يا ملونين البيض في شم النسيم لون الحنين والشوق وخمر النديم ما تعرفوش سايق عليكو النبي تلونوا الأيام بلون النعيم عجبي كل سنة وكل المصريين طيبين.. فاليوم هو عيد «شم النسيم» أقدم أعياد البشرية.. وهو عيد مصري صميم بدأ المصريون القدماء الاحتفال به منذ نحو2700 قبل الميلاد، يعني عيد عمره اكثر من 4700 سنة.. وبالتحديد إلي أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية ويحتفل به الشعب المصري حتي الآن.. وإن كان بعض المؤرخين يرون أن بداية الاحتفال به ترجع إلي عصر ما قبل الأسرات، ويعتقدون أن الاحتفال بهذا العيد كان معروفًا في مدينة هليوبوليس «أون». وترجع تسمية «شم النسيم» بهذا الاسم إلي الكلمة الفرعونية «شمو»، وهي كلمة مصرية قديمة لها صورتان: وهو عيد يرمز عند قدماء المصريين إلي بعث الحياة،وقد تعرَّض الاسم للتحريف علي مرّ العصور، وأضيفت إليه كلمة «النسيم» لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلي الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة. واليوم تشارك «روزاليوسف» كل المصريين احتفالهم بعيد شم النسيم وعيد الربيع .. وعندما فكرنا في تقديم تهنئة للقارئ العزيز لم نجد أجمل من كلمات صلاح جاهين الرائعة التي تغنت بها سندريللا الشاشة العربية سعاد حسني «الدنيا ربيع والجو بديع قفل لي علي كل المواضيع».. ومنذ أربعة أيام مرت ذكري وفاة صلاح جاهين مرور الكرام وسط أحداث مصر المتلاحقة ومحاكمات رموز الفساد في نظام مبارك.. ورأينا أن نستعيد مع القراء الأعزاء لقطات من أيام الزمن الجميل لعلنا نهون عليهم صدمتهم في جرائم نهب المال العام وقضايا الفساد التي تنشر تباعا وتملأ شاشات التليفزيون.. وكل عام وأنتم بخير شاعر الكاريكاتير مرحب ربيع مرحب ربيع مرحبه يا طفل يا للي ف دمي ناغا وحبا علشان عيونك يا صْغنَّن هويت حتي ديدان الأرض والأغربه عجبي!! سرداب في مستشفي الولادة طويل صرخات عذاب ورا كل باب وعويل .. وفي الطريق متزوقين البنات متزوقين للحب والمواويل عجبي!! في أول يوم من العام الدراسي لسنة 1948 امتلأت مراسم كلية الفنون الجميلة بالطلبة الجدد.. وكان بينهم طالب سمين أمضي بضع سنوات في كلية الحقوق.. وتركها ليلتحق بكلية الفنون الجميلة.. وانطلق الطالب المستجد ليكون في المقدمة.. متفوقاً علي كل زملائه.. وذات صباح حمل بعض رسومه الكاريكاتورية وتوجه بها لأستاذ التصوير الفنان حسين بيكار.. وكانت تلك هي المحاولات الأولي التي أعجبت بيكار.. فقال له مشجعاً: «هايل يا صلاح..».. ولم تمض سوي أيام قليلة حتي عاد إليه نفس الطالب.. وعلي وجهه مسحة من الحزن والقلق.. وقال له: إنني أحب والدي وأقدسه. فقال بيكار مندهشاً: كل الأبناء الأوفياء يفعلون ذلك! فقال له: والدي قاض ورئيس محكمة.. ولايريدني أن أضحي بمستقبلي في مغامرة الفن.. ويلح علي لأعود إلي كلية الحقوق لأكمل دراستي. فقال بيكار: اذهب إلي والدك وادعه لمقابلتي غداً.. وأنا واثق من