يعد الروائي أحمد أبوخنيجر ابن اسوان أحد المثقفين الذين التصقوا بمجتمعاتهم بصدق، لم يبحث عن دور كمثقف وراء إحدي منصات الحوار، بل فضل بعد الثورة بالاشتراك مع عدد من المثقفين وأهل بلدته أن يقوم بعمل جلسات مفتوحة في الساحات الشعبية والشارع لنشر التوعية السياسية والحقوقية، عن تجربة الالتحام بالشارع بعيدا عن منصات المثقفين، وقصصه "كتاب الحكايات" الذي أصدره مؤخرا، ورأيه في المشهد الراهن بكل عناصره، وقراءته له بما فيه من ائتلافات مستقلة، وأحزاب جديدة، جلسات الحوار الوطني، كان لنا معه هذا الحوار: "كتاب قصص" لماذا اخترت لعملك الجديد هذا التوصيف؟ لأن المجموعة تضم عددا مجمعا من القصص ليس بينها رابط أو تقاطع، لكنني أقدم عالما متكاملا من عدد من القصص المتتالية المترابطة، لذلك آثرت أن أسميها "كتاب قصص"، فالإنسان يمر بلحظات الانكسار والقوة والألم.. إلخ، لكن ما استخدمته هنا كالجوع والموت والشرف تخص ما نعيشه الآن، فنحن واصلون لحافة الجوع بمعنييه المادي والروحي. لكن القارئ بمجرد شروعه في القراءة لا يقابل تقنية الحكاية، من حيث الكتابة بالعامية أو السرد البسيط.. لماذا؟ لدينا مشكلة خلط ما بين الحكاية والحدوتة، فالحدوتة تحكي ولا تكتب، إنما الحكاية تكتب، فهناك فارق نوعي ما بين الشفاهي والمكتوب، فالحكاية المكتوبة تكون أكثر انضباطا مهما تبدل الزمان والقارئ، فهي تعتمد علي المتلقي وعلي قدرة اللغة في التفسير. لماذا اخترت في حكايات "في باب السوق" شكل كتابة السيناريو؟ أعتقد أن شكل الكتابة علي الورق لها تأثيرها في القراءة، واستعمل هذه التقنية كحيلة للعب البصري، وهذه هي احدي جماليات الكتابة التي يتبعها القراء، وهي تحقيق المتعة، فأنا ككاتب لابد أن أستمتع وأنا أكتب العمل، والتي حتما ستصل للقارئ من بعدي، فمن أجل المتعة والتسلية وجد الفن. فأنا أثناء الكتابة خاصة الرواية أحيانا ما أتفاجأ بالشخصيات والعالم الذي تكون علي الورقة، وأجدني في حالة من التشبع الجزئي تدعوني للابتعاد قليلا عن العمل، حتي أستطيع الخروج من حالة الدهشة وأعود للسيطرة مرة أخري علي العمل بالتالي استكمله. هل تعتقد أن القصة القصيرة لا تحتمل الاهتمام بالوصف المكاني الذي تهتم به في الرواية؟ - القصة يكون السرد فيها متحركا ويصعب أن أضعه ككتلة واحدة، قد يستغربه القارئ أو يشعر بالثقل فيه فيكون له أثر سلبي علي العمل، بالنظر لرواية "فتنة الصحراء" ستجدين إقصاء للتفاصيل للإفساح أكثر لعناصر أخري تخدم الفكرة وتخدم الموضوع، فالموضوع أو الفكرة هو الذي يحدد آليات عرضه وتقديمه. رفضت تصنيف أعمالك ضمن تيار الواقعية السحرية رغم اهتمامك بالأسطورة وعالم الفانتازيا، فما سبب اعتراضك؟ - أولا الكتابة لها سحر والقراءة لها سحر آخر، فطاقة الخيال الكامنة بالعمل تختلف وتتنوع من نص لآخر، ولأنني قد تربيت علي الحكايات الشعبية المدهشة والغريبة، فالجماعة الشعبية حينما نسجت هذه الحكايات، نسجتها لسببين الأول التسلية والثاني لبث القيم من خلالها والعادات بشكل غير مباشر، إذن لا يجوز للناقد "العاجز" عن إيجاد تصنيف للعمل الأدبي، أن يضعه في قالب فني أشك أن يقصده فعلا! إذن أنت تري في هذا التصنيف تقصير من النقاد؟ - طبعا، فتيار الواقعية السحرية هذا له أشكال عديدة، فأي شكل ينطبق علي أعمالي؟! هذا التيار ظهر في أمريكا اللاتينية ويختلف ما بين الأرجنتين وفنزويلا وتشيلي وكل الدول، فأنا أتبع أية دولة منهن؟! فهل لأننا فاقدون لنظرية نقدية عربية تصنف الأدب العربي، نتمسح في النظرية الغربية؟ فما هي الأصناف الموجودة في الأدب العربي وما هي خصائصه المميزة له، فلماذا نستورد المسميات والقوالب الغربية التي لا تمثلنا ثقافيا، و"نقيفها" علي أعمالنا؟ هل اتهامك للنقاد بالتقصير ينطبق أيضا علي الجيل الجديد منهم؟ - نعم، فالجيل الجديد واقع تحت سيطرة الجيل القديم، فالمهيمنون علي المجلات المتخصصة التي تنشر أبحاثا ودراسات هم من الجيل القديم، بالتالي هم يفرضون اتجاههم ورؤيتهم عليهم، فمتي سيستطيع هذا الشاب أن يعبر عن نفسه وعن رؤيته كما يجب؟ وصفت حفلات التوقيع والندوات أنها "أونطة ثقافية" هل تتوقع أن تزول هذه الأونطة بعد الثورة؟ - أولا بمراجعة سريعة لأحداث الثورة، لم يكن أحد يتصور أن تتحول مظاهرة "25يناير" إلي ثورة "25 يناير"، فمع أول طلقة بالسويس جاء يوم 28 يناير وهو ما أعتبره البداية الحقيقية للثورة، في هذا اليوم نزلت أطياف الشعب والتي ليس لها علاقة بالفيس بوك ولا تتعامل مع التكنولوجيا، بل هي انتفضت بسبب الدم ونزلت للحماية والتكاتف، في هذه الحالة الثورية العارضة معروف ومن الطبيعي أن يظهر كل شخص أفضل ما لديه، وهو ما شهدناه جميعا بالميدان، فالجميع متجه نحو هدف واحد، لكن بانقضاء هذا الهدف وعودة الجميع لحياته الطبيعية سيعود كل شيء كما كان! فمجتمعنا في الأساس غير قارئ وغير مهتم بالثقافة، كيف يمكن أن تزول هذه الحالة الثقافية الإيهامية التي نعيشها؟..فطبقة القراء معروفة بالعدد في مصر. في رأيك كيف السبيل لتوسيع هذه النسبة القارئة؟ - إن كنا بالفعل نطمح إلي التغيير الجذري، هناك ثلاثة مجالات يجب العمل عليها، أولا التعليم..ما الذي نريده من التعليم؟ لابد من توضيح الرؤية وتحديد الهدف كما فعل من قبل محمد علي باشا، وضع خطة محددة وهدفا من التعليم وهو ضمن رؤية شاملة لما يريده من مصر كلها، بالتالي كانت هناك خطط قصيرة المدي وأخري طويلة المدي. ثانيا الثقافة وثالثا الإعلام هذه هي سبلنا لبناء مجتمع حقيقي ينظر للمستقبل ويفكر فيه، وهو ما يتوجب فعله الآن بالنسبة للنشء الجديد، لا بد من إرساء مشروع كامل و رؤية متكاملة واضحة لبناء مصر الجديدة، فإنني أعول علي البحث العلمي وأتمني أن تمنح له ميزانيات قوية، يمكن من خلالها بناء مجتمع مصر فكريا وثقافيا ونقديا، تماما كما المجتمعات المتقدمة الواعية، يحضرني هنا مقولة هامة لغاندي " علي أن أجعل كل النوافذ مفتوحة، حتي تدخل كل الرياح، إنما لا بد أن أكون حريصا ألا تنزعني من جذوري". هل تعتبر حالة الحراك المجتمعي والسياسي الجارية حاليا خطوات حقيقية نحو الديمقراطية؟ أم أنها توجهات في التيار المعاكس والهادم للثورة؟ - نحن لدينا أشكال العناصر الشبيهة بالعناصر الحقيقية، أي أننا لازلنا نعيش الحالة الإيهامية كما هي، فما يجري الآن من أحداث هي أحداث شبيهة بما يحدث في الفترات الانتقالية التي قرأنا عنها في التاريخ، بالتالي نحن نعيش حالة من الإحباط التي ترجمت إلي الضيق والاكتئاب عند الكثير من الناس. إضافة إلي تعجل الناس، فالزمن عامل مهم لا بد من أخذه في الاعتبار، المشكلة في مصر أننا لا نعلم ولم نحدد الطريق الصحيح الذي نمشي عليه لنصل لأهدافنا! هل المصريون وهم يتحاورون في الميدان..هل تحاوروا في الخط أو الخريطة التي توصلنا لأهدافنا؟ هل تساءلوا حول مستقبل مصر وكيف وماذا يريدون منها؟! - فمن المفترض أن يلتف الشعب حول هذه القضية وهذا السؤال لبلورة إجابته، لكن الكارثة هي "تجهيل" الشعب علي مدار السنوات الماضية، لذا هو عاجز الآن عن تحديد خريطته ومستقبله، فلازلنا نبحث هل نريدها دولة مدنية أم دينية؟! لكن الوضع الراهن هو التفاف أطراف عديدة حول مصالحها وأهدافها الشخصية، وهنا الكارثة. هل تري في التكتلات والائتلافات المستقلة الأمل في مستقبل ثقافي أفضل علي أساس أنها أكثر وضوحا في الرؤية والأهداف؟ - مطلوب أن يكون هناك حوار، وهو ما سيصب في مصلحة الثقافة، ففي العمل الجماعي الجميع يعمل علي مبدأ الوفاق وليس الأغلبية، لماذا؟..لأنه يتم طرح مجموعة من الأفكار والاقتراحات التي لا بد أن تتوافق معا وتجتمع بما يحدد الملامح الأساسية للخطة المستقبلية. ما تعليقك علي ما شهدته انتخابات اتحاد الكتاب الأخيرة؟ - في ظني أن الاتحاد في حاجة لإعادة الهيكلة ووضع لائحة جديدة له تصلح والأوضاع الحالية، بالتالي يتضح دوره وخدماته لأعضائه، فهل هو نقابي أم ضمان اجتماعي أم ماذا؟ والكتاب هم الذين سيقررون ذلك بجلسة حوار بناء فيما بينهم، بنفس المبدأ التوافقي الذي تحدثت فيه من قبل، بالتأكيد ستظل الاحتجاجات والاعتصامات والطعون وكل هذه السلبيات نتيجة لتراكمات سنوات عديدة من القهر والكبت لأسباب عدة. في رأيك، ما الذي قدمه مشروع مؤتمر "أدباء مصر" لأدباء الأقاليم؟ - هناك سؤال طرحته منذ عدة أعوام، دعونا نراجع أهداف المؤتمر لنحدد ما تم تحقيقه وما ينبغي أن يتحقق وما المطلوب إضافته أو تطويره، وعند الإجابة عن هذه الأسئلة سنجد أنه لم يحقق المنشود منه، ففي بداياته قدم سلاسل النشر الموجودة الآن بالهيئة العامة لقصور الثقافة، فهي من توصيات المؤتمر، وكان أدباء الأقاليم مشاركين بلجان القراءة ومجلس التحرير إنما الآن تحولت المسألة إلي المركزية! علي هذا المؤتمر أن يخرج خارج الجدران وخارج القاهرة، فلماذا لا تكون فعالياته مستمرة طوال العام ويقام حفل ختامه في واحدة من المحافظات وتكون كعاصمة ثقافية لهذا العام، أزعم أن هذا هو الأسلوب الأمثل والأصح لتفعيل أهداف مؤتمر أدباء مصر. انت رافض طوال الوقت لمبدأ التصنيف، فأنت تقول أنه لا يوجد مسمي "أدباء الأقاليم" في رأيك متي ستزول هذه التصنيفات؟ - حينما تزول المركزية، فلا بد أن تضرب هذه المركزية في أساسها، ففي ظني الكاتب هو كاتب في أي مكان لا يهم أين يعيش، بل قيمته الإبداعية هي المهمة وهي المقياس، فلا بد من ضرب هذه الفكرة من أساسها وعلي كل المستويات.