تتعرض مصر لحملة أجنبية شعواء مغرضة في الأونة الأخيرة ، تتهم السلطات المصرية بتكميم الأفواه ، و قصف الأقلام ، و تقييد الحقوق الدستورية للأفراد، و من بين هذه الحقوق الحق في الاعلام الذي نصت عليه العديد من المواثيق الدولية لحقوق الانسان، و من أهم هذه المواثيق العهد الدولي للحقوق السياسية، و المدنية الصادر عن الجمعية العام للأمم المتحدة عام 1966 ، و الذي نص علي حرية التعبير و الحق في الاعلام و غيرها من حقوق وحريات مرتبطة ارتباطا وثيقا لا ينفصم عن المسألة التي نتناولها وهي الجرائم الصحفية التي نصت عليها سائر التشريعات الوطنية في سائر النظم القانونية الوطنية و منها النظام التشريعي العقابي المصري . جلي أن الانسان يتمتع بجملة من الحقوق الاساسية السامية ، و من بين هذه الحقوق الحرية في التفكير و ابداء الرأي ، و تعد الصحافة من أهم الوسائل التي تضمن للانسان هذه الحرية ، حيث أضحت الصحافة مقياسا لحرية الشعوب ، فحرية الرأي و التعبير تكمن في جريدة أو كتاب أو في خطاب مصور أو مذاع ، و الدور المهم لوسائل الاعلام في التنوير الرقابة و الاعلام لا يتحقق الا اذا كانت هذه الوسائل المشار اليها حرة . لكن بالرغم مما سبق كله فان من السخف و الهزل الادعاء ، و المطالبة باعفاء الصحافة من المسئولية حين تساهم الصحافة في ارتكاب الجرائم بأي صورة من صور المساهمة الجنائية ، و منها التحريض ، فالحرية و المسئولية صنوان لا ينفصمان ، فالحرية تستوجب و تستدعي المسئولية عندما يتجاوز الصحفيون الحدود ، حين يحيقوا الخطر بالمصلحة العامة للمجتمع و الأمن القومي للبلاد ، فضلا عن الاضرار بالمصالح و الحقوق الشخصية للأفراد . إن الصحافة قد ترتكب بعض الجنايات التي من شأنها المساس بالنظام العام و الأمن العام كجناية نشر الأخبار الخاطئة أو المغرضة التي من شأنها المساس بأمن الدولة و الوحدة الوطنية ، أو نشر خبر او وثيقة تتضمن سرا من الأسرار العسكرية ، و في هذا السياق و بمناسبة المشهد السياسي المصري الراهن فلن نضرب مثالا معينا واحدا في معرض الجرائم المدعاة بزعم حرية التعبير و الحق في الاعلام . لكن يمكن للقارئ الكريم أن يستحضر الأحداث الأخيرة في مصر سواء في الملاحقة الجنائية لصحافيين منتسبين لقناة فضائية معروفة بسجلها الوثائقي التاريخي في التحريض ضد مصالح البلاد و العباد في مصر منذ ثورة الشعب الأخيرة في 30 يونية ، أو النفر القليل من الأعلاميين الذين استغلوا شبكات التواصل الاجتماعي قي الأيام الأخيرة ، و ذلك للتحرض علي استهداف ضباط و قيادات الشرطة بالقتل ، و منشاتها بالحرق والتخريب ، أي حرية تكون هذه و أي صحافة تكون هذه أيضا ؟؟ لقد جرم قانون العقوبات المصري في مادته 86 الأفعال التي تتضمن نشر الأخبار الخاطئة و المغرضة التي من شأنها أن تمس بأمن الدولة والوحدة الوطنية ، أيضا اذاعة خبر أو وثيقة تتضمن سرا عسكريا ، واعتبر القانون المصري أن هذه الجرائم تعد جنايات بحسبانها تشكل اعتداءا صارخا علي المصلحة العامة للمجتمع داخل الدولة . أيضا فقد حددت المادة 102 مكررا من قانون العقوبات جريمة اذاعة عمدا أخبارا أو دعايات مثيرة من شأنها تكدير الأمن العام أو احراز مطبوعات تتضمنها أو وسائل طبع أو تسجيل أو علانية مخصصة و لو وقتيا لها . لقد وضع الفقه و القضاء شروطا تكون حدودا لحق النقد لكي لا يقع تجاوزا في استعمال هذا الحق ، فيجب أن تكون الوقائع التي نشرت للعموم ثابتة الوقوع ، دون تزييف أو تشويه للحقائق ،ويجب أن يستهدف النقد المباح المصلحة العامة ، و ليس تقويض أو الاعتداء علي المصلحة العامة للمجتمع . وختاما، يجدر بنا أن نقرر أن الحرية مهما كان موضوعها ، و مهما كان هدفها ، لا تعني بأي شكل من الأشكال الاعتداء علي أمن و مصالح الدولة ، و لهذا فقانون العقوبات لابد أن يلعب دوره لتنظيم هذه الحرية ووضع الحدود الموضوعية لماهية الحرية الاعلامية ، و معاقبة كل من يتجاوز في استعمال هذه الحرية ، فالحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الأخرين .