نخدع أنفسنا بحق إن ظننا أن إصلاح الأوضاع السياسية في مصر سيتم بتغيير أنظمة سياسية (مستوردة)، أو بأنظمة سياسية (مترجمة) ومفرغة من مضمونها الذي تعارف عليه أهلها من الصناع الحقيقيين لها، ك (النظام الديمقراطي) أو (النظام البرلماني) أو (النظام الرئاسي)، فكل هذه الأنظمة وغيرها هي أنظمة غربية تم استيرادها وجلبها من الدول الأوروبية إلي العالم العربي، وتم ترجمتها وتطبيقها بصورة كاذبة خاطئة، فلا أفلحنا في إقامتها كما هي ولا أفلحنا في تطبيقها كما طبقها أهلها، فتحولت إلي أنظمة مسخ لا معني لها ولا دلالة، ونخدع أنفسنا بحق إن ظننا أن الإصلاح السياسي سيحدث في مصر بتغيير وجوه بوجوه أخري، أو باستبدال سلطة بسلطة أخري عبر انتخابات حرة نزيهة، ونخدع أنفسنا بحق إن ظننا أن الأوضاع السياسية في مصر ستسير إلي الأفضل بعد إسقاط نظام الرئيس مبارك، وبعد تعديل الدستور أو تغييره. المفكرون والساسة في الغرب حين بدأوا في رص صفوفهم السياسية والاجتماعية بعد زوال سلطة الكنيسة في أوروبا، وحين بدأوا التفكير في قضاياهم الكبيرة والهامة، وحين بدأوا في معالجتها، بدأوا من الأسس، من الأصل، من الكليات العامة، ومن الموروث الفكري والثقافي والاجتماعي والتاريخي، فلم يخرجوا في أطروحاتهم السياسية عن تاريخهم وتراثهم الفكري وثقافتهم المتوارثة، ومثلا علي ذلك فكرة (الديمقراطية)، وجميعنا يعلم أن (الديمقراطية) هي من صميم الموروث الفكري والتاريخي الغربي، فإنشاء المجتمعات الغربية لأنظمة سياسية نابعة من فكرة (الديمقراطية)، هم لم يقوموا باستيراد فكر سياسي غريب عنهم أو عن موروثهم الفكري والثقافي والتاريخي، فنجح الغرب في بلورة الفكر (الديمقراطي) الغربي الموروث، ووضع الآليات المناسبة لتحويله إلي واقع حقيقي يحيي الناس في ظلاله. أما المجتمعات الشرقية العربية والإسلامية فمعظم أبنائها إن لم يكن جميعهم علي اختلاف مذاهبهم ومشاربهم واتجاهاتهم الفكرية والدينية سواء الذين منهم من لا يزالون يعيشون في المنطقة، أو الذين رحلوا منها إلي الغرب، حين بدأوا في رص صفوفهم السياسية والاجتماعية بعد زوال الاحتلال الأجنبي عن بلدانهم، وحين بدأوا يفكرون في قضاياهم الكبيرة والهامة، وحين بدأوا في معالجتها، لم يبدأوا من الأساس، ولا من الأصل، ولا من الكليات العامة، ولا من الموروث الفكري والثقافي والاجتماعي والتاريخي للبلدان العربية والإسلامية، إنما قاموا باستيراد الأنظمة السياسية الغربية التي تقوم علي فكرة (الديمقراطية)، وخرجوا باطروحاتهم السياسية عن تاريخهم وتراثهم الفكري وثقافتهم المتوارثة، فعجزت النخب العربية والإسلامية عن إقامة الديمقراطية بمدلولها الحقيقي كما هي مقامة في الغرب ولن يستطيعوا في المستقبل، وعجزوا عن إيجاد نظام عربي إسلامي إنساني فريد. ولا يعود سبب ذلك العجز العربي الإسلامي عن إيجاد نظام سياسي نابع من فكر ذاتي ذي خصوصية عربية إسلامية إلي أننا شرقيون وعرب ومسلمون، أو أن ثقافتنا العربية وفكرنا الإسلامي عقيم عن إيجاد ذلك النظام، كلا، إنما يعود السبب الحقيقي إلي أن الشخصية الشرقية العربية المسلمة قد تحولت إلي شخصية غربية (مترجَمة)، هذه الشخصية الغربية المترجمة (الشرقية العربية الإسلامية سابقا) أصفها بأنها (مترجمة) لأنها عارية من الخصوصية الفكرية، والذاتية الفكرية، والتميز الفكري، بمعني أن النخب الشرقية العربية ليس لديها فكر جديد يقدمونه للناس في أي من المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الفكرية، بل كل ما لديهم من فكر في أي مجال هو في الأصل صناعة غربية بامتياز، قاموا بترجمته فشوهوه، فلا تركوه غربي القلب والقالب، ولا أصبح شرقيا عربي القلب والقالب. فحين قاموا بترجمة الديمقراطية الغربية لجعلها ديمقراطية شرقية عربية أصبح لدينا برلمانات بها كراسي، والكراسي من فوقها أعضاء، والأعضاء جاءوا عبر انتخابات، والانتخابات جاءت عبر تصويت الشعب، لكن هل الديمقراطية المترجمة أفرزت لنا نفس الديمقراطية الغربية؟؟ أترك الجواب للقارئ. (البقية تأتي) باحث إسلامي- مقيم في أسيوط