أنني سأقنعه بأنك اخترت الطريق الصحيح.. فالفن ليس مغامرة وليس مهنة العاطلين. وجاء الطالب في اليوم التالي بصحبة أبيه.. ودار بينه وبين الفنان حسين بيكار حديث طويل حول أهمية الفن.. حتي اطمأن بيكار إلي أن والد الطالب قد اقتنع تماما بوجهة نظره.. وفي اليوم التالي انتظر بيكار الطالب السمين.. والأيام التي تلته.. ولكنه لم يحضر مطلقاً.. ولم يره بعد ذلك اليوم.. وظل هذا الطالب مختفيا إلي أن ظهرت رسومه متصدرة غلاف مجلة «روزاليوسف» العريقة.. وبعدها تألق اسمه في سماء الفن والشعر والكاريكاتير. وكان هذا الشاب السمين هو الفنان «صلاح جاهين».. الذي قال عنه أديبنا الكبير يحيي حقي بتواضع شديد في حوار علي شاشة التليفزيون: «أنا سعيد لأنني عشت في عصر صلاح جاهين».. وقال عنه أستاذه حسين بيكار: «.. لو أننا شعب يعرف أقدار الناس لأقمنا في كل عام مهرجاناً فنيا وثقافيا لعرض ودراسة وتحليل مجمل أعمال الفنان صلاح چاهين». ويروي جورج البهجوري قصة صلاح چاهين مع الكاريكاتير وكان جورج قد سبق صلاح چاهين في الالتحاق بمجلة «روزاليوسف» بفترة فيقول البهجوري: «.. كان قد انضم إلينا في «روزاليوسف» شاب سمين.. يروي الأشعار كلما دخل علينا.. أو مَّر من أمامنا.. ويتردد علينا في «روزاليوسف».. وذات مرة سحب كرسيا وجلس خلف يدي وأنا أرسم.. ولم يتكلم وتركني أرسم.. ونسيته تماما وهو يتابعني.. ثم لقيته مرة أخري فوجدته يجلس بجواري ليرسم دون إلقاء أزجال.. متابعاً نفس التلخيصات الشكلية.. مضيفاً إليها أفكاراً وأبعاداً فلسفية هزت المجتمع المصري في «روزاليوسف» و«صباح الخير» بعد ذلك.. وكان هذا الشاب هو صلاح چاهين».. أيضا. دخل الشاب السمين إلي ساحة الكاريكاتير المصري فوجدها في انتظاره.. فقد كانت شبه خالية أو تكاد من الفارس المقاتل صاحب القضية الواعي عن فهم عميق بمدي التحولات التي تمر بها مصر في مطلع الخمسينيات.. لكي يتقدم ليقود الاتجاه الجديد في الكاريكاتير.. وليضع حجر الأساس لمدرسة الكاريكاتير المصري والعربي الحديث.. أو ليؤسس «مدرسة الثوريين» الكاريكاتورية التي انطلقت من مجلة «روزاليوسف» ذات الشهرة العريضة في التمرد والثورة في بلاط صاحبة الجلالة بتاريخها الطويل في مناهضة الظلم والاستبداد.. والتي لعبت دوراً مهماً في تحريض المشاعر الوطنية ضد الاحتلال والسراي والفساد. ولكي نضع صلاح چاهين في موضعه الصحيح من حركة الكاريكاتير المصري لابد أن نلقي نظرة سريعة علي ما كانت عليه الرسوم الكاريكاتورية قبل الخمسينيات قبل ظهور صلاح چاهين ومعه كل كتيبة المشاغبين الجدد أو «مدرسة الثوريين».. فإذا تفحصنا المشهد بدقة فإننا سنجد أن كل الكاريكاتير الذي كان يظهر علي صفحات الصحف والمجلات إما سياسيا.. أو اجتماعيا.. وكان يبدو في حالة من البداوة والتواضع والتسطيح والمباشرة.. فإن كان سياسيا فهو خطبة سياسية مباشرة.. أو هجوم ساخر ولاذع علي الخصوم السياسيين.. أو غضب مستطير وسخط علي الاعداء