة التي تم التأجير بها وقت الإنشاء. ويوضح جرجس أن تسجيل العقارات يتم بشكل مباشر دون استخدام أسماء وهمية والقانون يفصل في النزاع بين المستأجرين والشركة كمالك للعقار، والتراضي بين الطرفين هو الأساس لطول مدة التقاضي، حيث نتبع نصوص القانون في التعامل مع المستأجرين فمن لديه سند قانوني لاستئجاره الوحدة السكنية أو المحل التجاري نطبق عليه القانون، أما العقود المبرمة من سنوات طويلة للمستأجرين أصحاب الحق في امتداد الإيجار فلا يمكن إجباره علي شيء. وينوه إلي أن 80% من الوحدات السكنية والمحلات في العقارات التي تم شراؤها خالية تماما، والنسبة المتبقية يطبق عليها نصوص القانون بحسب شرعية تواجدهم أولا ثم إعادة النظر في بنود العقود بما نص عليه قانون الإيجارات خاصة بما تنازع عليه الملاك القدامي والمستأجرين بالتوصل لحل وسط بالتراضي مع المستأجرين بعيدا عن ساحات القضاء ، حيث لا توجد لدي الشركة أية بنود أو عقود ثابتة للتعامل مع مستأجري الوحدات سوي تعديل الواجب تعديله دون التدخل في العقود التي لا ينطبق عليها القانون، فيما ستتم إعادة النظر والتخطيط للوحدات التي تم تغيير أنشطتها فيطبق فيها قرار محافظ القاهرة في هذا الشأن. ولكن إلي أين تذهب شركة الاسماعيلية بعقارات وسط البلد يقول جرجس نعمل علي امتلاك مليون متر مربع من العقارات في وسط البلد باتجاه رأسي، ونتمني أن نكون أصحاب دور في تطوير جزء مهم من التاريخ. وعلي حد قوله لا تفكر الشركة في إعادة البيع لآخرين سواء كانوا أفرادًا أو شركات، حيث إن الاستثمار في هذه العقارات لم يكن يحتاج لشيء سوي إدارة لاستثمار هذه العقارات. ووسط المخاوف التي ساورت الشارع يحسمها رئيس حي عابدين اللواء خليل غازي، والذي تقع العقارات بنطاقه، بقوله لا شأن لنا بعمليات البيع او الشراء لأي عقارات ولا يمكن غل يد البائع عن التصرف في أملاكه ولا داعي لتلك المخاوف حيث إن القانون 144 لسنة 2006 يحمي العقارات من الإتلاف أو الهدم أو التعديل ثم جاء قانون التنسيق الحضاري، أما عملية البيع أو الشراء فينظمها قانون ودستور البيع والشراء، ولن تمنح المحافظة أية تراخيص لإجراء أي تعديل أو هدم مع إلزام من يقوم بالصيانة بعدم تعديل أي رسومات أو تصميمات تغير من شكل الواجهات. علي الجانب القومي استجمعت الشركة القابضة للتأمين قواها بإنشاء شركة وطنية هي شركة مصر لإدارة الأصول العقارية لمواجهة محاولات السيطرة علي عقارات القاهرة الخديوية والتي تعمل علي حد تعبير رئيس مجلس إدارة الشركة د.جمال السعيد في ظروف صعبة، حيث انخفاض موارد العقارات المملوكة للشركة والعمل في إطار الحفاظ علي ثروة قومية وأن تلك العقارات هي ملك لمصر وليست للشركة. ويضيف السعيد أن الشركة دخلت معركة قانونية من أجل استعادة العقارين 11و11 مكرر بشارع محمود بسيوني من ملاكها الأصليين اليهود بعد حصولهم علي حكم باستعادة تلك العقارات التي كانت تقع تحت الحراسة لصالح شركة الشرق للتأمين قبل دمجها، وبالمقارنة تعمل الشركة علي الحفاظ علي العقارات وصيانتها وإعادة النظر في الوحدات السكنية داخل تلك العقارات بحيث يتم الاحتفاظ بالعقارات التي تضم أكبر عدد من الوحدات المملوكة للشركة وبيع الوحدات السكنية الأقل في العقارات المملوكة، فيما تتجه الشركة لشراء قطع أراض واستغلال المملوك لها بوسط العاصمة وإنشاء مشروعات لها صفة القومية والمساهمة في حل مشكلات العاصمة. وصرح السعيد بأن الشركة انتهجت أسلوبا جديدا لتعظيم القيمة العقارية بما يتماشي والقيمة السوقية بإعادة تصنيف عقارات لا ينطبق عليها شروط العقارات المتميزة بما جعلها غير قابلة للتعامل عليها، بلغت 38 عقارًا من بين 184 تنتشر في 3 محافظات هي القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، ستتقدم الشركة بمشروع لإعادة النظر فيها للتنسيق الحضاري لاستثنائها، فضلا عن أن بعض هذه العقارات يتبعها مساحات كبيرة من الأراضي تم وقف التعامل عليها لتبعيتها للعقارات التي تم إدراجها ضمن العقارات المتميزة. ويشير رئيس الشركة إلي أن معظم الدول التي تحتفظ بعقارات ذات طابع خاص أو متميز تستغلها أفضل استغلال بتحديثها من الداخل بما يتناسب وروح العصر لتعظيم قيمتها السوقية والحفاظ علي رونقها الخارجي بدلا من تحويلها إلي هيكل معماري دون الاستفادة من روعته، حيث يتم تحديث المواقع وتعديل ما بداخله وإعادة استغلاله