بين الخيال الفلسفي والرعب البيولوجي والجسد وعلاقته بالروح يطوف بنا الكاتب الشاب كريم الصياد في مجموعته القصصية الرجال "Y"، وكذلك في روايته (ن= ؟ ف)، الاسمان يبدوان غريبان علي أذن القارئ، لكن المؤلف نفسه يؤكد أن غرابتهما من غرابة الأفكار التي يتناولها، تحدث الصياد حول طبيعة كتاباته التي تختلف كليا في موضوعاتها وتقنياتها وتيار الكتابة السائد، و آرائه حول تقبل الجمهور العربي لأدب الرعب، ورأيه في مستقبل هذا الأدب: لماذا اخترت مجال رعب الخيال العلمي تحديدا للكتابة فيه وكيف تري هذا النوع في مصر ؟ - اتجاهي للكتابة في رعب الخيال العلمي نابع من توجهات ذاتية بالدرجة الأولي، وليس لأن هذا النوع نادر مثلاً في الأدب العربي وما يزال بكرًا، فقد أثّرت دراستي للعلوم الطبيعية والطبية بوجه خاص في تصوراتي عن الإنسان وخاصة الجسد، وعلاقته بالروح والشعور، وهي الأفكار الأساسية العامة في روايتي ومجموعتي القصصية الصادرتين مؤخرًا، وكان هذا التأثير موجهًا لي نحو هذا النوع من أدب الرعب، أما اتجاهي لأدب الرعب عمومًا، فينبع من اهتمامي بخبرة الخوف لدي الإنسان، واعتقادي في أنها الغريزة الأساسية التي تحكم السلوك البشري مهما تحضّر وتطور. لماذا هذه العناوين الملغزة في المجموعة القصصية والرواية؟ - العناوين قد تكون ملغزة، وقد تكون مثيرة للفضول، وقد تكون الاثنين معًا، وعلي أية حال فأنا لم أتعمد شيئًا، بل فرضت الأفكار نفسها علي العناوين، فجاءت علي مقدار غرابة الأفكار ربما. كيف استفدت من دراستك للطب والفلسفة واللغات في كتابتك النثرية الأخيرة؟ - قارئ روايتي ومجموعتي القصصية سيجد تأثرًا كبيرًا بمجالي الطب والفلسفة بالفعل، فخبرة دراسة الطب البشري خبرة لا تنمحي من الفكر ومن الوجدان، كما أنني حاولت من خلال أعمالي أن أقدم ما أؤثر أن أطلق عليه: الخيال الفلسفي، وهو يختلف عن الخيال العلمي في أنه يعتمد علي نظرية فلسفية بدلاً من نظرية علمية، أما دراسة عدد من اللغات فهي مفيدة للأديب بصفة عامة، حيث تفتح أمامه مجالاً للخبرة بآداب مختلفة، كما تمنحه عمقًا أكبر في التعامل مع اللغة. ما هي أهم التساؤلات التي تطرحها المجموعة والرواية؟ - ربما تدور أهم هذه التساؤلات حول: الجسد، وعلاقته بالروح كما ذكرت، خبرة الخوف ومدي أهميتها في توجيه السلوك والوعي البشري، الحدود الفاصلة بين الحقيقة والحلم والوهم والجنون، علاقة الإنسان بالإله من جهة، وبالحيوان والبيولوجيا من جهة أخري. ركزت في عمليك علي الرعب البيولوجي وما يهتم بالأمراض المتحولة والمسوخ وغيرها فلماذا؟ - تعبيري عن الرعب البيولوجي له أسبابه الذاتية، وهي خبرة ما أسميه بالصدمة البيولوجية، أو صدمة الإنسان حينما يحس للحظة أنه مجرد جسد، بلا روح، وربما بلا أية امتدادات أو روافد روحية وميتافيزيقية، إنه شعور صادم يهرب منه الإنسان دومًا، رغم أنه يواجهه في كل مرة يشعر فيها بالتعب أو المرض أو يفكر فيها في الموت، بدرجة أو بأخري. أصررت علي الفصل ما بين مشروعك النثري ومشروعك الشعري، ثم عدت لتؤكد علي أنهما امتداد لمشروع واحد فكيف هذا؟ - يشترك المشروعان في أنهما عبرا عن خبرة الخوف بشكلين مختلفين، أو بأشكال مختلفة، فشعري يمكن أن يصنف تحت أدب الرعب، رغم أن لغة المجاز الشعري تعوق التعبير الدرامي الافتراضي، الذي يميز أدب الرعب وغيره عن آداب الواقع الافتراضي كالخيال العلمي والفانتازيا، لكن المشروعين يختلفان في كون كل منهما مستقلاً داخليا، فشعري يتكون من دواوين متتالية، تركّب فكرة واحدة في النهاية، لكن القصة والرواية تشكل مشروعًا آخر. تري أن أدب الرعب هو أدب المستقبل ما السر وراء يقينك هذا؟ - ليس أدب الرعب فقط، بل آداب الواقع الافتراضي عمومًا، نظرًا للاقبال الكبير عليها كتابةً وقراءةً، رغم أنها لا تحظي باهتمام نقدي لائق حتي هذه اللحظة. لكن هل تتوقع أن يتقبل الجمهور العربي مثل هذا النوع الأدبي بذائقة مرحبة؟ - من السهل أن يتقبل الجمهور العربي أدب الرعب، فقد حدث ذلك فعلاً، بدليل المواقع الأدبية الإلكترونية، ومجموعات الفيس بوك التي تمتلئ بقصص وروايات كاملة من أدب الرعب لكتاب شباب مجرّبين، وبعضهم صاحب جنون أو عبقرية، أو علي الأقل موهبة، والتجريب بداية الإبداع، وإذا ظهر التجريب الفني في أدب ما، فعلينا أن نتوقع لهذا النوع السيادة المستقبلية، لكن أدبي أنا ربما يتضمن أبعادًا أعمق من أن تصل إليها القراءة السريعة التي تعود عليها قراء آداب الواقع الافتراضي. وهل وجدت مساندة من الجمهور والنقاد ومبدعي جيلك لقاء هذان العملان؟ وجدت مساندة المبدعين، وكثير من القراء، لكن النقاد لا يزالون في سبات عميق، ولا يدركون نوعية ودرجة التحول العميق الذي يعيشه الواقع الأدبي، وربما نحتاج لأن نكون نحن نقادًا، كما نحن بالفعل كتاب، حتي يظهر الناقد المنتظَر. وكيف تري قصص الرعب التي تقدم الآن من كتّاب مثل أحمد خالد توفيق وغيره؟ - كتابات أحمد خالد هي التي عرّفت شريحة كبيرة من القراء الذين صار منهم كتابٌ كثيرون بأدب الرعب، وقد قدم الدكتور أحمد خالد توفيق عدة أعمال ذات شعبية كبيرة وجودة عالية ضمن أعماله الكثيرة، وربما أهمها: أسطورة الجاثوم، وبيت الأشباح، لكن أدب الدكتور أحمد خالد نوع من الأدب الجماهيري الموجّه نحو شريحة محددة من القراء، ولا يطرح أبعادًا فلسفية أو نفسية أو اجتماعية غالبًا، فهو أدب ذاخر بالقدرة علي الإمتاع، لكنه يخلو تقريبًا من الإشكال الوجودي والاجتماعي، كما يخلو تقريبًا من التعامل الفني مع اللغة والرمز، رغم الشعبية التي حظي بها أسلوبه وجودته.