في محاولة لوضع حجر الاساس لرؤية مشتركة تتعلق بالثوابت الثقافية، اجتمع عدد من المثقفين المستقلين، علي البحث عن سبل مختلفة لتحقيق مستقبل مضيء للوطن بشكل عام والثقافة خاصة، وفي هذا الإطار تم الاعلان عن مبادرة تأسيس "دستور ثقافي" شارك في كتابته كل من الفنان عز الدين نجيب والمخرج المسرحي أحمد إسماعيل والقاص حمدي الجزار والشاعر رفعت سلام. من جانبه نبه الفنان والناقد التشكيلي عز الدين نجيب إلي حقيقة أن تلك المبادرة لا تمثل فرداً أو تياراً ثقافياً، كما أنها لا تعد وصاية علي المثقفين، إنما تعد دعوة مفتوحة للتلاقي والحوار، والوصول إلي صيغة نهائية أقرب ما تكون إلي ميثاق شرف، تجعل المثقفين يمارسون علي أنفسهم رقابة ذاتية بعيداً عن ممارسات السلطة. أما فيما يخص آليات إقرار هذه الوثيقة وآلية تنفيذها، فيؤكد عز الدين أنه سيتم طرحها من خلال موقع إلكتروني خاص بها يجري تأسيسه حالياً الي جانب موقع "الفيس بوك" وعبر البريد الإلكتروني، للوصول بها إلي أكبر عدد ممكن من المثقفين والعامة المعنية بهذه القضية، وبعد تلقي الآراء والاقتراحات سيقومون بإقرارها في شكلها النهائي، ومن ثم جمع توقيعات المثقفين عليها لإعلانها بشكل رسمي، والتوجه بها إلي المؤسسات الرسمية سواء كانت ثقافية أو إعلامية أو عسكرية لإعلام تلك الجهات بمطالبنا. يبحث "الدستور الثقافي" المقترح عن حرية الثقافة والإبداع، والتخلص من القمع والوصاية التي شهدتها الحياة الثقافية علي مدار الثلاثين عاما الماضية، وفي ضوء ذلك صعود تيارات سياسية وفكرية تتبني أطروحات "ظلامية" قمعية مضادة لحرية الثقافة والعقل بل الإنسان ككل. ويعد محاولة للحفاظ علي أهداف الثورة في بعدها الثقافي ومواجهة ما تراكم في السنوات السابقة من تقاليد فاسدة، كما يفتح آفاقًا كانت موصدة، ليعيد صياغة حركة الثقافة والمثقفين من جديد، بعد أن اختلط الحابل بالنابل في المفاهيم والأفكار والممارسات الثقافية. ويتكون هذا الدستور من أربعة أبواب، الباب الأول يضم مجموعة من البنود حملت كل ما يتعلق بالهوية المصرية، تلك الهوية المركبة متعددة الأبعاد والوجوه والطبقات، بما تتصف به من تداخل فهي ليست أحادية أو مسطحة، والحضارات المصرية ومكتسبات الثقافات العالمية التي ترسخت في صميم الثقافة الوطنية هي المكونات الأساسية للهوية المصرية، فيما تمتلك "العربية- الإسلامية" مكانة خاصة في قلب الهوية، وهي هوية منفتحة علي التفاعل الذاتي بين مكوناتها العميقة والتفاعل مع الآخر بلا انغلاق عنصري ولا تبعية متخاذلة. وشدد أحد بنود هذا الباب علي أنه لا يمكن تاريخيا أو إنسانيا لأغراض سياسية أو عقائدية اختصار "الهوية" المصرية في أحد أبعادها أو مكوناتها وإلغاء أو تهميش بقية الأبعاد والمكونات كما لا يمكن افقارها أو تقليصها بالإرادة الذاتية لهذا الطرف أو ذاك لتصبح علي "المقاس" المطلوب. بينما تناول الباب الثاني الحرية الذي يؤكد في مطلعه أن نهوض وتقدم المجتمع بقطاعاته المختلفة مرهون أولاً بتحرير العقل والتفكير و بالممارسة الثقافية المتحررة من أية ضغوط أو تهديدات من أي نوع مطالباً الالتزام بضمان حرية التفكير والإبداع والتعبير والنشر بكافة أشكاله بدون ضغوط أو مصادرة أو وصاية من أي طرف سواء كان حكوميا أو أهليا تحت أية دعوي. وطالب بتوقيع عقوبة علي اي شخص يعتدي مادي او معنوياً او بشكل تحريضي علي تلك الحريات فهي بمثابة جريمة و التأكيد علي ان الحارس للحرية هو المسئولية النابعة من ضمير المثقف واختيار المتلقي و اعتبار إن الرقابة علي الإنتاج الثقافي تحت أية ذريعة هي أداةٌ من أدوات القمع وتكبيل الحرية وفرض للوصاية علي المبدعين الثقافيين لذلك هناك ضرورة لتطهير القوانين والحياة الثقافية من كل النصوص والأعراف المقيدة للحرية الثقافية. فيما اختص الباب الثالث بدور المثقف باعتباره الضمير الحقيقي للشعب و ان الاصل فيه من خلال فاعليته و دوره في النهوض بالمجتمع وان إحدي مسئوليته فضح كافة أشكال الزيف والخديعة وأشكال استلاب العقل الجمعي والتلاعب به و اعلن احد البنود ان استقلالية المثقف هي حجز الزاوية في أدائه لدوره النقدي و التأكيد علي ان التنظيمات النقابية المستقلة للمثقفين بكافة تخصصاتهم تمثل سندًا ودعمًا قويا للمثقف وحركته الفاعلة وفي حال عدم نجاح عملية تطهير قوانين النقابات الحالية من المواد السالبة للفاعلية فلابد من تأسيس نقابات جديدة مستقلة. الباب الرابع والأخير تناول دور المؤسسة الثقافية للدولة متطلعاً أن تكون الثقافة حق أصيل للمواطنين كالخبز، وأن تتحمل الدولة مسئوليتها في دعم الكيانات الثقافية المستقلة والفاعلين الثقافيين من أدباء وفنانين بلا مقايضة، كما أن تلك المؤسسات ليست ملكًا للحكومة أو لوزارة الثقافة، بل هي أحد ممتلكات الشعب المصري وجميع مسئوليها هم موظفون تكمن مهمتهم في حُسن إدارة هذه المؤسسات. علاوة علي ذلك فالمؤسسة الثقافية للدولة ليس لها الحق في الوصاية علي الحركة الثقافية أو المثقفين، ومهمتها تكمن في أن تكون ساحة مفتوحة لتحقق الإبداعات الثقافية المختلفة، بلا رقابة أو توجيه وللمثقفين من خارج العاملين بالمؤسسة الثقافية الحكومية كل الحق في المشاركة الفاعلة في وضع السياسات الثقافية لها.