هل أسقط علاء الأسواني وزارة أحمد شفيق؟ وهل أسقطت قناة ont.v التليفزيونية الخاصة رئيس الوزراء المصري؟ وهل أسقط «الأديب» في مقاعد المتفرجين، «السياسي» ومعه وزارته بمن فيها؟ هذه الأسئلة الثلاثة قد تلخص جزءًا مهمًا من المشهد المصري الآن، وقد تضيء الطريق نحو مشهد مصري جديد، أو مختلف في السنوات المقبلة، وقد تكون مجرد إضاءة سريعة ومبهرة في لحظة انتقال لا تدوم.. ولحظة انتظار طالت، فلما لاحت بوادر الانفراج أطاح «المنتظرون» بمن رمته أقداره أمامهم في غير مقدرة علي مزيد من الاحتمال.. والأمر ليس لغزًا، فقد اعتقد الدكتور أحمد شفيق، الذي لم يناده أحدا غالبًا بهذا اللقب العلمي وفضلوا عليه اللقب العسكري «الفريق أحمد شفيق» اعتقد أن بوسعه أن يبذل جهدًا مهمًا في سبيل مصر التي بذل من أجلها جهودًا كبيرة قبل هذا الوقت، منذ كان ضابطًا في سلاح الطيران، ثم قائدًا له، ثم إكمال دراساته العليا وصولاً إلي الطيران المدني وتحديثه والانطلاق به في قفزة كبري وهو وزير له، اعتقد أحمد شفيق أنه بهذه القدرات كلها والإنجازات المهمة قد صنع لنفسه واسمه موضعا ومكانة لا تتغير في مصر، وأنه من هذه المنطقة يقدر علي الانتقال بالبلد من عهد لعهد وفقًا لتكليفه من الرئيس السابق، لكن منطق الثوار كان غير هذا، فقد كرهوا العهد البائد بكل ما فيه، ومن فيه، كرهوا كل الأسماء والشخصيات التي ساهمت فيه وتداخلت معه سياسيًا وحزبيًا ووزاريًا، ربما لو كانت ظروف شفيق دفعته إلي صدام مع النظام السابق، مع مبارك أو نظيف أو غيرهما، ودفعته للخروج من النظام، لتقبله الثوار، لكنهم رفضوه منذ اليوم الأول، بينما كان هو يحاول أن يجد مساحة للقبول والتفاهم مع الجميع، وكانت وسائل الإعلام هي الجسر، وقنوات التليفزيون تحديدًا، وبرامج «التوك الشو» المهمة بداية من «90 دقيقة» بقناة المحور، قبل توقفها، إلي قنوات وبرامج متعددة، هل أصاب رئيس الوزراء السابق؟ وهل أخطأ؟ المؤكد أنه حاول الانتقال إلي الشعب من خلال نوافذ عديدة بدءًا باجتماعات مع رؤساء تحرير الصحف، إلي كل برامج التليفزيون المهمة، بل إنه بدأ بالقنوات الخاصة وليس التليفزيون الرسمي، وبدأ بالاعتذار عن موقعة «الجمل» في سابقة لم تحدث من قبل في بلادنا، وبدا أن أسهمه ترتفع لدي جماهير «البيوت» الذين رأوا فيه طرازًا مختلفًا من المسئولين، له خطاب غير محترف تمامًا «وفي هذا الإطار نتذكر في الأيام الأخيرة خطابات مبارك قبل التنحي، وخطابات فيلم خطاب الملك الحاصل علي الأوسكار منذ أسبوع». كان خطاب شفيق مزيجًا من محاولة شرح النفس وتقديمها مع مقتطفات من الرؤي لما يحدث في مصر، وكانت جماهير «الشارع» بعيدة عن تقبل هذا، وعن التأثر به، لا تلين ولا تريد مجرد أن تراه فضلاً عن التحاور معه.. فهو في نظرها «ابن العهد البائد».. وهل هناك منا جميعًا من لم يعش في هذا العهد؟ وكيف نفصل هذا الفصل الحاسم البتار بين بعض العائشين فيه فنضعهم في سلة الأعداء والبعض الآخر نضعه في سلة الأصدقاء؟ إن حساب البشر للبشر يجب أن يكون بمقاييس من ذهب ومعايير واضحة لا التباس فيها، فكثير مما في هذه الرغبة الثورية في التغيير جاء من تراكمات لسلوك وآراء وأفعال مئات بل آلاف وملايين الناس في مصر رفضت الظلم والمظالم وعبرت عن هذا بقدر استطاعتها وعلي مدي سنوات وأيام من خلال وسائل الإعلام الورقية أكثر من غيرها، وعلينا، بعد أن تستقر الأمور أن نعطي لكل ذي حق حقه، وأن ندرك أن الوطن الجديد لا يبني من خلال فصيل واحد فقط.. وهو ما أتوقع أن يحدث في إطار الشعارات الأساسية لثورة 25 يناير «سلمية مدنية عدالة وحرية ومساواة» ولهذا أعتبر أن تلك المواجهة بين رئيس الوزراء السابق د.