قبل أن تنتهي فترة حكم الفرعون بيبي الثاني خاطبه المؤرخ والحكيم المصري القديم إيبور قائلا: القيادة والفطنة والصدق معك، لكنك لا تنتفع بها، فالفوضي ضاربة أطنابها في طول البلاد وعرضها، لكنك مع ذلك تتغذي بالأكاذيب التي تتلي عليك، فالبلاد قش ملتهب والإنسانية منحلة، ليتك تذوق بعض هذا البؤس بنفسك. رحل بيبي الثاني عن حكم مصر وكتب بحكمه الذي استمر أكثر من مائة عام نهاية الدولة القديمة في مصر الفرعونية لتشهد البلاد فترة عاصفة أطلق عليها علماء التاريخ اسم عصر الاضمحلال الأول، امتد حتي قيام الدولة الوسطي وتميزت بالاضطرابات والقلاقل، حيث انهار نظام الحكم المركزي وتسمي كل من استطاع باسم فرعون. وظلت الفوضي، حتي عادت البلاد إلي الوحدة مع الأسرة الحادية عشرة، ليبدأ عصر الدولة الوسطي في مصر. ويذكر إيبور أن الأسرة السابعة التي حكمت مصر تكونت من سبعين فرعونا حكموا سبعين يوما، بمعني أنه كان في مصر في كل يوم ملك يحكم 24 ساعة فقط، ثم يقتله آخر، ويتولي الحكم بعده، وهكذا ظل الملوك يقتلون بعضهم بعضا لمدة سبعين يوما حكم مصر خلالها سبعون فرعونا.. لكن بعض المتخصصين في الآثار المصرية القديمة يرفضون هذا التفسير، ويذهبون إلي أن حالة الفوضي التي عاشتها مصر قسمتها إلي سبعين دولة، واستقلت كل مدينة بنفسها، وأصبح لكل منها فرعون يحكمها! ويقول المؤرخ والحكيم إيبور إنه في هذه الفترة ساد الخوف وانتشر القحط، وعم الانحلال الأخلاقي وعدم المبالاة بالتقاليد الدينية والمعتقدات الموروثة، وثار عامة الناس علي الموظفين وعلية القوم، وعصي الجند المرتزقة قادة البلاد، وبذلك انحل الحكم المنظم في مصر بالجملة. ويذكر إيبور أن أهل الصحراء قد حلوا مكان المصريين في كل مكان وأصبحت البلاد ملأي بالعصابات، حتي أن الرجل كان يذهب ليحرث أرضه ومعه درعه، وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين ولم يعد هناك رجال محترمون، وفقد الناس الثقة في الأمن، وعلي الرغم من فيضان النيل فقد أحجم الفلاحون عن الذهاب لفلاحة أرضهم خشية اللصوص وقطاع الطرق. وأصبح المعوزون يمتلكون أشياء جميلة، بينما نجد الأشراف في حزن لا يشاطرون أهليهم أفراحهم، ثم إن القلوب صارت ثائرة والوباء انبعث في كل الأرض، والدم أريق في كل مكان، وكثر عدد الموتي حتي أصبحت جثثهم من الكثرة بحيث استحال دفنها، ولذلك فإنها ألقيت في الماء كالماشية الميتة. وكل بلدة تنادي قائلة، فليقص أصحاب الجاه عنا، صارت الأرض تدور كعجلة الفخاري، فأصبح اللص صاحب ثروة، وتحول النهر إلي دماء عافتها النفوس، ودمرت البلاد وصار الوجه القبلي صحراء جرداء، وأصبحت التماسيح في تخمة بما سلبت، وانتشر حفارو القبور في كل مكان بسبب كثرة الموتي، وخربت البيوت. وانتهي الضحك فلم يعد يسمع، بينما أخذ الحزن يمشي في طول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسي، وكره الناس الحياة حتي أصبح كل واحد منهم يقول: يا ليتني مت قبل هذا.