في السيرة الشعبية للظاهر بيبرس، يطلق الحكاَّء الشعبي العنان لخياله ويتصور أشياء ربما كانت مستمدة من واقعه هو في عصره وليس لها صلة بذلك العصر البعيد الذي يحكي عنه. ومن خلال حكاياته نستطيع فهم الذهنية العامة لهؤلاء الذين يحكي لهم، كما يمكننا أيضا التعرف علي فهمه هو لمسألة الأمن القومي. ولعل أول ما تلاحظه في هذه السيرة هو قدرة بيبرس علي مواجهة أعدائه والقضاء عليهم فيما عدو واحد يخوض معه جولة تلو الأخري، ولا ينتهي أبدا صراعه معه، هذا العدو هو القاضي "جوان" الاسم كما تري ليس عربيا، والهدف من اختياره هو الإيحاء بأنه يعمل مع الغرب، هكذا تري أن نظرة الحكَّاء الشعبي المرتابة في الغرب قديمة للغاية، وهي النظرة التي مازالت تسكن أذهان المثقف المعاصر، وحتي عندما يستبعد الوعي الجمعي الخطر المباشر إلا أنه سيظل يري أنه ( مفيش حاجة تيجي من الغرب، تسر القلب) لو أنك قرأت بدقة كل مفردات المثقف المصري لابد أن تكتشف أنه مازال يعتقد أن الغرب هو المصدر الأكيد لكل الأشياء المحزنة التي لا تسر القلب. أعود للحكَّاء الشعبي ومسألة الأمن القوي، تحدث حوادث إجرامية في الإسكندرية، يتم خطف أطفال والاعتداء علي عدد من التجار، ويقوم رجال الأمن في الإسكندرية بمهمتهم بحثا عمن وراء هذه الحوادث، غير أنهم يفشلون ولذلك يرسلون إلي قيادتهم الأمنية في القاهرة وهي الظاهر بيبرس بالطبع، بعد أن تأكدوا أن المسألة تتعدي الجريمة إلي السياسة، أي أن هذه الجرائم ليس المقصود بها ضحاياها من أجل السرقة والحصول علي إتاوات مثلا، بل إن الهدف هو الدولة ذاتها. وعلي الفور يتخذ الظاهر بيبرس قرارا بالسفر متنكرا إلي الاسكندرية ثم يذهب إلي أحد البارات التي يعرف أنها أحد أوكار الجريمة، وفي البار يتعرف عليه أحد (العياق) من أفراد العصابة ويقرر تضليله وإغراءه بمتابعته لكي تقبض عليه العصابة، وهذا هو ما يحدث، يتبعه الظاهر بيبرس فيتم القبض عليه بالفعل. سأتوقف هنا لحظات لكي أعرض عليك ما اكتشفه أحد أعضاء المخابرات الانجليزية وهو ريتشارد رايت صاحب كتاب صائد الجواسيس في خمسينيات القرن الماضي، وهو أنه في اللحظة التي تتابع فيها الهدف، يحدث بالفعل أن يتابعك الهدف، وقد أثبت ذلك عمليا لإدارته، طلب منهم أن يراقبوا تحركاته في كل الشوارع التي يمشي فيها وفي آخر اليوم جاءهم بعدد من الصور الفوتوغرافية لسيارات وأشخاص المجموعة التي كانت تراقبه، ومنذ ذلك اليوم ظهرت طرق جديدة للمتابعة والمراقبة في كل أجهزة العالم، ولعل أهمها، تعرفه كرة القدم جيدا وهو رقابة المنطقة وليست متابعة لاعب للاعب آخر. المهم أن الحكَّاء المصري كان يعرف جيدا أنه في اللحظة التي يتابع فيها الظاهر بيبرس العصابة، كانت العصابة أيضا تتابعه. كان الهدف هو خطف الظاهر بيبرس شخصيا،والذهاب به إلي جنوا في إيطاليا، إنها إحدي مؤامرات القاضي جوان بالاشتراك مع ملك جنوا. ويوضع الظاهر مخدرا في صندوق ( اتضح أن حكاية الصناديق التي كان يخطف فيها البشر من أوروبا ليست جديدة، وأن خيال الحكَّاء الشعبي سبقها بوقت طويل) وبالفعل تتمكن الجماعة المنفذة للعملية من نقل الصندوق إلي إحدي السفن التي كانت علي وشك مغادرة الميناء إلي جنوا. غير أن ( عثمان بن الحلوة) مدير أمن الظاهر بيبرس والمجرم سابقا، يتمكن من إنقاذه في اللحظة الأخيرة. ليكتشف بيبرس الخطأ الذي ارتكبه من وجهة نظر الحكّاء الشعبي وهو أنه تحرك بغير أن يخطر أجهزته الأمنية.