"المكابياه" أولمبياد اليهود.. أولها استعمار وآخرها استيطان! بعد أن تزايد عدد أندية المكابى فى فلسطين والدول العربية وفى أوروبا كذلك، طور الصهاينة من خططهم الاستعمارية واستثماراتهم الرياضية فى هذه الأندية، وقرروا إنشاء الاتحاد العالمى لأندية المكابى (MWU). وجاء الإعلان عن إنشاء هذا الاتحاد الرياضى قبل بضعة أيام من المؤتمر الصهيونى الثانى عشر الذى عقد فى مدينة كارلسباد بتشيكوسلوفاكيا فى سبتمبر 1921، برئاسة ناحوم سوكولوف. والمثير أن هذا المؤتمر كان الأول بعد وعد وزير الخارجية البريطانى آرثر جيمس بلفور إلى اللورد الملياردير الصهيونى ليونيل وولتر دى روتشيلد، والذى يشير فيه إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين. وبدا فى هذا المؤتمر قادة المؤتمر الصهيونى وكأنهم يتسابقون نحو الخطوة الاستعمارية التالية، ألا وهى الانتقال الفعلى بنشاطهم الاستعمارى الاستيطاني.. وكان من أهم أغطية هذا النشاط الاستيطانى المتزايد فى أرض فلسطين ذلك النشاط الرياضى لأندية المكابي. لذلك لم يكن غريباً أن يكون من بين الأهداف المعلنة للاتحاد العالمى لأندية المكابى تربية أعضاء الأندية التابعة لهذا الاتحاد بالروح الصهيونية، وإعدادهم من خلال الرياضة من أجل الدفاع عن حياة اليهود وممتلكاتهم أينما كانوا، وحتى بالوسائل العسكرية لو تطلب الأمر ذلك! فى عام 1924 طلب المكابى من الاتحاد الدولى لرياضة الهواة تمثيل فلسطين، لكن إدارة هذا الاتحاد المعروف حالياً بالاتحاد الدولى لألعاب القوى (IAAF) رفضت الطلب الصهيونى لأنه لا يمثل بلداً مستقلاً، كما قوبلت كذلك بالرفض المحاولات الصهيونية الخبيثة للانضمام إلى الاتحادات الدولية فى الألعاب الأخرى والانضمام للجنة الأولمبية الدولية تحت اسم أرض فلسطين وبشعار وعلم صهيونى وبحرفى «L.D» اللذين كانا يعرفان بأنهما يمثلان اختصارا لكلمة «أرض إسرائيل»، مما جعل فكرة تنظيم أولمبياد خاص لأندية المكابى وكل التنظيمات الرياضية الصهيونية فى العالم تتبلور فى عقل الفتى الصهيونى الرياضى جوزيف يكوتيلى، وهو أحد أعضاء فريق الدراجات الصهيونى فى العشرينيات من القرن الماضى، حيث اقترح فكرة تنظيم أولمبياد صهيونى يضم كل أندية المكابى فى العالم تحت اسم «المكابياه» أو «المكابياد»، وكتب بعد ذلك موضحاً سبب إقدامه على فكرة تنظيم هذا الحدث الرياضى الكبير قائلا «إن اليهود لم يكن بوسعهم المشاركة فى الألعاب الأولمبية فى أمستردام عام 1932، لأن اللجنة الأولمبية تعترف بحقوق المشاركين ضمن حدودهم فقط. إن المساعى المستمرة للسماح لنا بالمشاركة فى هذه الألعاب حثتنا على أن نقوم بتنظيم أولمبياد يهودى يساعدنا على المشاركة فى المنافسات العالمية ويهيئ لنا الطريق من أجل تطوير الرياضة بين شبابنا». وبالطبع رحب أعضاء المنظمة الصهيونية العالمية والاتحاد العالمى لأندية المكابى بهذه الفكرة، وتذكروا المقولة الشهيرة لمؤسس الحركة الصهيونية العالمية النمساوى الخبيث تيودور هيرتزل حين علق على مهرجان رياضى صهيونى أقيم على هامش المؤتمر الصهيونى السادس فى سنة 1903 بقوله «إن المردود الذى يحدثه هذا المهرجان