يمر اليوم قرابة الشهرين علي ثورة «25 يناير»، أولي الثورات الشعبية تأثيرًا في تاريخ مصر المعاصر، والتي شارك بها عدد كبير من المثقفين والأدباء إلي جانب أطياف الشعب الأخري، مما حفزهم علي إنتاج أعمال أدبية ومؤلفات عن الثورة، رأي بعض النقاد أنها ليست علي مستوي الحدث، والبعض الآخر احتفي بها واعتبرها مغامرة من هؤلاء الكتاب. فكان السؤال كيف يرون هذه الكتابات وبالنسبة للأدباء هل سيكتبون قريبًا عن الثورة أم مازالوا بحاجة لوقت أكثر لاستيعاب الحدث؟ أيضًا دور النشر هل ما أنتجوه هو ما عرض فعليا عليهم أم أنه نتيجة اختيار من متنوع ومتعددة؟ وما هو ردهم علي رؤية البعض أنه استغلال للحدث؟ فكانت هذه الآراء والأجوبة التالية: بسؤال الناقد الدكتور محمود الضبع عن رأيه في الكتب التي ظهرت عن الثورة: «حدث الثورة لم يكن حدثا عاديا في تاريخ مصر، وإنما كان استثنائيًا بكل المقاييس فاق كل التوقعات وتجاوز حدود المنطق العقلي والنظريات السياسية والقوانين الطبيعية، فلم يسبق في تاريخ الشعوب أن تحول المسار بأمه خلال ثمانية عشر يوما، تقوضت فيها صروح ما كان لها أن تنهار، ومن ثم فإن إمكانية استيعاب هذا الحدث كلية يعد دربا من المستحيل حتي الآن، فنحن لم نزل بعد نستيقظ صباحًا وننظر إلي السقف في محاولة للتأكد، قائلين لأنفسنا: «هل حدث هذا بالفعل؟!». معني ذلك أن محاولة الإلمام بالثورة وكتابتها الآن، سوف تجعلنا نتعامل مع الأمر بمنطق العميان مع الفيل: الذين طلب منهم وصف الفيل فوصف كل منهم ما لمسه بيده فقط، معتقدا أن هذا هو الفيل. ومعروف في علم للإبداع أن فورة الحالة الإبداعية لا يمكن استيعابها في لحظتها، وإنما تحتاج إلي تهذيب وتشذيب تمامًا كما تحتاج الصخرة إلي أيام طوال من النحت والتكسير وإزالة الزوائد حتي تتحول إلي قطعة فنية. وقد نصح كثير من الأدباء العظام أمثال تولستوي وماركيز، بالصبر علي الحالات الإبداعية لاستيعابها، والكتب التي صدرت حتي الآن لتعبر عن ثورة الخامس والعشرين من يناير، تنقسم إلي قسمين: القسم الأول إبداعي بعضه كتب قبل الثورة، متنبئا ببعض أحداثها، والثاني بعد الثورة واصفا الجانب منها. أما القسم الثاني فهو دراسات تحاول التأريخ للثورة وكلا القسمين كانت الكتابة فيه متعجلة إذ إن الثورة لم تنته بعد، ومن ثم جاءت هذه الكتابات مجتزئة ولا ترقي لمستوي الحدث. وعن رأيه في مدي مصداقية ونزاهة الدافع لهذه الكتابات، يقول الضبع: «تنم الكتابات عن أن أصحابها لم يكن انشغالهم الأول هو تقديم حالة ابداعية متميزة، بقدر ما كان الانشغال هو البحث عن شهرة علي طريقة «الحق فرصة». وإذا أردنا التدليل علي ذلك فلنقارن بين الأعمال الابداعية التي أنجزت بعد ثورة يوليو 52، ولا ننسي في هذا السياق أن نجيب محفوظ ظل متوقفا بعد الثورة ست سنوات، فقط لأنه لم يكن قادرا علي استيعاب الحدث بسهولة، فأين هذا من الأعمال التي تصدر الآن؟! ومدي بساطة تناولها للثورة. وعن رأي أستاذ النقد والأدب المقان شريف الجيار بآداب بني سويف حول كتابات الثورة يقول: «يلاحظ أن ثورة 25 يناير مثلت لحظة إلهام للعديد من الشعراء داخل القاهرة وخارجها، لا سيما