يترقب الملايين في العالم العربي ما ستسفر عنه القمة العربية الاقتصادية الثانية المنعقدة في شرم الشيخ من نتائج والتي من المتوقع لها أن تكون خطوة جادة في مسيرة التكامل والتعاون المشترك وتعزيز التجارة البينية بين الدول العربية التي تخلفت كثيراً رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار من بعض الدول تأتي علي رأسها مصر. وشاءت الأقدار أن تنعقد هذه القمة وقد خيمت علي سماء المنطقة العربية أحداث تونس التي نتجت عن دوافع وعلات اقتصادية تتعلق بالبطالة وسوء توزيع الثروة واحتكارها من قبل فئات مقربة من أهل السلطة والحكم في تونس، فضلاً عن قمع ممنهج للحريات لا مثيل له من بين دول المنطقة. إن أحداث تونس أثبتت بامتياز ديمومة وفعالية نظرية أن الاقتصاد هو صانع السياسة ومحركها في كل عصر ومكان، برغم أنه لا خلاف علي ذلك بين فقهاء ومفكري الاقتصاد والسياسة والاجتماع، كما أن تردي بعض الاقتصادات العربية تحت وطأة المشاكل التي تعاني منها، خصوصاً فيما يتعلق بالبنية التحتية الأساسية، وترهل التشريعات الجاذبة للاستثمار، ووجود بقايا من أشلاء القطاع العام الذي سيطر علي اقتصادات بعض الدول العربية وأسهم في تخلفها الحضاري والفكري قبل الاقتصادي، ورسخ من ثقافة التواكل والتكاسل بين شعوبها ردحاً من الزمن، وخلق أجيالاً من المعالين، ممن اعتادوا أن توفر لهم الحكومات المعاشات والوظائف داخل دكاكين القطاعين العام والحكومي. لا يختلف اثنان علي أن الواقع الراهن للاقتصاد العربي الكلي مخز رغم بعض المؤشرات التي قد تفتح المجال أمامنا بارقة أمل، أو ضوء في آخر النفق، هذا الواقع المؤلم التي تؤكده الأرقام والإحصائيات أسهم في خفض الاستثمارات العربية البينية إلي 1.6 % من إجمالي الاستثمارت العربية الموظفة في الخارج، كما لم تتجاوز حصة الدول العربية 1% من إجمالي التدفقات العالمية للاستثمارات الأجنبية. وهذا والمناخ الاقتصادي العربي المتردي زاد من حجم الاستثمارات العربية في الخارج إلي أكثر من ألف مليار دولار أمريكي. إن وجود الإرادة السياسية وهي متوفرة الآن شرط أساسي للتكامل الاقتصادي الذي تسعي إليه الدول العربية من خلال تعزيز آليات التنمية واستكمال المنظومة المتعلقة بالنقل البحري وتوحيد الأنظمة الاقتصادية العربية والإطار المستقبلي للاتحاد الجمركي العربي وتوفير الموارد المالية لدعم تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتفعيل المشاريع الاقتصادية التي تهدف إلي مواجهة تحديات المواطن العربي، وعدداً من الموضوعات المطروحة الأخري أمام الزعماء والقادة العرب في شرم الشيخ والتي تؤدي إلي السوق العربية المشتركة المقرر تنفيذها عام 2022 والمسبوقة بإنشاء اتحاد جمركي عربي عام 2015 . ففي السابق كان يشير الاقتصاديون بأصابع الاتهام إلي الساسة بأنهم وراء انخفاض التجارة البينية العربية وتدني الاستثمارات العربية البينية مقارنة بحجم الاستثمارات العربية الموظفة في الخارج والتي أتت علي معظمها الأزمة المالية العالمية التي عصفت بنا خلال العامين الماضيين، الآن الفرصة سانحة أمام الاقتصاديين العرب لأن يضعوا أيديهم علي مواضع الخلل والبدء في إجراءات الإصلاح الذي تتطلبه الاقتصادات العربية بعد أن وفرت لها القيادات السياسية المناخ الملائم الذي يمكنهم من تذليل العقبات للارتقاء بالاقتصاد العربي وفتح الأبواب مشرعة أمام الانتقال السلس والآمن للاستثمارات ورؤوس الأموال العربية الجادة متخطية الحواجز والحدود العربية، ويجب علي بعض الاقتصاديين أن تتشكل لديهم قناعة كاملة تكمن في امتلاك العرب لقدرات اقتصادية هائلة ترتكز علي المنافع المشتركة والأسس الاقتصادية التي تراعي توزيع الموارد والمزايا النسبية لكل دولة عربية تصل بنا في نهاية المطاف إلي سوق عربية مشتركة، تتجسد علي أرض الواقع بعد أن طال انتظارها ما يقرب من نصف قرن. ونستطيع أن نقول بإنصاف أن الساحة الاقتصادية العربية مهيأة الآن للتكامل الاقتصادي أكثر من أي وقت مضي، وذلك يعود الفضل فيه إلي الخطوات الجادة لبعض رجال الأعمال العرب الذين مهدوا الطريق نحو تكامل رؤوس الأموال العربية للاستثمار في المشروعات الاقتصادية المشتركة، أثمرت عن نتائج إيجابية في إنشاء مشاريع استثمارية مشتركة في مصر ودول الخليج والمغرب العربي والسودان ولبنان، يجب أن يتم البناء عليها وتعزيز فرص نموها وإزاحة القيود التي تعوق انتقالها. من المؤكد أن القادة والزعماء العرب في شرم الشيخ يدركون أن الخروج من المأزق العربي الراهن الذي يحيق بالشعوب والحكومات العربية علي حد سواء لن يتأتي إلا برؤية اقتصادية عربية مشتركة تخرج بها قمة شرم الشيخ الاقتصادية تعيد للعرب قوتهم ووحدتهم، خصوصاً أن العالم العربي يزخر بموارد وإمكانيات اقتصادية حقيقية قادرة علي بناء قوة اقتصادية عربية متكاملة لا ينقصها إلا الإرادة السياسية التي هي حاضرة الآن بفضل المشهد التونسي.