حالة من الرعب والذعر تسود بين أهالي المصريين العاملين بليبيا من أبناء مدينة ديروط التابعة لمحافظة أسيوط على مصير أبنائهم العالقين هناك، بعد الذي حصد أرواح 21 شابًا من أبناء محافظة المنيا على يد "داعش"، ليزداد قلقهم بعد التصعيد المصري بضربات جوية على مناطق للمدنيين في درنة. أماني تراود أهل الصعيد بألا تخطف المغامرات السياسية فلذات أكبدهم بعدما فشل الفقر المدقع في القضاء عليهم ففروا هربًا إلى الخارج لتوفير قوت يومهم، ليواجهوا نيران دولتهم ورصاصات المسلحين هنا. مراسل شبكة "رصد" في أسيوط تجول في بعض القري بمدينة ديروط المعروفة بكثرة تواجد أبنائها فى الأراضي الليبية، الفقر يكسو حوائط منازلهم، وتجاعيد الهموم تقاسمت وجوههم، وأبى الحزن إلا أن يطالهم على ذويهم في ليبيا. من هذه القرى "مسرة" التي تعيش هذه الأيام فى كابوس انتظارًا لجثث أبنائهم، ممنين أنفسهم بعودتهم سالمين. يقول الحاج شوقي والد الشاب أحمد الذي يعمل في ليبيا ابن ال 30 عامًا: "ابني بيتغرب بقاله 15 سنة علشان يكون نفسه والمفروض كان ينزل الشهر اللي فات علشان يستعد لجوازه بس ما جاش أنا عايز ابني يا حكومة بقالي شهرين ماعرفش عنه حاجة".
بنبرة يملأها الحزن تحدثت الحاجة فتحية والدة مصطفى أحد أبناء القرية أيضا وهو يبلغ من العمر 45 عاما: "أبني بيروح ليبيا بقاله 20 سنة من الفقر اللي شافه في البلد دي أتغرب علشان يلاقي يأكل عياله ولدي اختار السيسي في الرياسة وفي الأخر سايبينه يموت في ليبيا وعياله يتيتموا وأبوهم حي حسبي الله ونعم الوكيل". المشهد نفسه يتكرر في قرية "بانوب" التي يظهر لك من أول وهلة تراها ضيق عيش أهلها وفقرهم؛ وهناك قابلنا ربة المنزل زينب محمود والتي يعمل زوجها محمد حسين داخل ليبيا منذ أكثر من 10 سنين ولديه من الأولاد اثنان إذ صرحت قائلة: "زوجي مالوش علاقة بالسياسة ولا غيرها ده راجل بيشتغل خياط في ليبيا علشان نقدر نعيش، زوجي كل ما أكلمه يقولي مش عارفيين ننزل وفي اتصالاته الأخيرة قال لي إنه يسكن في طرابلس بمنطقة اسمها تاجورة ومعه نحو مليون مصري هناك". وأضافت أنهم لا يستطيعون الخروج حتى إلى المطار، نافية ما قالته الحكومة المصرية بإرسال طيران لإجلاء الرعايا المصريين هناك. وتابعت: "أنا عايزة زوجي وبس، مش عايزين فلوس ولا أي حاجة بس هاتولنا عيالنا من هناك ولا هما الغلابة ملهومش مكان ودمهم رخيص يا حكومة". كيلو مترات قليلة تفصل "بانوب" عن "بني يحيي" لكن الألم واحد، إذ تحدث الحاج حسين والد الشاب حامد: "ولدي بعد ماصرفت علي تعليمه وكليته قعد جنبي في البيت عاطل، فبعنا البهايم اللي حيلتنا علشان أسفره ليبيا يشتغل هناك في مدرسة بقالة10 سنين ه، وبقالنا شهرين مانعرفش عنة حاجة إحنا مش عارفين دلوقت عيالنا عايشين ولا ميتين، وأمه ست مريضة وعندها السكر وعنيها راحت من البكاء عليه؛ أنا مستعد أنام وأقعد في الشارع قدام بيت السيسي لغاية ما يرجعلي ولدي".
وروى لنا خالد الذي كان يعمل في ليبيا منذ عدة سنوات وعاد العام الماضي ويعمل شقيه بدر الأن فى طرابلس قائلا إنه نجى من الموت بأعجوبة، حيث يعيش المصريين هناك في جحيم وعذاب من العصابات المسلحة اللي كانت تهاجهم وتسرق أموالهم. وتابع: "كانت حياتنا هناك في رعب مستمر وشغلنا كان متعطل كل يوم، بس هنعمل إيه هذا هو الحال داخل مصر بهدلة وخارج مصر بهدلة بس بهدلة الخارج بتجيب فلوس نعيش بيها لو الدولة وفرت شغل لأولادها ما كنش حد هيسافر يخدم في الخارج، مصر فيها خير كتير بس اللي نهبينها أكتر من رجال الأعمال والناس اللي فوق".