بمساحاته التى لا حدود لها بصرياً عشقت الفنانة إيمان عزت الأرض والحقول وأصبحت مصدر إلهام لها، تقضى جزءًا من يومها تتأمل اللقاء اليومى الافتراضى بين الأرض والسماء، ويشغلها هذا اللقاء وتنظر له برؤيتها الفلسفية كلقاء صوفى وروحاني، وكأن عيون الأرض دائما ما تنظر إلى السماء وإلى الخالق، وهى أشبه بحالة من الزهد والصوفية وكأنها صلوات الأرض للخالق، وقد عبرت الفنانة فى أكثر من لوحة عن هذا اللقاء الافتراضى بين مساحات الأرض والسماء بشكل مختزل فى شكل مساحات خطية لونية صافية شفافة انبعثت من دائرة الشمس وتوحى بالحالة الروحانية. الصوفية تعنى الزهد عن تفاصيل الحياة وتجريدها من كل الأشياء التى تعوق العبادة والبحث والتأمل فيما هو أعمق، ولكن كيف يترجم هذا المنهج الصوفى فنياً وتشكيلياً، وما هو الإيقاع الصوفى ذلك العنوان التى اختارته الفنانة لمعرضها المقام فى قاعة «الباب» بمتحف الفن الحديث، وما سبب اختيار الفنانة إيمان عزت هذا التصوف التشكيلى التجريدى؟!. لم تحدد الفنانة عنوان معرضها إلا بعد انتهائها من الأعمال واكتشفت أن عالمها الخاص بدأ ينكشف أمامها، لم تكن تعرف ما يدور بأعماقها عن صوفية الأرض والمكان، وأصبح الأسلوب التجريدى هو أقرب الأساليب لتوصيل رسالتها. بمجرد قراءة عنوان المعرض «إيقاع صوفي» يبحث المشاهد عن لقطات تعبر عن الطرق الصوفية كما يعرفها، ولكنه سوف يصدم ولكنها صدمة فكرية تستدعى بها المتلقى للمزيد من التأمل، لم يجد المتلقى فى اللوحات عناصر بشرية فى حاله زهد، ولم يجد رقصة التنورة ولا غيرها من مظاهر الطرق الصوفية، لكن ببعض التأمل فى الأعمال سيجد انه أمام حاله فنية مختلفة تماما، وأن الظواهر الصوفية التى لم يجدها بشكل مباشر سوف يجدها فى عمق الأعمال فى بساطة الاختزال والتجريد، سوف يجد رقصة التنورة فى شكل دائرة لها مركز يجتمع منه الضوء ويعبث بمجموعه شعاعًا لها درجات تقترب من المركز، وان الصوفية التشكيلية التى تقصدها الفنانة ليست مجرد طرق ترسم ولكنها منهج فلسفى يمكن التعبير عنه بأسلوب فنى آخر غير المعتاد وغير التقليدى. إذا كان المشهد المعتاد للأرض أو «الغيط» مليئًا بالتفاصيل والعناصر البشرية والمعمارية التى تمثل بالنسبة للفنانة أشياء تعرقل التجربة الصوفية تشكيلياً، ولأنها تملك قدرة على اختزال العناصر والأشكال ناتج من خبراتها السابقة فى معارضها، تمكنت بتجريد الأرض من كل التفاصيل حتى وصلت إلى أن الأرض هى تلك المساحات الصافية التى يتخللها أضواء الشمس أو القمر بإيقاع وتناغم روحانى، وخطوط الأرض تحمل إيقاعات بعلاقاتها وتقسيماتها، وأن الشمس أو القمر هو تلك الدائرة مركز الكون وقد حملت هذه الدائرة إسقاطًا ذهنيًا نابعا من عالمها الخاص، عرضت الفنانة، 18 لوحة بحجم كبير بأسلوب الحفر «الجرافيك» بدرجات لونية هى لون طين الأرض اقرب إلى الرمادى الممزوج ببداية للون البنى.