الرياضى ليفوق مائة خطاب من خطاباتي!». وبدأ التخطيط والتنظيم لإقامة هذا المكابياه والاستفادة منه استيطانيا واستعماريا لأقصى درجة ممكنة، وكانت أولى تجارب إطلاق فكرة ذلك الحدث العنصرى غير الأولمبى اليهودى الديانة والصهيونى الهوى فى العاصمة النمساوية فيينا، على هامش المؤتمر الصهيونى الرابع عشر فى عام 1925، والذى تمت فيه الدعوة إلى إقامة هذا المكابياد بعد ذلك فى أرض فلسطين فى عام 1927.. لكن حاييم هيرتزوج رئيس المنظمة الصهيونية رفض إقامته فى هذه السنة، لأن الظروف السياسية لم تكن مواتية، حيث قال هيرتزوج إن إقامة مثل هذا الحدث الرياضى الكبير قد تثير غضبة سلطات الانتداب البريطانى على أرض فلسطين.. لكن الصهاينة لم ييأسوا وعاودوا الكرة فى عام 1931 بعدما عينت لهم الحكومة البريطانية السير آرثر واكهوب مندوبا ساميا على فلسطين وهو المعروف بميوله الصهيونية، والذى استمع لنصيحة صديقه أرسلوسوروف عضو قيادى فى الوكالة الصهيونية بضرورة رعايته لتنظيم المكابياد على أرض فلسطينالمحتلة، وللتغطية على الأسباب الاستيطانية لتنظيم هذا الحدث شبه الرياضى رفع المسئولون عن الوكالة الصهيونية شعار أن الرياضة لا علاقة لها بالسياسة، وأن هذا الحدث رياضى بحت.. ولذلك فقد تمت دعوة عدد من الدول العربية للمشاركة فيه، بجانب الدول الغربية، وكان من بين الدول المشاركة فيه سوريا، مصر، النمسا، أستراليا، إنجلترا، استونيا، الولاياتالمتحدة، بلغاريا، بلجيكا، ألمانيا، الدنمارك، هولندا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، فرنسا، كندا، رومانيا، سويسرا. وكان من الطبيعى والوكالة الصهيونية هى إحدى الجهات الراعية لهذا الحدث أن يكون ذلك المكابياد غطاء مشروعا لعملية من أكبر عمليات الهجرة غير الشرعية لأرض فلسطين. وفى التاسع والعشرين من شهر مارس 1932 وفى أجواء احتفالية ودعائية صاخبة للصهيونية وللدولة العبرية التى خطط الصهاينة جيداً لإقامتها على أرض فلسطين المغتصبة، افتتحت دورة ألعاب المكابياه الصهيونية الأولى فى مدينة تل أبيب، وتسببت هذه الدورة فى دخول الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من الدول المشاركة سواء من اللاعبين أو الإداريين المنتمين للأندية الصهيونية فى هذه الدول أو من المشجعين لها، وذلك لإقامة الدولة العبرية على أنقاض دولة فلسطين البائسة، وقد تراوح عدد المهاجرين بسبب هذا الحدث بين 3500 و4000، وقالت المصادر الصهيونية نفسها إن نحو 1591 منهم قد بقوا فى فلسطين.. وأعربت الوكالة الصهيونية عن سعادتها بهذا المكابياه الذى حل لها مشكلات تأشيرات الدخول إلى ارض فلسطين تحت غطاء الرياضة الثقيل، وهو الأمر الذى سمحت به الإدارة الانجليزية وقبل به العالم، واكتفت الحكومات العربية بالإدانة والشجب كعادتها!. وفى المكابياه الثانى فى تل أبيب عام 1935، وصل عدد الدول المشاركين فيه إلى 1350 رياضيا صهيونيا من 28 بلدا، ونجحت الوكالة الصهيونية فى استخراج تأشيرات دخول بداعى السياحة الرياضية لنحو 16900 يهودى وصهيونى من مختلف دول العالم ليمكثوا فى أرض فلسطين فى أكبر عمليات الاغتصاب الجماعى فى تاريخ الرياضة العالمية، لذلك لم يكن غريباً أن يفخر جوزيف يكوتيلى صاحب فكرة إنشاء المكابياد بفكرته ويقول بعد ذلك فى أحد مقالاته «إن الاعتراف بأرض إسرائيل من قبل الاتحادات الدولية كان نتيجة طبيعية لنجاح مهرجان المكابياه». ويرصد موقع «maccabiah.com» العبرى بالتفصيل الممل تاريخ المكابياه وكيف أنه لم يتوقف إلا فى الفترة بين عامى 1938 و1950 بسبب الحرب العالمية الثانية وصعود نجم النازيين بقيادة هتلر.. وبالطبع لا يستحى هذا الموقع من أن يعدد أفضال المكابياد على عملية الهجرة إلى أرض فلسطين.. وبجولة سريعة فى الزمان ما بين عامى 1932 (الذى شهد افتتاح أول دورة ألعاب مكابياد) و2009 (الذى شهد الدورة الأخيرة لهذه البطولة العنصرية) نتأكد من أن هذه البطولة قد ابتعدت تماماً عن أى أهداف سعت ودعت إليها الحركة الأولمبية منذ عهد البارون دى كوبرتان، والتى يتصدرها «غرس روح الصداقة والتفاهم فى نفوس الشباب، لبناء عالم أكثر أمنا من خلال الرياضة»، حيث عمد هذا المكابياد إلى غرس روح العزلة وخلق جيتو رياضى جديد للرياضيين اليهود بشكل عام والصهاينة على وجه التحديد من خلال هذه الدورة التى كانت آخر نسخة منها فى تل أبيب فى عام 2009، والتى شارك فيها 8000 يهودى من 56 دولة حول العالم، وافتتحها رئيس الدولة شيمون بيريز ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذى قال فى مطلع كلمته الافتتاحية للرياضيين المشاركين فيها «على الرغم من أنكم تمثلون 56 دولة فإنكم بالأساس تمثلون شعبا واحدا، هو شعب إسرائيل، وأدعوكم للانتقال والعيش فى الدولة اليهودية». وقد ترجم وزير الهجرة الإسرائيلى إيلى أفلاتو توجيهات رئيس حكومته ال«نتنياهو»، وأعلن على هامش هذه البطولة عن مزايا وعروض غير مسبوقة فى تاريخ المكابياه حيث قرر منح 3500 دولار أمريكى لكل مشارك يعترف بقدسية الهجرة إلى أراضى إسرائيل، كما وعد أفلاتو بإعطاء منحة قدرها 4000 شيكل لكل مشارك لشراء الأجهزة والمعدات الرياضية، بالإضافة إلى منحة دراسية قدرها 1200 شيكل لمدة أول تسعة شهور لأى من المشاركين الذين يريدون الالتحاق بأى من الكليات أو الجامعات الإسرائيلية، والعرض سار حتى عام 2011. ومن جانبه فقد كشف كارلوس تابييرو، السكرتير العام لمنظمة المكابى العالمية، لوكالة الأنباء الإسرائيلية عن الأسباب الحقيقية لتنظيم مثل هذه البطولات العنصرية قائلاً «المكابياه ليست رياضة فحسب، بل إنها حدث ينمى الهوية الصهيونية لدى يهود العالم، ويشجع على الهجرة لإسرائيل». لذلك لم يكن غريبا أن تدعو الحكومة الإسرائيلية نجوم الرياضة العالمية من اليهود من أصحاب الجنسيات الأخرى للترويج لهذه الدورة وتشجيع الشباب اليهودى على الهجرة لإسرائيل، ومن بين هؤلاء النجوم السباح الأمريكى جاسون ليزاك الحاصل على سبع ميداليات أولمبية، والذى حمل شعلة المكابى ال18 (الأخير)، والذى كشف لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن سبب مشاركته فى هذه الدورة قائلا «لقد جاءت مشاركتى لأسباب غير رياضية، لكن هذه المشاركة ستتيح لى الفرصة لزيارة إسرائيل للمرة الأولى فى حياتى وتعلم المزيد عن جذورى اليهودية»!