بوفاته على حين غرة ظهر الأربعاء الماضى أفل نجم الكاتب الكبير فؤاد قنديل عن سماء الأدب والكتابة المصرية والعربية بعد صراع طويل مع المرض، و«قنديل» أحد أهم الكتاب العرب والمصريين حيث أثرت كتاباته فى أجيال مختلفة وكانت للغته بصمة لا تخطئها العين من أول وهلة حيث عذوبة الوصف ورشاقة الكلمة والمعنى. ولد الروائى الراحل فؤاد قنديل فى 5 أكتوبر 1944 فى منطقة مصر الجديدة بالقاهرة لأسرة تنتمى إلى مدينة بنها بمحافظة القليوبية، وهو حاصل على الليسانس من قسم الفلسفة وعلم النفس بكلية الآداب بجامعة القاهرة وعمل منذ عام 1962 فى شركة مصر للتمثيل والسينما، كتب ست عشرة رواية، وعشر مجموعات قصصية، وعشر دراسات وتراجم وأربع روايات ومجموعة قصصية للطفل، ومن أهم أعماله الروائية الناب الأزرق، أشجان، عشق الأخرس، شفيقة وسرها الباتع، موسم العنف الجميل، عصر واوا، بذور الغواية، روح محبات. وقد شغل الراحل فى حياته عدة مناصب هامة منها عضوية المجالس القومية المتخصصة، عضوية مجلس إدارة نادى القلم الدولي، عضوية مجلس إدارة اتحاد الكتاب، عضوية مجلس إدارة نادى القصة، كما تولى منصب رئيس تحرير سلسلة «إبداعات»، ورئيس تحرير سلسلة «كتابات جديدة»، ورئيس تحرير جريدة «أخبار الكتاب»، وقد حازت أعماله على العديد من الجوائز نذكر جائزة كأس القبانى لأفضل مجموعة قصصية عام 1979. كما حاز على جائزة نجيب محفوظ للرواية فى الوطن العربى عام 1994.حاز جائزة الدولة للتفوق فى الآداب عام 2004، ترجمت العديد من أعماله إلى لغات أجنبية. نرصد معا ما قاله بعض تلامذته ورواده من كبار الأدباء فى شهادات مختصرة. لم ينحز إلا لضميره الإبداعى يقول الشاعر عبده الزراع: فؤاد قنديل أحد أهم الوجوه الثقافية المصرية والعربية فى جيل السبعينيات الأدبى فى مجال القصة القصيرة والرواية، وله عدد كبير من المجموعات القصصية والروايات، علاوة على أدب الرحلات وقصص الأطفال، فهو مشروع أدبى كبير ومتميز، إضافة إلى دوره البارز والفاعل فى الحياة الثقافية الفكرية، من خلال المؤسسات الثقافية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الأهلية، ودوره فى العمل العام، فلا ننسى دوره لفترة طويلة فى مجلس اتحاد كتاب مصر ونادى القصة وجمعية الأدباء، ورئاسته لمسابقة إحسان عبد القدوس لسنوات طويلة وتقديم أجيال من الكتاب الشباب فى هذه المسابقة، وقد حالفنى الحظ أن عملت معه فى إدارة الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة وكان رئيسى المباشر، وكان يتمتع رحمه الله بدماثة خلق وطيبة نادرا ما تجدها فى أديب مصري، لم أختلف معه فى يوم من الأيام لا فى العمل ولا فى الحياة الثقافية العامة، فقد زاملته أيضا فى مجلس اتحاد كتاب مصر لأكثر من دورة، وكان لا ينحاز إلا لضميره الإبداعي، ويبدى رأيه بمنتهى الحيدة والنزاهة والشجاعة، دون أن يضع حسابات لشيء إلا لما يقتنع به، وأذكر أنه اعتذر عن رئاسة تحرير جريدة أخبار الكتاب التى يصدرها الاتحاد، ورشحنى الكاتب محمد سلماوى رئيس الاتحاد وقتها، لأكون خلفا لقنديل فى رئاسة لتحريرها ووافق المجلس بالإجماع، فاتصلت بالأستاذ فؤاد كى أبلغه بالخبر وأن يتعاون معى بكتابة مقال ثابت كل عدد، وإذا به يسعد جدا بهذا الخبر وأبدى استعداده للتعاون بالكتابة كل عدد، وقد أوفى بوعده وكتب لمدة أربعة أو خمسة أعداد متصلة، وقد جمعنى معه مؤخرا مهرجان الشارقة القرائى للطفل، فى شهر مايو الماضى وكان الرجل خارجا لتوه من وعكة صحية أجرى على إثرها عملية جراحية، وكان يبدو عليه المرض، وجاءت مشاركته مشرفة كعادته، لم يتأخر عن مشاركتى ندواتى فى المهرجان ولا ندوات الزملاء الذين كانوا مشاركين معنا.. رحم الله الكاتب الكبير فؤاد قنديل فآثاره الإبداعية باقية ما بقيت الحياة. فؤاد قنديل الأب الذى خرجنا عن طوعه أما الكاتب والروائى صبحى موسى فقال: لعب فؤاد قنديل دورا مهما فى تقديم العديد من المواهب الأدبية سواء فى الشعر أو القصة أو الرواية، وذلك من خلال عمله فى قصور الثقافة سواء كرئيس لتحرير سلسلة إبداعات التى أسسها عام 1994، أو من