هؤلاء الشعراء الذين مكثوا في ميدان التحرير من الوهلة الأولي حتي النهاية الثمانية عشر يوما، حتي نجحت الثورة وأثمرت ما يزيد علي ثلاثمائة قصيدة ما بين الفصحي والعامية معبرة عن مجد هذه الثورة البيضاء وما أظهرته من تكاتف الشعب المصري شبابه وشيوخه ونساؤه وأطفاله ورجاله، محققين حريتهم وأملهم في ديمقراطية حقيقية عنوانها «الحرية والعدالة الاجتماعية» وبالتالي استطاع الشعر كنوع أدبي لا سيما شعر العامية المصرية أن ينقل إلينا صورة حية ونابضة بوجدانيات الشعب المصري الذي اكتشف نفسه مرة أخري فاكتشف لحمته القادرة علي التغيير وعودة السلطة إلي الشعب لا الفرد، وإلي جانب الشعر ظهرت مجموعة من الكتب منها علي سبيل المثال لا الحصر كتاب «ثورة الغضب» للقاص مراد ماهر والذي يمثل باكورة الانتاج الابداعي للتعبير عن ثورة «25 يناير» والذي اتكأ فيه المبدع مراد ماهر علي تقنية السينما «المشهدية» للتأريخ للثورة، ليس في ميدان التحرير فقط ولكن في كل ربوع مصر من السويس إلي الإسكندرية إلي المحلة إلي باقي ربوع مصر، ويحسب لهذا الكاتب أنه أرخ لهذه الثورة وبلغة ابداعية معتدلة يغبطه عليها الكثيرون، ويؤكد أن الثورة قد أثرت وبشكل سريع في المبدع المصري والعربي، وأعتقد أنه في غضون عام من الآن ستخرج ابداعات كثيرة معبرة عن ثورة «25 يناير» في كل الأنواع الأدبية من الرواية والقصة القصيرة والمسرح وغيرها من الأنواع الابداعية بعدأن يستوعب الخيال الابداعي للحالات الانسانية من الشهداء والأحياء داخل هذه الثورة فتخرج علي الورق، مؤرخة لثورة من أهم الثورات في تاريخ مصر الحديث تركت بصمتها بشكل واضح، ليس للمصريين فقط ولكن في شعوب العالم العربي، تلك الثورة التي غيرت الخطاب السياسي العالمي فضلاً عن الخطاب الإعلامي العالمي والقومي تجاه مصر والمنطقة العربية والتي جعلت صورة المصري تعود إلي المشهد العالمي مرة أخري، ومن ثم يجد المصري مكانته واحترامه في كل ربوع المعمورة. ذكرت في بداية حديثك أن هناك قرابة ثلاثمائة قصيدة عن الثورة هل الشعر أسبق في التعبير عن الأنواع الأدبية الأخري؟ أجاب الجيار: «لا يمكن أن نقول إن الشعر بمفرده هو الذي يعبر عن الثورة، ولكن نقول نظرا لأن القصيدة الشعرية لا سيما العامية، هي من الممكن أن تقرأ شفاهة بالميدان، وأن تعظم أيضًا في الميدان فهي أكثر ملاءمة لطبيعة سرعة الأحداث داخل ميدان الثورة في التحرير لكن الأنواع الأدبية الأخري كالرواية والقصة القصيرة والمسرحية هي في احتياج إلي وقت حتي يختزن الكاتب لأحداث ونماذجها البشرية المختلفة، ثم يحتاج إلي وقت أطول من الشاعر حتي يستطيع أن يعبر عن هذه الأحداث المتشابكة ونماذجها البشرية المختلفة. أما الأديب إبراهيم عبد المجيد فيقول: «هي كتابات جيدة مثل كتابي «كان في مرة ثورة «لمحمد فتحي و«ثورة الغضب» لمراد ماهر، ففي الوقت الحالي، هذه الثورة سيكتب عنها كتابات عديدة لاحقا، إنما هي كمغامرة وجرأة جيدة منهم، وانفعالهم بالحدث الذي عايشوه من بدايته، فهم من جيل الثمانينيات أي بداية عهد مبارك. وبالنسبة له ككاتب فهو يستعد حاليا للكتابة عن الثورة في خلال شهر من الآن، أما