مثلت النصوص والفقرات الخاصة بالإعلام والصحافة فى دستور 2012 نقلات نوعية للإعلام المصرى إلى الأمام بينما يعتبر ما ورد فى تعديلات لجنة الخمسين مجرد رتوش لم تضف كثيرا سوى النص على منع وقف أو إلغاء الصحف وهو ما خالفته سلطة الانقلاب عقب الانتهاء مباشرة من صياغة الوثيقة، وإلغاء الحبس فى بعض جرائم النشر وليس كلها على خلاف مطالب القوى الإعلامية الليبرالية واليسارية فى عهد مرسى، وكذا النص على عدم رفع الدعاوى بطريق الادعاء المباشر على الأعمال الفنية والأدبية وقصر إقامة الدعاوى من خلال النيابة فقط بما يعنى إنهاء دعاوى الحسبة رغم أنها كانت قد انتهت بالفعل فى قانون المرافعات عقب قضية التفريق بين الدكتور نصر أبو زيد وزوجته. بدأ الاهتمام بالإعلام والصحافة فى دستور 2012 من الديباجة التى أورت فقرة كاملة تضمنت حديثا شاعريا عن القوى الناعمة ومن ضمنها الإعلام والصحافة "ريادة مصر الفكرية والثقافية، تجسيد لقواها الناعمة ونموذج عطاء بحرية مبدعيها ومفكريها، وجامعاتها، ومجامعها العلمية واللغوية ومراكزها البحثية، وصحافتها وفنونها وآدابها وإعلامها، وكنيستها الوطنية، وأزهرها الشريف الذى كان على امتداد تاريخه قوّاما على هوية الوطن، راعيا للغة العربية الخالدة، والشريعة الإسلامية الغراء، ومنارة للفكر الوسطى المستنير" بينما لم تتضمن ديباجة الدستور الجديد أى إشارة عن الإعلام. أما النقلات الكبرى التى تضمنها دستور 2012 فهي: أولا حق الحصول على المعلومات ومساءلة من يمتنع عن إعطاء المعلومات لأول مرة وهو ما ورد فى المادة (47) "الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، والإفصاح عنها، وتداولها، حق تكفله الدولة لكل مواطن؛ بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة، وحقوق الآخرين، ولا يتعارض مع الأمن القومى. وينظم القانون قواعد إيداع الوثائق العامة وحفظها، وطريقة الحصول على المعلومات، والتظلم من رفض إعطائها، وما قد يترتب على هذا الرفض من مساءلة". وكانت نصوص الدستور السابق فى 1971 تتحدث فقط عن حق المعلومات دون أن تقرنه بعقوبة توقع على من يمتنع عن الادلاء بالمعلومات وقد تكررت هذه المادة فى نصين يكملان بعضهما فى وثيقة الخمسين المادة (68): المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها وترقيمها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقًا للقانون. ورغم أن نص المادة 68 جاء خاليا من قيد الأمن القومى التى وردت بدستور 2012 إلا أن هذا القيد جاء فى نص آخر فى وثيقة الخمسين فى المادة (31): أمن الفضاء المعلوماتى جزء أساسى من منظومة الاقتصاد والأمن القومى، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها، على النحو الذى ينظمه القانون. المادة 48 كانت مجرد تكرار بصياغة جديدة لنص فى دستور 1971 وان خلت من ذكر جملة الصحافة سلطة شعبية مستقلة، وذلك لأن تلك الجملة كانت مجرد وهم باعه الرئيس الأسبق السادات للصحفيين فى غمرة صراعه مع قسم منهم، فأراد أن يسترضيهم بهذه الصياغة التى لا تعنى فى الواقع شيئا لأن السلطات فى كل النظم الديمقراطية هى ثلاث حصرا (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ولم يكن هناك اى معنى أو قيمة ملموسة للادعاء بان الصحافة سلطة شعبية مستقلة، ولذلك لم نجد دفاعا للمطالبة بعودة هذه الجملة من نقيب الصحفيين ضياء رشوان ووكيل النقابة جمال فهمى وغيرهم من الصحفيين اعضاء لجنة الخمسين لإدراكهم لذلك المعنى، لكنهم كانوا حريصين على حذف جملة أخرى من المادة وهى "الاسهام فى تكوين الرأى العام وتوجيهه فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع"، وهو حذف يعكس هوية القائمين على التعديلات وها هو نص مادة دستور 2012 "المادة (48) حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة. وتؤدى رسالتها بحرية واستقلال لخدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأى العام والإسهام فى تكوينه وتوجيهه فى إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ على الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومى؛ ويحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائى. والرقابة على ما تنشره وسائل الإعلام محظورة، ويجوز استثناء أن تفرض عليها رقابة محددة فى زمن الحرب أو التعبئة العامة." وهذا هو نص مادة وثيقة لجنة الخمسين " المادة (72): تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص فى مخاطبة الرأى العام". النقلة النوعية الثانية فى دستور 2012 هى حرية اصدار الصحف لعموم الأفراد الطبيعيين وليس فقط الأشخاص الاعتبارية كما كان فى الدساتير السابقة. النقلة النوعية الثالثة فى المادة ذاتها هو العمل بمجرد الإخطار لإصدار الصحف دون الحاجة إلى التعقيدات الإدارية والأمنية التى كانت قائمة على مدار عقود سابقة، حيث نصت المادة (49) "حرية إصدار الصحف وتملكها، بجميع أنواعها، مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصرى طبيعى أو اعتبارى. وينظم القانون إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى وغيرها" وهو النص الذى تكرر فى وثيقة لجنة الخمسين فى المادة (70) مع فارق وهو تقليص حرية الإصدار للأفراد الطبيعيين وربطها بما ينظمه القانون بينما كان حقا مطلقا فى دستور 2012 ونص المادة 70 هو: "حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمى .وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون، وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعى والمرئى والصحف الإلكترونية". (بما يفتح الباب لعودة الرقابة الأمنية مجددا). النقلة النوعية الرابعة هى تكوين مجلس وطنى للإعلام وهيئة وطنية للصحافة والإعلام بما يحقق الاستقلالية الكاملة للصحافة والإعلام مهنيا وماليا وسياسيا الخ، وبما يلغى وزارة الإعلام ودور مجلس الشورى فى ملكية المؤسسات الصحفية القومية، وقد جاء تشكيل المجلس الوطنى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والإعلام ضمن الباب الرابع وهو باب الهيئات المستقلة التى وضع الدستور العديد من المواد التفصيلية التى تضمن استقلالها وحياديتها، وقد نصت المادة 215 على "يتولى المجلس الوطنى للإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئى وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويكون المجلس مسئولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة على تعدديته، وعدم تركزه أو احتكاره، وعن حماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة." كما نصت المادة (216) على "تقوم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام على إدارة المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان التزامها بأداء مهنى وإدارى واقتصادى رشيد".وقد تم تقسم هاتين المادتين إلى 3 مواد فى وثيقة الخمسين، وذلك بتقسيم الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام إلى هيئتين إحداهما للصحافة وتحل محل مجلس الشورى وأخرى للإعلام وتحل محل وزارة الإعلام، وكانت النصوص كالتالي: المادة (211): المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، وموازنتها مستقلة. ويختص المجلس بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئى، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وغيرها. ويكون المجلس مسئولًا عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومى، وذلك على الوجه المبين فى القانون. ويحدد القانون تشكيل المجلس، ونظام عمله، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيه. ويُؤخذ رأى المجلس فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عمله. المادة (212): الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهنى، وإدارى، واقتصادى رشيد. ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويُؤخذ رأى الهيئة فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها. المادة (213): الهيئة الوطنية للإعلام هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان استقلالها وحيادها، والتزامها بأداء مهنى، وإدارى، واقتصادى رشيد.ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويُؤخذ رأى الهيئة فى مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها. النقلة الخامسة وكانت تلبية لرغبة عارمة فى الوسط الصحفى ضمن القطاع المهنى بشكل عام وهى تكوين نقابة واحدة فقط لكل مهنة، وهذا ما يقضى على هواجس الكثيرين خصوصا فى الوسط الصحفى من إمكانية تعدد النقابات الصحفية ما يفقد الصحفيين امتيازاتهم ويعرضهم لبعض المخاطر وجاء النص دستور 2012 فى المادة (53) "ينظم القانون النقابات المهنية، وإدارتها على أساس ديمقراطى، وتحديد مواردها، وطريقة مساءلة أعضائها عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى وفق مواثيق شرف أخلاقية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة مهنية واحدة. ولا يجوز للسلطات حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى، ولا تفرض عليها الحراسة. وقد تكررت المادة فى وثيقة الخمسين المادة (77): "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطى، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم فى ممارسة نشاطهم المهنى، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة. ولا يجوز فرض الحراسة عليها أو تدخل الجهات الإدارية فى شئونها، كما لا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائى، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المتعلقة بها. أما الجديد الذى تضمنته وثيقة الخمسين فهو الخاص بإلغاء عقوبة الحبس فى بعض جرائم النشر وليس كلها، وحظر وقف أو اغلاق أو مصادرة الصحف ووسائل الإعلام بشكل مطلق بينما كان دستور 2012 ينص على جواز ذلك إلا بحكم قضائى حيث نصت المادة المادة (71): يحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون. وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائى للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون." وفى النقطة الأولى الخاصة بالحظر والإغلاق الذى يمنع الدستور فقد حدث بالفعل وبمجرد قرار إدارى عقب انتهاء اللجنة من صياغة وثيقتها وذلك بإغلاق صحيفة الحرية والعدالة الناطقة باسم حزب الحرية والعدالة والذى لا يزال قائما من الناحية القانونية ورغم ان دستور 2012 والدساتير السابقة تمنع وقف أو مصادرة الصحف بقرار إدارى. أما النقطة الثانية الخاصة بالحبس فى قضايا النشر فقد رفضت الجمعية التأسيسية تضمينها فى دستور 2012 بحجة أن هذا نص قانونى وليس نص دستورى، وكانت النية تتجه بالفعل لوضع المادة التى تضمنتها وثيقة الخمسين فى قانون الصحافة الجديد. هناك إضافة جديدة فى وثيقة الخمسين لا تقتصر على الإعلاميين وإن كانوا مستفيدين منها وهى الخاصة بحرية الإبداع ودور الدولة فى حمايته والتى تضمنتها المادة 46 من دستور 2012، غير أن وثيقة الخمسين اضافت إليها أمرا جوهريا وهو منع دعاوى الحسبة وقصر رفع الدعاوى على النيابة العامة فقط، وعدم توقيع عقوبات الحبس فى بعض جرائم الإنتاج الفنى، وهذه لمسة الفنانين المشاركين فى لجنة الخمسين ومنهم خالد يوسف وسلماوى وسيد حجاب وإسهامات إلهام شاهين وغيرها من الفنانين والفنانات الذين شاركوا فى صياغة الدستور ولجان استماعه فنصت المادة (67): حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها. وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائى للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون. ولا ننسى أن وثيقة الخمسين فى مقابل إطلاق حرية الإبداع فإنها ألغت المادة 44 التى كانت تحظر الإساءة للرسل والأنبياء.