خلال إدارة الثقافة العامة التى كان يديرها فى منتصف التسعينيات، حتى أن الكثير من جيل التسعينيات يعتبره الأب الروحى له، إذ أنه تم تقديمه من خلال إبداعات أو اعتماده محاضرا مركزيا فى الثقافة العامة، يكفى أن نعرف أن هذه السلسلة فى ذلك الوقت كانت تصدر أربعة أعداد شهريا. لم يكن فؤاد قنديل مجرد أب روحى لكثير من المثقفين الشباب لكنه كان واحدا من كبار المثقفين المصريين، كتب فى أكثر من مجال، بدءا من النقد وتبسيط العلوم وصولا إلى الطبخ وغيرها، كان يعى الثقافة بمعناها العام فى كل شيء، والخاص فى الأدب الذى أنتج من خلاله ما يقرب من خمسة وعشرين عملا سواء مجموعات قصصية أو روائية، كانت مشكلتنا مع فؤاد قنديل أنه كان صاحب رؤية محافظة، فهو يكره الخروج على «التابوه»، ويرى أن الأدب هو القابل لأن يقرأه كل أفراد العائلة دون خجل، كثيرا ما اختلفنا معه حول مفهومه ومفهومنا للكتابة، لكننا ظللنا نؤمن به كأب وليس أستاذ فقط، بقدر ما ظل يرانا أبنائه الذين خرجوا عن طوعه، الملمح الثانى فى أدب قنديل أنه كان يؤمن بفكرة الالتزام ليس بالمعنى الأخلاقى ولكن الاجتماعى والفكري، وضرورة أن يكون للكاتب دور فى علاقته بمجتمعه وتنميته، ربما كان ذلك سببا فى أن كتب فى مجالات شتى كالسياسة والفن وأدب الطفل والرواية والقصة وغيرها. أثار السؤال الأهم الذى يشغل بال المصريين الآن ورحل فى هدوء بدوره يقول الشاعر محمد قرنه: الخسارات التى بحجم فؤاد فنديل لا تعوض، فالكاتب الراحل استطاع إثراء الحياة الثقافية المصرية والعربية بما قدمه من أعمال إبداعية خالدة، وتنوعت إبداعاته بين الروايات والقصص القصيرة وأدب الأطفال والدراسات النقدية أيضا، كما أنه استطاع أن يخرج جيلا جديدا من الأدباء الشباب إلى النور، من خلال اكتشاف المواهب الجديدة وتقديمهم عبر المناصب المؤسسية المختلفة التى تولى مسئولياتها فى مؤسسات الثقافة المصرية. ولعل من أهم ما تركه قنديل هو السؤال الكبير الذى أثاره فى عمله الروائى الأخير «دولة العقرب»، والتى نشرها عام 2013 وتعرض فيها للسؤال الأهم الذى يشغل بال المصريين الآن، وربما سيظل يشغله على مدى السنوات القادمة أيضا، وهو سؤال «هل فعلا قامت فى مصر ثورة؟»، فكعادة الأديب استطاع قنديل أن يتخطى حواجز الزمان والمعاصرة ليضع يده على جوهر الأزمة التى تعيشها البلد، وأن يقدم لنا السؤال الأهم الذى يجب أن يشغل عقول المصريين ليستطيعوا على أساس الإجابة عليه تحديد خطواتهم المقبلة، وبالتأكيد فرحيل قنديل هو خسارة كبيرة للوجدان الشعبى المصرى والعربى الذى تأثر به وصاغ من خلاله روائعه الإبداعية التى قدمها على مدار رحلة عمرها 71 عاما. رجل خلوق دمث الخلق، ما دخل مكانا إلا وترك فيه رائحة عطرة من روحه الطيبة يسترجع الروائى والناقد فؤاد نصرالدين ذكرياته ويذكر: فى عام 1995 رن هاتف المنزل ليسألنى أحدهم: حضرتك الأستاذ فؤاد نصرالدين، رددت: نعم، من حضرتك، أجابنى: أنا فؤاد قنديل. كانت أول معرفتى به شخصيا حينما اتصل بى بعد بحث طويل عنى، حيث قدم لى اعتذاره وأسفه الشديد لتأخر التعارف بيننا، ثم حكا لى عن حادث وقع لسيارته وتم خلالها سرقة بعض الأوراق الهامة، منها مخطوط روايتى (العرابة) التى كنت قد قدمتها للنشر فى الهيئة العامة للكتاب وكان مسئول النشر الأديب محمد قطب الذى مر بوعكة صحية فطلب من فؤاد قنديل إبداء الرأى فيها.. اعتذر فؤاد قنديل كثيرا وطلب صورة للمخطوط كى تنشر الرواية بالهيئة العامة للكتاب، فى الحقيقة كانت فرحتى كبيرة أنها ستنشر ضمن مطبوعات الهيئة؛ لكنى قلت له: شكرا لك، ولا تعتذر، فللحق وللأمانة فإن روايتى (العرابة) طبعت منذ أيام بالمجلس الأعلى للثقافة 1995، فتنفس الرجل الصعداء، ثم التقينا فى جمعية الشبان المسلمين بالإسكندرية عندما كان مدعوا لإلقاء محاضرة، واحتضننى الرجل مقبلا، وطلب منى أن أقدم له سيرتى الذاتية للنشر فى معجمه عن أدباء الأقاليم الذى يعد طبعته الثانية فى هيئة قصور الثقافة، وقد كان، كان فؤاد قنديل رجلا خلوقا دمث الخلق ما دخل مكانا إلا وترك فيه رائحة عطرة من روحه الطيبة.