أثارت قضية وزارة الزراعة الأخيرة التى اتهم فيها عدد من كبار المسئولين بالدولة، حتى قاموا بطلب رحلات حج لعدد من أسر المتهمين مجانا وذلك لتسهيل الاستيلاء على المال العام وبيع أراضى الدولة بثمن بخس قضية فقهية ألا وهى مشروعية حج هؤلاء من قاموا بأداء فريضة الحج نظير قضاء مصلحة ما، وفى نفس التوقيت استغلت بعض قوى الإسلام السياسى تزامن بدء الانتخابات البرلمانية مع عيد الاضحى وموسم الحج والإعلان عن رحلات حج برية بأسعار رمزية وذلك فى اطار الدعاية الانتخابية والتى قد تشوبها شبهة الرشاوى الانتخابية.. ومن هذا المنطلق فتحت روزاليوسف تساؤلاً حول مشروعية الحج بتلك الطريقة مستعرضة اراء عدد من الائمة والدعاة حول تلك القضية. ففى البداية يرى الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أن التجارة بالمناسك حرام شرعا و لا تجوز على الإطلاق، وأن الحج يجب ان يكون بنية خالصة تماما إلى الله ولا يكون من ورائه أو نتيجة أى مصلحة أو تسهيل امور كما هو حادث فى تلك الحالة حتى يتقبله الله تعالى. وأكد عاشور أن طلب الشخص من آخر القيام بأمر بعد أداء الفريضة ويوافق الطرف الآخر مقابل التسهيل أو المساعدة فى أداء الحج أو العمرة حرام شراعا، موضحا أنه فى تلك الحالة لن تقبل أى اعمال من الحاج او المعتمر مضيفا: إن الحج كى يكون سليما وترفع الأعمال والشعائر الى الله يجب ان يخلو من الرياء ويكون خالصا لوجه الله، ومن المال الشخصى للحاج وأن يكون ذلك المال حلالاً لا يوجد فيه شبه حرام وإلا بطلت فريضة الحج وتكون بلا قيمة. بينما يوضح د. محمد شامة المفكر الإسلامى والاستاذ بجامعة الأزهر أن الله طيب لايحب إلا الطيب، والرشوة بشكل عام حرام سواء كانت صريحة كأن يطلب شخص القيام بعمل رحلة حج مجانا أو تكون على سبيل الهدية فى مقابل تسهيل أو شىء ما أو مصلحة حكومية أو ما شابه ذلك، كذلك إذا كانت مستترة كالرشاوى الانتخابية، وبالتالى فالحج هنا يكون حراماً على من قام به ولن يفقد مشروعيته فقط بل سيحاسب صاحبه عليه بصفته تقاضى رشوة والله سبحانه وتعالى قال الراشى والمرتشى فى النار. ويكمل شامة موضحا أن العلماء قد اختلفوا هنا فمنهم من قال إن الفريضة تسقط عن الشخص أى تجوز ولكن عليه إثم يتحمله ويحاسب عليه، والبعض الآخر من العلماء ذهب إلى أن الفريضة لا تجوز على الإطلاق. وأضاف شامة: إن للشخص الذى قام برحلة الحج فى اطار الرشوة فعليه دفع قيمتها حتى إذا كانت مقسطة وحين يتم سداد أقساطها كاملة بالمبلغ المتعارف عليه فى السوق فهنا تحسب الفريضة، وإذا كانت الحج مقابل إعطاء الصوت فى الانتخابات فعلى من وعد بإعطاء الصوت ألا يعطيه صوته وهنا يكون التكفير عن الذنب. ويوضح شامة أن تلك فى المجمل صفقة شيطانية وأن مسألة شراء الأصوات إثم لأن الصوت أمانة ومن يقوم بذلك الفعل فهو يخون الأمانة ويخون الأمة كلها. ويوافقه الرأى د. حامد أبوطالب عميد كلية الشريعة الإسلامية سابقا قائلا إن الله طيب لا يحب إلا الطيب، وبالتالى فالله لن يتقبل حجا أو عمرة بمال حرام ومكسب من الحرام أو مقابل مصلحة غير مشروعة أو مقايضة فهذا لا يجوز ولن يتقبله الله وحج من يقوم بذلك مردود، فالحجاج يطوفون ويرددون «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لبيك» فيرد الله تعالى عليه فيقول له «لا لبيك ولا سعديك.. وحجك مردود عليك» فمالك حرام وقوتك حرام. وفى مثل تلك الحالات التى وصلت فيها الرشوة للحج ويكون شراء الأصوات بتسهيل الحج فهذا معناه أن قلوب المسلمين قد قست واستمر، الفساد فى المجتمع، حتى إن الشخص لا يرى حرجاً أن يكون الرشوة هى الفريضة نفسها الحج الذى نكفر به وفيه عن خطايانا جميعها ونرجو الله عز وجل منه ان يزيل به سيئاتنا وأن نولد من جديد بلا ذنوب فكيف يكون الحال عندما تكون تلك الفريضة المقدسة ذنباً كبيراً فى حد ذاتها.. فمن يحج بتسهيل مصلحة معينة ومن يعتمر برشوة فكل ذلك حرام، وهنا الشخص يأخذ مشقة وعنت الحج ولا يأخذ ثوابه ولكنه بالعكس سيحاسب عليه حسابا شديداً، وهنا تسقط الفريضة وعلى من فعل ذلك أن يعيد الحج مرة أخرى بمال حلال كامل من تعبه ومن جهده. وفى نفس السياق رفضت آمنة نصير طلب الحج كرشوة وأكدت عدم جواز الحج مطالبة الوزارات ومؤسسات الدولة، التى ترسل موظفيها فى رحلات حج مجانية بالامتناع عن ذلك قائلة الدولة بذلك تقنن الفساد فى المجتمع مشيرة إلى أن الله أمر بالحج «لمن استطاع إليه سبيلا»، قائلة إن الحج يكون ضمن الرشوة إذا الفساد فى دين المجتمع وقانونه وأخلاقه.. إن لم يتوقف المجتمع والأزهر والكنيسة والدولة أمام ذلك، فنحن فى غيبوبة إلى يوم الدين. بينما قال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا إن من شروط الحج وقبوله المال الحلال أى يكون الحج قد تم جمع ثمنه من مال حلال جميعه، لأن الحلال يعين على الطاعة وينهى عن المعصية، وبالتالى فمن حج مقابل رشوة وهى حرام بالاجماع فيكون حجه غير مقبول وعليه اداؤه مرة أخرى بمال حلال، وأكد الاطرش على أن المال الحرام لا يجوز على الاطلاق الانتفاع به فى أى شىء من أمور الحياة وإلا أصبح ذلك الشىء بالتالى حراما.