أحمد شفيق وبين خصومه في برنامج «بلدنا بالمصري» التي بدأت مقالي بها حدث شديد الأهمية في علاقة الإعلام بنظام الحكم، وعلاقة المحكوم بالحاكم، فلم يحدث أبدًا أن وصل النقاش بين خصمين سياسيين أحدهما هو رئيس الوزراء إلي هذه الدرجة من الانفعال والتفاعل، وإلي هذه الدرجة من التراشق ومحاولة سيطرة طرف علي طرف، ولدرجة وضعت مقدمي البرنامج ريم ماجد ويسري فودة في حرج شديد، وأيضًا وضعت شريكي الاستضافة في حالة قلق وترقب «حمدي قنديل ونجيب ساويرس». وفي متابعة من داخل القناة، تبين أن رئيس الوزراء السابق كان من المفترض أن يحل ضيفًا علي البرنامج في جزئه الأول مع ضيفين مهمين أيضًا هما الدكتور كمال أبوالمجد أستاذ القانون ووزير الإعلام الأسبق والدكتور عمرو حمزاوي الباحث في العلوم السياسية، لكنه وافق بل صمم علي استكمال المناقشة مع الضيفين التاليين في الحلقة وهما الكاتب علاء الأسواني والإعلامي حمدي قنديل وأيضًا الأستاذ نجيب ساويرس الذي «وربما لأول مرة» يقدمه يسري فودة علي أنه مالك القناة، وهو ما رفضه» لكننا هنا بإزاء مجموعة أفكار لابد من تسجيلها أولها أن رئيس الوزراء استجاب للحوار مع مجموعة من الشخصيات العامة والمفكرة مدفوعًا بتجارب سابقة مع شخصيات غيرها حاورها من قبل، وثانيها أنه أي شفيق رفض تحذيرًا من ساويرس بالاعتذار عن النصف الثاني للحلقة بعد أن أتم النصف الأول بنجاح برغم سخونة الحوار الذي أدارته وحدها مقدمة البرنامج ريم ماجد، الشديدة الحماس للثورة «والتي تحولت مرارًا من موقف المحاور لموقف المحققة فيما يخص طلبات الثوار التي لم تجب»، ثالثها: أن رئيس الوزراء الذي وافق علي استكمال «الماراثون» فوجئ بشخصية ضاغطة منذ البداية «الأسواني» وشخصية جدلية «قنديل» لم يفلح معهما الأسلوب الناعم للشخصية الثالثة «ساويرس» في احتواء الخلاف المبكر بينه وبينهم، فتصاعد الحوار إلي صراع وخلاف لا يخمد إلا ليشتعل، فشلت مقدمة البرنامج، والمقدم الثاني الذي انضم إليها في تهدئته أو إعادة الجميع إلي فورمة وحرارة هذه النوعية من الحوارات. كان من الواضح أن الصراع ينزلق أحياًنا إلي الشخصانية وإلي تجادل خفي بين المثقف وصاحب السلطة، أو بين سلطة الثقافة وسلطة الحكم فتطايرت منه كلمات مثل «أفهمك.. لا أنا اللي حافهمك» وهكذا، وكان التحدي بين الكاتب ورئيس الوزراء معبرًا عن ذروة جديدة من الصراع الأكبر خارج الاستديو، صراع بدا فيه الكاتب مستقويًا بالشارع والثوار الذين يتحدث باسمهم، بينما استند رئيس الوزراء إلي جماهير أخري، كانت غائبة عن المشهد، لكنها متواجدة في البيوت، وحاضرة أمام الشاشة، ليبدو أن هناك شرعيتين تتصارعان، شرعية الثورة واستمرار الأوضاع كما هي وشرعية تري الانتقال إلي مرحلة أخري بما تحقق من إنجازات.. فرضت إحداهما منطقها في الاستديو، فغادر رئيس الوزراء البرنامج والوزارة بعدها فورا، ولم يكن يدري «مساء الأربعاء» أن جمهوره في البيوت سيخرج لمساندته بعد 24 ساعة، صباح الجمعة في مصر الجديدة «الكوربة» والمهندسين.. السؤال الآن هو: بعد هذا البرنامج «بلدنا بالمصري» وإنجازه الضخم.. هل يستطيع أحد في المرحلة المقبلة أن يقدر حجم تأثير الإعلام المرئي تحديدًا؟ وهل نحن في خطر الانقسام بين مؤيدي البقاء في التحرير، ومؤيدي الانغماس في العمل فورا.. مع أن كليهما من أنصار الثورة.. ومن الذي يحسم هذا؟