التيار السلفي، الذي يعمل بالدعوة في المجتمع المصري منذ سنوات طويلة، أطل علينا مؤخرا بوجه مختلف تماما، وقدم نفسه بأسوأ شكل ممكن، ليخلق فزاعة جديدة، ببعض التصرفات التي أثارت الرعب في المجتمع مثل التعدي علي بعض المواطنين، وهدم الأضرحة وغيرها، مما يمثل خطرا حقيقيا، خاصة أن هذا التيار الديني ذو شعبية كبيرة بين طبقات معينة من المواطنين، وعن مواجهة مثل هذه التصرفات غير المسئولة من البعض، وتوعية المجتمع ودور المثقفين في مواجهة فكر بفكر، كان هذا التحقيق. الناشط الحقوقي نجاد البرعي، يؤكد أنه لا خطورة من أي أفكار لو كنا نستطيع مواجهتها بالفكر، ويقول: مشكلتي تبدأ حينما تتحول أفكار هذا التيار إلي أعمال عنف، ولو تم القبض علي السلفيين بتهم إحراق الأضرحة، والتعدي علي مواطنين، فإنه في هذه الحالة فقط يمكننا أن نؤكد أنهم تحولوا من منطقة الأفكار إلي منطقة التنفيذ، وعلي المجتمع أن يكون صدره رحبا تجاه الأفكار، أي أفكار. وعن الفكر الذي يمكن به مواجهة الفكر السلفي، فيما يتعلق بكيفية مواجهة أفكارهم ومن وجهة نظر حقوقية، فذلك عن طريق نشر أفكار الدولة المدنية، ياريت تعمل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان لقاءات في القري والمراكز تتحدث فيها مع الناس عن حقوقهم، الآن علينا أن ننتقل من مرحلة حديث النخبة للنخبة إلي حديث النخبة للناس". الكاتب الصحفي صلاح عيسي يتفق مع البرعي في وجهة نظره مؤكدا أننا يجب أن نعي أن معركتنا مع التيار السلفي أيديولوجية وليست بوليسية، إلا في حالة استخدامهم للعنف. وعن سبب علو صوتهم في هذا التوقيت قال: علي المستوي الأيديولوجي، صوتهم كان عاليا حتي قبل ثورة 25 يناير، فقد كانت هناك معركة أيديولوجية ضدهم، تمثلت في قرارات إلغاء قنواتهم الفضائية وغيرها، وكانوا هم يردون علي هذه القرارات، لكن الحركة الطليقة المرتبطة باستخدام العنف واللجوء لتغيير المنكر باليد، فهذه لم تكن موجودة من قبل بسبب القبضة الأمنية والقانونية، بالإضافة لتغيير موقفه، فقبل الثورة كان هذا التيار يدين التظاهر والخروج علي الحاكم ولم يكن أحد يتعرض لهم، أما الآن فقد أخذوا خطوة العمل بالسياسة، إذا الظرف الثوري هو من سمح لهم بهذا الانطلاق. وعن إمكانية انزلاق الشعب المصري، وراء الأفكار السلفية؟، أجاب عيسي: تم عزل وعي الشعب المصري في الخمسين أو الستين عاما الماضية، ومن السهل اقتحام عقولهم، الفكر الديني يخاطب غرائز الناس وفطرتهم، وعدم وجود حركات سياسية وفكرية نشطة تجتذب الناس يعني أن هذا التيار يمكنه أن يستلب الجمهور ويغيبه عن الوعي"، ويتابع" هذه معركة كبيرة تحتاج لديمقراطية لإدارتها". وأرجع عيسي اهتمام الناس بالسياسة ومتابعة الأخبار والصحف، إلي اهتمامهم بالنميمة، فالصحف تكتب الآن عن الفساد وكشف المخبوء، وقد ارتفعت مبيعات الصحف بمنطق التلصص علي الآخرين، وليس بسبب الوعي السياسي الذي تتحدثين عنه، المشكلة الأساسية أن المجتمعات لا تتغير بين يوم وليلة، نحن أمامنا عدة سنوات إلي أن تستقيم الأمور ويتحقق ما نتمناه. القاص سعيد الكفراوي يتعامل مع لحظة التغيير الراهنة علي أنها تنفتح لجميع الاحتمالات منها ما يتعلق بالديمقراطية وتكوين أحزاب وجماعات جديدة ومنها ما يتعلق بظهور ظواهر لا تخضع للعقل ولا للفهم أو السؤال، ويقول: بمجرد استقرار الوضع لن يبقي إلا الحقيقي المعبر فعلا عن حلم الناس ورؤاهم بوطن مستنير، أما الجماعة السلفية فهي إفراز لزمن ماضي، تكونت في حماية سلطة متواطئة، وقد رأينا الإخوان المسلمين كجماعة دينية تمارس الدين والسياسة في الحقبة الليبرالية أيام الملكية علانية، وبسبب هذا الإعلان وحقها في الحرية لم يكن لها تأثير في الواقع، ولم تكن تقاس قيمتها بأقل القليل من حزب مثل حزب الوفد، لأنه كانت ثمة فرصة للنقاش والمحاورة والنقد، لكنها في إطار العمل السري تحولت إلي كائن خرافي مرعب يخرج الآن في شكل جماعات سياسية ومقاومة ثم سلفية. وتابع: دعونا نري الجماعات السلفية ونناقشها فيما تصنعه، هي مرفوضة بكل أفعالها من الشعب المصري، ما الذي تعنيه تلك الجماعات بهدم الأضرحة ومقابر الناس الطيبين الموجودة في الوعي الشعبي، وإيمان الناس بأن أهل الله حماة للمدينة؟