تعتبر منطقة آسيا الوسطى من المناطق الاستراتيجية الهامة لكل القوى الدولية الكبرى، حيث يقع الإقليم على الحدود الصينية والروسية والإيرانية والأفغانية، ومن أهم مناطق النفوذ والتواجد التركى، ولكل من تلك الدول المجاورة خصوصيتها فى الاستراتيجية الأمريكية من النواحى السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالصين هى المنافس الاقتصادى الأول للولايات المتحدة، وروسيا مازالت تمثل الشوكة فى حلق أمريكا وحلفائها الغربيين، وخاصة مع اتساع حجم النزاع بينهما على مناطق النفوذ فى الشرق الأوسط وغرب أوروبا، وإيران القوة الإقليمية الصاعدة التى يمثل برنامجها النووى هاجسا مستمرا للغرب رغم توقيع الاتفاق فيما بينهما على تجميد ذلك البرنامج لمدة عشر سنوات، وأفغانستان تمثل البؤرة الهشة التى عجزت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على إقامة نظام قوى بها يستطيع التصدى لحركة طالبان الراديكالية. تسعى الولاياتالمتحدة إلى منافسة الوجود الصينى المتصاعد فى دول آسيا الوسطى، واختراق مناطق النفوذ الروسى، والحد من التواجد الأوروبى الذى يسعى لتأمين مصادر الطاقة بعيدا عن روسيا التى يشتد الخلاف معها حول أوكرانيا وغيرها من القضايا، وعن الشرق الأوسط الملتهب، ولذلك تعمل الولاياتالمتحدة على توسيع مجالات التعاون الاقتصادى مع دول الإقليم، وخاصة فى مشروعات البنية الأساسية، والتنقيب عن النفط والغاز ومد أنابيب نقلها إلى بحر قزوين ومنها إلى أوروبا عن طريق تركيا. قام وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بزيارة لدول آسيا الوسطى الخمس «أوزبكستان، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان» خلال الفترة من 29 أكتوبر حتى الأول من نوفمبر 2015، هى الأولى من نوعها منذ استقلال تلك الدول عن الاتحاد السوفيتى عام 1991، عقد خلالها اجتماعا مع وزراء خارجية الدول الخمس فى مدينة سمرقند بأوزبكستان، حيث دارت النقاشات خلال اللقاء على موضوعين أساسيين، هما الأمن والاقتصاد. يشكل الهاجس الأمنى أهمية كبيرة لدول آسيا الوسطى والولاياتالمتحدة، خاصة فى مجالات الإرهاب، والجريمة العابرة للحدود، وتجارة المخدرات، وتوابع الانسحاب الأمريكى التدريجى من أفغانستان، وتصاعد خطر الدولة الإسلامية، والحركات المتشددة فى آسيا الوسطى، الأمر الذى يتطلب من الدول الست زيادة التنسيق الأمنى والاستخباراتى حول تلك القضايا التى تشكل أهمية كبيرة لدى الجانبين. يعتبر التعاون الاقتصادى بين الولاياتالمتحدة ودول آسيا الوسطى من الأمور التى تشكل أهمية كبرى لدى الجانبين، حيث تسعى الدول الست إلى إقامة تعاون اقتصادى قائم على أساس المنافع والمصالح المتبادلة، وتبنى مشاريع مشتركة للنهوض بالبنية التحتية والطرق والمواصلات، بما ينعكس بشكل إيجابى على العلاقات السياسية، حيث تعتبر الولاياتالمتحدة أن التعاون الاقتصادى مع دول آسيا الوسطى هو المفتاح للتعاون السياسى الذى تسعى الولاياتالمتحدة إلى تعميقه بما يخدم مصالحها على حساب التعاون القائم حاليا بين دول الإقليم وروسيا. لا تشكل دول آسيا الوسطى أهمية للولايات المتحدة وحسب، فالمنطقة تمتلك كل العوامل والمقومات التى تجذب إليها كل الدول والقوى الكبرى والسعى للتعاون معها وخاصة فى المجال الاقتصادى، وبشكل خاص قطاع الطاقة، لما تملكه تلك الدول من احتياطى كبير من النفط والغاز، يدل على ذلك تلك الزيارات التى سبقت زيارة جون كيرى لدول الإقليم، حيث سبقه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، فى يونيو 2015، وزيارة رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى، فى شهر يوليو، ثم جولة رئيس الوزراء اليابانى، شينزو آبى، إلى دول الإقليم الخمس أواخر شهر أكتوبر 2015. دول آسيا الوسطى كانت وما زالت تتطلع إلى العالم العربى على أنه الأقرب لها ثقافيا وحضاريا، ومن ثم فإنها كانت تتوقع تقاربا أكبر من جانب الدول العربية فور استقلالها، كما كانت تنتظر مبادرات عربية وإسلامية وخاصة من الدول الكبرى والرائدة فى العالم العربى تهدف إلى تنمية العلاقات مع دول الإقليم فى مختلف المجالات، لما يربط بين تلك الدول وبين الدول العربية من علاقات تاريخية عريقة، وتشابه كبير فى البنية الاجتماعية والكثير من العادات والتقاليد والقيم التى يمكن أن تنعكس بشكل إيجابى على حجم العلاقات الاقتصادية ومد جسور قوية من التعاون المشترك، مع وجود مجالات وقطاعات هامة يمكن التعاون من خلالها بين الجانبين وبشكل خاص فى مجال السياحة والاستثمارات فى قطاع الطاقة والزراعة والصناعات الثقيلة.