استغلال أمثل بما ينعكس علي تعظيم القيمة العقارية للمبني. والقاهرة الخديوية كما يحدد السعيد، هي عبارة عن منطقة علي شكل مثلث رأسه ميدان التحرير، وأضلاعه ميدانا الأوبرا ورمسيس، وما يتفرع منهما من شوارع، وتحتوي علي 421 عمارة تعود إلي النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين، تشكل في مجملها وطرزها المعمارية ما يسمي بالقاهرة الخديوية التي تهددها القاهرة الأسمنتية بأبراجها الشاهقة التي تتواري خلفها واجهات رائعة صممها ونفذها فنانو عصر النهضة الأوروبية. ويشير إلي أن هذه المباني من تصميم أعظم المهندسين المعماريين الفرنسيين و الاوروبيين أمثال لاشياك الفرنسي مصمم البنايات الخديوية بشارع "عماد الدين" وقصر الأمير "سعيد حليم" بشارع "شامبليون"، والمهندس كاستامان مصمم بناية شهيرة بميدان "طلعت حرب" تضم مطعم ومقهي "جروبي" الشهير، كما تضم النادي اليوناني بالقاهرة، ومارسيل مصمم النادي الدبلوماسي، وماتاسك مصمم المعبد اليهودي شعار هاشمايم بشارع عدلي، وماريو روسي مصمم جامع عمر مكرم بميدان التحرير، ومن المعماريين المصريين المهندس مصطفي فهمي مصمم مبني جمعية المهندسين بشارع رمسيس، وأبو بكر خيرت مصمم مبني الخطوط الجوية الفرنسية المجاور لمبني جروبي، فضلا عن سيد كريم ومحمد شريف نعمان، وعلي لبيب جبر وغيرهم من فناني العمارة المصرية الحديثة. ويحدد رئيس الشركة العقارات ذات الملكية القومية والتي تسعي الشركة الحفاظ عليها في مواجهة محاولات السيطرة وامتلاك عقارات أنها تتركز في ميدان طلعت حرب وميدان عرابي، وشارع 26 يوليو، وشارع الألفي، وشارع شريف، وشارع سليمان الحلبي، وميدان مصطفي كامل، وشارع جواد حسني، بالإضافة إلي عقارات بشوارع متفرقة بوسط العاصمة. وهي العقارات 6و8 ميدان طلعت حرب، 7 و14 و20 و21 و39 و41 و42 و44 شارع طلعت حرب، 3 و6و14 ميدان عرابي (عماره شل)، 12 شارع عرابي، 7 و30 و33 شارع 26 يوليو، 8 و10شارع الألفي (عمارات داود عدس)، 15 و15أ و30 و40 شارع شريف، 6 و8 شارع سليمان الحلبي، 3 و4 ميدان مصطفي كامل، 14 و23 شارع جواد حسني، ممر بهلر، 2 شارع معروف، 2 ميدان الاوبرا و11 ميدان التحرير، 13 شارع عدلي، 14 شارع الدرمللي، 14 شارع الأزبكية، 19 شارع مريت، 21 شارع محمود بسيوني (عمارة جروبي)، 32 شارع صبري أبو علم، 55 شارع الجمهورية. وعن تاريخ هذه العقارات فقد أشار المرجع التاريخي الذي أهدته د.سهير حواس لمحافظة القاهرة إلي أن العقار 16 شارع عدلي والمسمي "بعمارات الشوربجي" تم بناؤه عام 1911 علي يد المعماري وليامز علي مساحة 1985 مترًا بارتفاع 7 طوابق ويتميز المبني ب8 أبراج تعلو أركان المبني، أما العقار 36 شارع عبد الخالق ثروت والواقع علي مساحة 890 مترًا مربعًا بارتفاع 8 طوابق أنشيء بعد عام 1928 بطراز نيو باروك فرنسي وآرت ديكو، كما كشفت أن العقار به بسطات وبلكونات رخام "كرارة" هي الوحيدة في العالم وهي قطعة واحدة محمولة علي كابولي كما يتميز بها العقار 11 محمود بسيوني، الذي تم بناؤه منتصف العشرينيات من القرن ال20 علي مساحة 2365 مترًا مربعًا ب4 طوابق وطرازها كلاسيكي مرتبط بعصر النهضة. الواقع فيه "كافيه ريش" فيعود بناؤه إلي ما بين عامي 1913 و1928 وترتبط ملامح العمارة فيه بالعمارة الغوطية. ويشير إلي أن 21 شارع محمود بسيوني "جروبي" فتم بناؤه علي مساحة 1445 مترًا مربعًا عام 1924 بيد المعماري كاستامان بارتفاع 6 أدوار طراز كلاسيكي وآرت ديكو، ومن عمارة مدينة البندقية يأتي 3 ميدان مصطفي كامل فهو الأقدم منذ عام 1897 بارتفاع 3 طوابق علي مساحة 910 متر مربع، وكذلك رقم 4 ميدان مصطفي كامل فتم بناؤه ما بين عامي 1906و1911 بارتفاع 4 طوابق ويجمع بين طراز نيوباروك والكلاسيك المتطور، أما 21 طلعت حرب "ممر بهلر" سابقا فيعود بناؤه لعام 1934 علي مساحة 5345 مترًا في 9 طوابق للمعماري الفرنسي ليو نافيليان، 6و8 ميدان طلعت حرب فتم بناؤه عام 1913 علي مساحة 1155 مترًا مربعًا، و19 شارع ميريت فتم بناؤه في العشرينيات من القرن ال20 علي مساحة 620 مترًا مربعًا في 5 طوابق بطراز آرت ديكو، ولعل العقار 59 شارع رمسيس أوضح المشاهد علي القاهرة الخديوية والتي تمتلكها شركة مصر لإدارة الأصول العقارية والذي تم بناؤه بنهاية العشرينيات علي مساحة 1835 مترًا مربعًا من طراز النيوباروك مع استخدام أشكال تعبيرية مثل رءوس أبي الهول.