، بتلك التصرفات والسلوكيات المعيبة ستخسر تلك الجماعات شرعيتها وستلفظ خارج السياق". وأضاف: تاريخ الإسلام رأي الكثير من تلك الجماعات: خوارج، جماعات متطرفة وحشاشين، وانتهي الأمر عنهم إلي سطور قليلة في متن التاريخ، والجماعة السلفية لن تحقق أي علاقة إيجابية مع المجتمع المصري، الذي يبحث عن الاستنارة والمجتمع المدني والحرية وسيادة القانون ويبحث عن مجتمع متقدم وديمقراطي. وعن أسباب انتشار المد السلفي يقول الدكتور عبادة كحيلة أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة: "الإسلام السياسي ليس كتلة صماء واحدة، إنما تنتظمه عدة تيارات، والدعوة السلفية بطبيعة الحال لدي بعض تياراتها قنوات اتصال مع إخوان لهم في السعودية، بالطبع الدعوة إلي احتذاء السلف الصالح شيء طيب، لكن هذه الدعوة قد توجه في بعض الأحيان لتحقيق أهداف بعينها، خصوصا بعد استقرار أعداد كبيرة من المصريين في المملكة العربية السعودية وتأثر هؤلاء بالوهابية. وفي توضيحه لكيفية مواجهة هذا المد السلفي يقول كحيلة: "أنا من دعاة الدولة المدنية التي من الممكن أن يكون لها مرجعية إسلامية، لكن لا يمكن أن يوجد هناك من الجماعات السياسية الإسلامية أو التي تدعو نفسها إسلامية أن تتحدث باسم الدين أو الإسلام، لأننا كلنا مجتهدون وممكن لنا أن نخطئ أو نصيب، شريطة ألا يتعارض هذا الاجتهاد مع ثوابت الدولة المدنية المتمثلة في دستورها. بالنسبة لبعض الممارسات التي يقوم بها بعض الإسلاميين، فلا يمكن أن أقبل بها ومن نصبوا أنفسهم قضاة لتنفيذ الحدود، أري أنهم لابد أن يخضعوا للمحاكم الجنائية، لأنه حتي إذا اعترفنا جدلا بضرورة تطبيق الحدود، فإنه باعتراف الفقهاء أنفسهم أن الذي يقوم علي تطبيقها هو الحاكم نفسه أي رئيس الدولة. في تعليق الدكتور عبد المنعم تليمة علي ضعف دور المثقف حتي الآن في توعية المجتمع سياسيا لمواجهة المد السلفي وفرض أيديولوجياته، يقول: "عشرات السنين وهناك احتكار لإدارة البلاد، يعنينا الآن علي مستوي التعليم والعلم والإعلام، بحيث إن السلطات تقوم بإدارة البلاد محتكرة كل شيء فتسرب ما تريد وتحجب ما تريد، بالتالي المثقف تحول لموظف لدي توجهات السلطة، لكننا كنا نتنفس من خلال المؤسسات المدنية والمستقلة قدر المستطاع". وعن الأدوات والآليات يقول تليمة: لدينا قانون 84 لعام 2002 الذي يسمح بتكوين جمعية من عشرة أشخاص فقط، لأنه لابد من المواجهات المؤسسية وهنا أعني المؤسسات المستقلة في كافة أشكال الفن، وهي الأجدي لتكون منظمة وعميقة التأثير وفعالة بشكل حقيقي، من هنا نحمي النهضة المصرية والثورة المجيدة، ونواصل خريطة النهضة في توعية سياسية مؤسسية، بهذه الطريقة نستطيع مواجهة كل الأنظمة الشمولية المتخلفة. ويقترب رأي الكاتب شريف الشوباشي من رأي تليمة ويقول: هذه التيارات السلفية هي صنيعة النظام السابق، فأعتقد أن هذا النظام لعب بالنار لأنه أراد أن يكون هناك بديل واحد للحاكم، أولا يكون مرفوضا من أمريكا الحامية للنظام، وثانيا يكون مثيرا لخوف وقلق الشعب المصري، فكانت النتيجة أنه انتهج سياسة شيطانية بتشجيع الخطاب الديني المغيب للعقول، الفكر السلفي، وكل ما هو معاد للديمقراطية، وفي نفس الوقت ضرب بيد من حديد علي التيارات السلفية والجماعات الإسلامية علي أساس أن لها علاقة بالإرهاب، وهو ما ليس صحيحا". الناشطة داليا زيادة مدير المكتب الإقليمي لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأمريكي أبدت انزعاجها، وقالت: " ببساطة نحن لسنا في مرحلة تطبيق الديمقراطية، بل إننا في مرحلة البناء والإعداد لها والتي لابد فيها من تمييز الخبيث من الطيب، بالتالي لابد من إقصاء التيارات الدينية المتشددة كالسلفيين لأنهم في الأساس لا علاقة لهم بالسياسة. فنحن قررنا العمل بنفس وسائل السلفيين في نشر أفكارهم وتوجيه الناس، سننزل للمجتمع ومعنا شيوخ من الأزهر والأوقاف معتدلون ومستنيرون يشرحون للناس.