كدار نشر «الياسمين» وعما سينتجه من أعمال عن الثورة قريبا يقول: «هناك مجموعة من الشباب تكتب يومياتها عن الثورة، انتظرهم حتي تكتمل كتاباتهم لدخولها لجنة القراءة وفرزها وانتقاء المناسب منها للنشر». وإلي دور النشر لحصر كم الكتابات التي تم ارسالها إليهم، وعن حجم الانتقاء يقول الناشر يحيي هاشم «دار اكتب» والذي أصدر «كان في مرة ثورة» لمحمد فتحي، «ثورة الغضب» لمراد ماهر «وليلة سقوط الرئيس» لسامي كمال الدين: «هناك الكثير جدا من الكتابات، فهناك كتب من قبل الثورة كانت ممنوعة من النشر، وهناك كتب أخري كتبت بعد الثورة، رغم أنني لا أراها قد انتهت بعد، لكن هناك العديد من الكتابات، لذلك هناك عملية انتقاء دقيقة تتم قبل النشر. لأنه لو اصبح الموضوع مفتوحا بلا انتقاء سيقدم كتابات لن ترقي لمستوي الحدث «خاصة الكتابات التوثيقية أو التأريخية، إنما الأعمال الأدبية لا تمثل أي عائق بالنسبة لي كناشر». وعن رؤيته لاتهام البعض بأن هذا يعد استغلالا للحدث نظرًا لأن ثورة 52 كتب عنها بعد سنوات طويلة، يقول هاشم: «ثورة يوليو قام بها مجموعة من الضباط فهم مالكون لأسرارها، إنما هذه الثورة الشعبية فهي ملك شعبها، لذلك انفعلوا بها وكتبوا عنها لأنهم عايشوها، فقدموا رؤيتهم الأدبية للحدث، فكتاب «ثورة الغضب» لمراد ماهر هو تناول لفكرة الثورة. أما «كان في مرة ثورة».. لمحمد فتحي كأنها حدوتة يحيكها لأولاده وهي فكرة أتت إليه وهو في ميدان التحرير، أن يحكي لهم لماذا قامت الثورة وعن عصر مبارك. أما «ليلة سقوط الرئيس» فهي مقالات مجمعة لسامي كمال الدين كتبت قبل وأثناء وبعد أحداث الثورة فهذه الأعمال التي تم نشرها كتبت عن الثورة وليست تأريخا للثورة، فأين مبدأ الاستغلال الذي يظنه البعض. فما نشرته دار اكتب هو تعبير عن الثورة وليس تأريخا لها الذي أراه سيتم في مراحل لاحقة». أما الناشرة سمية عامر «دار كيان» فتقول عن نوعية ما عرض عليها من كتب: «أنا عرض علي كتابين أحدهما توثيقي عن الثورة بالفوتوغرافيا وغيرها من الوثائق، لكني لم أتحمس للنشر، نظرا لأن هناك مكتبة الإسكندرية تقوم بعمل توثيقي للثورة والذي بالتأكيد سيكون عملاً أكثر تأثيرا نظرا لإمكانيات المكتبة. أما الكتاب الثاني فهو للكاتبة الصحفية هالة صلاح وهو توثيقي أيضا لكن عن الثورات العربية التي تمت في تونس، مصر، اليمن، وليبيا من خلال الفوتوغرافيا ويصاحب الكتاب «سي دي» عليه أفلام أيضا لهذه الثورة، كما أنها تتعرض لأثر هذه الثورات علي توازنات القوي في العالم، كذلك تناقش الموقف الأمريكي من هذه الثورات كمحاولة لرصد تغيير المواقف الأمريكية والأوروبية من هذه الثورات تبعًا لطبيعة كل دولة». في ردها علي اتهام البعض أنه استغلال للحدث تقول عامر: «ليست كل الكتابات تسير في اتجاه استغلال الحدث، لكن في رأيي مهم أن نوثق للحدث، فأعتقد أنه لسنوات قادمة سيكتب عن هذه الثورة بمختلف وجهات النظر مما يعد إثراء لها وللحياة الثقافية، فنقد الثورة والإضافة لها سيكون متجددًا، من خلال الكتابات والرؤي المختلفة التي سيتم نشرها ومناقشتها فيما بعد بالندوات، والقارئ قادر علي انتقاء الحقيقي من المزيف».