والاستعمار.. وإن كان اجتماعيا فلا يخرج عن كونه ترجمة بالصورة لل«قفشات» والنكات المهذبة التي يطلقها العامة ويتداولها الناس في جلسات «الأنس والفرفشة».. وبالتالي فإن الكاريكاتير الاجتماعي كان مجرداً من الفكر وينصب بشكل أساسي علي الموضوعات التقليدية التي تتحدث عن العلاقات والمواقف الكوميدية بين الزوج الضعيف.. والزوجة المستبدة.. والحماة البدينة «المفترية» الشرسة.. بالاضافة إلي بعض القضايا الاجتماعية الأخري التي كان يتم تناولها بركاكة وسطحية. وكان الرعيل الأول من الرسامين الأقوياء قد وضعوا أسسا جديدة لفن الكاريكاتير الخاضع لسيطرة وأفكار صاحب الجريدة أو المجلة.. وهم: صاروخان.. ورخا.. وزهدي.. وعبدالسميع.. وأحمد طوغان.. وكانوا جميعا رسامين متمكنين من صناعتهم وكان لكل منهم أسلوبه الخاص والمتميز ولكن الافكار كانت تنقصها الخروج عن المألوف والثورة والتمرد.. وإن كان عبدالسميع عبدالله هو أكثرهم شهرة وشعبية وتأثيراً في ذلك الوقت والحق يقال إن عبدالسميع هو الذي مهد الأرض للأفكار الجديدة.. فهو الوحيد الذي استطاع في ذلك الوقت أن يتجاوز كل هذه الكتيبة بأفكاره ورسومه الساخنة المتميزة. وبالاضافة إلي هذه الكتيبة التي كانت تمثل جيل الرواد كانت هناك مجموعة من الرسامين الأجانب المحترفين الذين ليس لهم علاقة بفن الكاريكاتير سوي تشخيصه ورسمه فقط.. أما الأفكار فكانت توضع لهم من قبل رؤساء التحرير أو صحفيين ساخرين متخصصين في صياغة التعليقات الكاريكاتورية المضحكة.. ويقوم الرسام الأجنبي بتنفيذ هذه الأفكار حرفياً.. وربما دون أن يفهم معني هذه الكلمات أو دلالة هذه الرسوم.. ومن أشهر هؤلاء الرسامين الأجانب تعرفت الصحافة المصرية علي هذه الأسماء: «برني»، «برنار»، «كيراز»، «فيدوف»، وأشهرهم الاسباني «سانتيس».. وكانوا معظمهم أرمنيين أو فرنسيين أو يونانيين. وكانت كتيبة الرواد قد ابتدعت شخصية «المصري أفندي» التي ظهرت في أول الأمر علي صفحات «روزاليوسف» علي يد الرسام صاروخان وعندما ترك محمد التابعي «روزاليوسف» وذهب إلي «آخر ساعة» أخذ معه اليكس صاروخان.. الذي أخذ بدوره «المصري أفندي».. وإن كانت هذه الشخصية من بنات أفكار السيدة فاطمة اليوسف.. وعندما أصدر مصطفي وعلي أمين مجلة الاثنين ابتكر عبدالمنعم رخا شخصية «ابن البلد» و«الخادمة الحسناء».. وعندما جاء عبدالسميع إلي «روزاليوسف» ابتكر «الشيخ متلوف» وتوالت الشخصيات إلي أن جاء صلاح چاهين وكتيبة «صباح الخير» فابتكروا العديد من الشخصيات.. وإن كان چاهين اسبقهم وأغزرهم انتاجا وابتكاراً لمثل هذه الشخصيات.. وعندما انتقل إلي الأهرام ابتكر شخصية «درش» التي كانت تمثل الشعب المصري.. وكان چاهين مغرما بوضع عناوين براقة وجاذبة لرسومه الكاريكاتورية وعندما انتقل للأهرام كان يكتب علي رأس المربع الكاريكاتوري هذه العبارة: «تأملات كاريكاتورية في المسألة ال............» ويحدد الموضوع الذي سيتناوله.. تماما كما كان يفعل من قبل في صباح الخير عندما كان يضع عنوانا لصفحتي «الدوبل» في المجلة «صباح الخير أيها ال........» وكان ذلك ضمن مجموعة كبيرة من السلاسل الكاريكاتورية التي ابتدعها صلاح چاهين بجرأة غير معهودة. شاعر الكاريكاتير أعياد كتير بيبتدوا، ويفرغوا وبيفضل العالم كده، مكبوس، ودمه تقيل تقيل.. ياربنا ياللي خلقت لنا الأيادي، للهزار، وللعمل.. اديني قوة ألف مليون إيد.. عشان أزغزغه!! كانت تلك إحدي أمنيات صلاح چاهين المبكرة التي تضمنتها قصيدة «قصاقيص ورق» التي نشرت عام 1964 في ديوان يحمل نفس الاسم.. فبينما كانت أمنيات الشاعر الكبير «ت.إس. إليوت» أن يزعج العالم حين قال: «أتواتيني الجرأة علي إزعاج الكون..».. كانت منتهي أحلام چاهين أن «يزغزغ» هذا العالم الكئيب ليضحك معه.. وربما كانت مئات الرسوم الكاريكاتورية التي أبدعتها ريشة الفنان صلاح چاهين.. ما هي إلا رسائل موجهة إلي هذا العالم البائس.. لعله يبتسم يوماً ما.. أو محاولة دائمة لبلوغ هذا الحلم الذي ظل يراوده طوال العمر.. وإن كانت هذه الكلمات تحمل هذا القدر المفرط من الخيال و«الفنتازيا».. فإن رسائل چاهين لم تكن خالية من التمرد والنقد اللاذع.. والتهكم الساخر.. علي كل الأوضاع التي لم يقبلها.. والتي كان يري أن علاج العالم من الاكتئاب لن يتحقق إلا عندما يتخلص هذا العالم من خطاياه التي يرتكبها ضد البشر من ظلم وفساد وخلل في كل نواحي الحياة.. وربما بعد أن تتحقق لچاهين كل هذه الأمنيات كان من الممكن أن يستلقي «العالم» علي ظهره من الضحك المتواصل بعد أن يقوم صلاح چاهين «بزغزغته».. «بألف مليون إيد»!! فصلاح چاهين لم يكن ضمن أحلامه أن «يزعج الكون» مثل «إليوت» ولكنه كان يحلم بإضحاكه فقط.. وهذه هي فلسفة چاهين التي لازمته طوال سنوات عطائه الجميل في بداية حياته الصحفية وامتدت إلي مشروعه الشعري المبكر فهو الذي «بالأمر المحال أغتوي/ شفت القمر نطيت لفوق في الهوا/ طلته ما طلتوش أيه أنا يهمني/ وليه.. مادام بالنشوي قلبي ارتوي».. لذلك فإن تجربة صلاح چاهين في الكاريكاتير كانت مختلفة ومتفردة.. وتمثل حالة خاصة أحدثت تياراً جديداً متميزاً بخصائص لم تكن موجودة في المراحل التي سبقت ظهور صلاح چاهين.. ذلك لأنه كان يمتلك جسارة المبادرة.. ولكونه صاحب رؤية خاصة.. فلم يقلد أو يكرر.. أو يتأثر بمن سبقه أو ممن كانوا حوله ويمثلون نجوم ذلك العصر في مجال الكاريكاتير. وهذا يتجلي في عدد السلاسل الكاريكاتورية التي ابتكرها چاهين وواظب علي نشرها تباعا ولفترات طويلة.. وأرسي بها تقاليد كاريكاتورية جديدة ومستحدثة.. وعميقة المغزي.. خفيفة الظل.. ذات دلالات أسهمت في مواكبة التحولات الاجتماعية الكبري التي كانت قد طرأت علي المجتمع المصري بعد ثورة 1952 .. لعل أهم هذه السلاسل: قيس وليلي نادي العراة العيادة النفسية قهوة النشاط وجع دماغ دولي ضحكات مكتبية دواوين الحكومة الفهامة صباح الخير أيها... انه حقاً شاعر الكاركاتير الذي اسعد الملايين.